< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /الآيات 1-3 من سورة الممتحنة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾ ﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الممتحنة1-3)

ذكر في المجمع أربع قراءات في "يفصل" فقال: (قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو يُفْصَلُ بينكم بضم الياء وفتح الصاد على التخفيف، وقرأ أهل الكوفة غير عاصم يُفَصِّلُ بضم الياء وكسر الصاد مشددا، وقرأ عاصم ويعقوب وسهل «يَفْصِلُ» بفتح الياء وكسر الصاد مخففا، وقرأ ابن عامر يُفَصَّلُ بضم الياء وفتح الصاد مشددا).

وقال في شأن النزول: (نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت رسول الله ص من مكة إلى المدينة بعد بدر بسنتين فقال لها رسول الله ص أ مسلمة جئت؟ قالت لا قال: أ مهاجرة جئت؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك؟ قالت: كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهب موالي واحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني‌ وتحملوني قال: فأين أنت من شبان مكة؟ وكانت مغنية نائحة، قالت: ما طلب مني بعد وقعة بدر، فحث رسول الله ص عليها بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها نفقة، وكان رسول الله ص يتجهز لفتح مكة فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وكتب معها كتاباً إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير عن ابن عباس، وعشرة دراهم عن مقاتل بن حيان، وكساها برداً على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة وكتب في الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله ص يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة ونزل جبرائيل فأخبر النبي ص بما فعل، فبعث رسول الله ص علياً وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد وكانوا كلهم فرساناً وقال لهم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها، فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول الله ص فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها من كتاب فنحوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع فقال علي (ع) والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقال لها أخرجي الكتاب وإلا والله لأضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد أخبأته في شعرها فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله ص، فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب؟ قال نعم، قال: فما حملك على ما صنعت؟ قال يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت عريرا فيهم أي غريباً وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يداً وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً فصدقه رسول الله ص وعذره فقام عمر بن الخطاب وقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله ص وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‌.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما هذه القصة عن عبد الله بن أبي رافع عن علي (ع).[1]

هذه الآية المباركة تأكيد على ركن من اركان الشريعة الاسلامية وهي التولي والتبري فلا ينبغي لاحد من المسلمين ان يتولون المعادي للإسلام والمسلمين ويتضح منها حقيقة عقلية من ان هناك تلازم بين عداء الله وعداء عباده فكل من هو عدو لله عدو لعباده أيضاً فلا يمكن الجمع بين ضدين

لان الطريق بينهما متعاكس قال تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[2]

فهل المراد من هذا الأصل مقاطعة غير المسلمين بتاتاً؟ الجواب: لا فان رسول الله صلى الله عليه واله كان يتعاهد مع اليهود والمشركين بقرارات سياسية واقتصادية فالأمر الذي يستفاد من هذه الآية عدم الموالاة يعني ان لا نقبل ولايتهم على أنفسنا ولا نركن إليهم ولا نضحي بمصالحنا لأجلهم كما ان حاطب بن ابي بلتعة أراد ان يبوح بسر حساس عسكري لو وصلت إليهم لما تم فتح مكة بلا إراقة الدماء واراد ان يتجسس لهم على المسلمين. فجاءت الآيات الكريمة تحذّر المسلمين من المودة التي توجب تقديمهم على مصالح الإسلام والمسلمين مثل ما فعل حاطب. يقول سبحانه في البداية: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ مؤكّدا أنّ أعداء اللّه هم يضمرون العداء للمؤمنين والحقد على المسلمين ايضاً، فلا ينبغي مدّ يد الصداقة والودّ إليهم؟ فهم أولاً: عدو الله وثانياً: عدو المسلمين ويضيف تعالى: ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ ففيها ذكر شاهد على عدائهم وهو الكفر بما جاء للمؤمنين واخراج الرسول والمؤمنين من المكة المكرمة. فثالثاً: كفروا بما جاءكم من الحق فيخالفونكم في العقيدة، ورابعاً: اخرجوا الرسول والمؤمنين من وطنهم فأنّهم شنّوا عليكم الحرب عمليّا، ويعتبرون إيمانكم باللّه- الذي هو أكبر فخر لكم وأعظم قداسة تجلّلكم- غاية الجرم وأعظم الذنب، ولهذا السبب قاموا بإخراجكم من دياركم وشتّتوكم من بلادكم، ومع هذه الأعمال التي مارسوها معكم، هل من المناسب إظهار المودّة لهم، والسعي لإنقاذهم من يد العدالة والجزاء الإلهي على يد المقاتلين المسلمين المقتدرين؟

ثمّ أشار الى عدم التناسب بين مواقفكم الايمانية ولقائكم لهم بالمودة فقال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي﴾ فلا تعقدوا معهم أواصر الولاء والودّ. فإذا كنتم ممّن تدّعون حبّ اللّه حقّا، وهاجرتم من دياركم لأجله سبحانه وترغبون في الجهاد في سبيله طلبا لرضاه تعالى، فإنّ هذه الأهداف العظيمة لا يناسبها إظهار الولاء لأعداء اللّه سبحانه ثمّ نبّه المرتكبين لهذا الخطأ الكبير بأن مدّ أواصر المودة لهؤلاء المشركين سراً لا يخفى عن الله عزّ وجلّ للمزيد فقال: ﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾.

ثم يتطرق على الخطر المكنون على المسلمين لو وجدوا أي فرصة لتوجيه عداءهم على المسلمين فقال: ﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ﴾ في هذا المقطع من كلامه تعالى تتميم لبيان عدم صلاحية هؤلاء المشركين لاتخاذهم أولياء والقاء المودة اليهم من انه أي فرصة تطرء لهم يظهرون عداءهم لكم ويبسطون أيديهم إليكم بالحرب ويتحدثون فيكم بالسوء ثم بين اهم المعادات منهم واشدها وهي محاولتهم لإضلالكم فقال: ﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ وهذه أوجع ضربة وأعظم مأساة منهم عليكم وفي الآية الاخيرة أشار الى الداعي الذي قد يكون بين المؤمنين ضعاف الايمان والسذج وهو تقديم الخدمة الى اهلهم وارحامهم من خلال ايادي الخير بين المشركين فقال: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ﴾. أي انكم اذا تقدّمون من هذا الطريق خدمة لأرحامكم حتى يصيروا لكم دعامة و معينا فلتعرفوا انكم واهمون لما تتصرّفون وتعملون مثل هذا العمل الذي يوجب سخط البارئ والتقرّب من أعداء اللّه وإرضاء المشركين فانه ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾ ويحتمل ان يكون المراد من الفصل بينكم هو الفصل بين المسلمين والكفار ويحتمل ان يكون المراد الفصل بين احاد البشر وهو الأقرب فهو يوم ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنبه﴾ و ﴿كل نفس بما كسبت رهينة﴾ ثم في الأخير أشار الى ان الله يعلم ما يفعله عباده من الخير والشر ونواياهم في اعماله فقال: ﴿وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo