< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 12-13 من سورة المجادلة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾[1]

قال في المجمع لشأن النزول: (قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا﴾ الآية فإنها نزلت في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يأتون النبي ص فيكثرون مناجاته فأمر الله سبحانه بالصدقة عند المناجاة فلما رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته فنزلت آية الرخصة عن مقاتل بن حيان و قال أمير المؤمنين صلوات الرحمن عليه: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾ الآية كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي رسول الله ص قدمت درهما فنسختها الآية الأخرى ﴿أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ﴾ الآية فقال ص بي خفف الله عن هذه الأمة ولم ينزل في أحد قبلي و لم ينزل في أحد بعدي‌ وقال ابن عمر: و كان لعلي بن أبي طالب (ع) ثلاث لو كانت لي واحدة منهن لكانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة و إعطاؤه الراية يوم خيبر و آية النجوى و قال مجاهد و قتادة لما نهوا عن مناجاته صلوات الرحمن عليه حتى يتصدقوا لم يناجه إلا علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات قدم دينارا فتصدق به ثم نزلت الرخصة).[2]

وصرّح بعض المفسّرين أيضا أنّ هدف البعض من «النجوى» هو الاستعلاء على الآخرين بهذا الأسلوب. وبالرغم من أنّ الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه وآله كان غير مرتاح لهذا الأسلوب، إلّا أنّه لم يمنع منه، حتّى نهاهم القرآن من ذلك [3] .

في الآيات السابقة منها كان البحث حول موضوع النجوى، وفي الآيات مورد البحث استمرارا وتكملة لهذا المطلب. يقول سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً﴾ و كما ذكرنا في سبب نزول هذه الآيات، فإنّ بعض الناس وخاصّة الأغنياء منهم كانوا يزاحمون الرّسول صلّى اللّه عليه وآله باستمرار ويتناجون معه، ولمّا كان هذا العمل يسبّب إزعاجا للرسول بالإضافة إلى كونه هدرا لوقته الثمين، وهم ان يكسبوا لأنفسهم شأناً عند الناس بلا استحقاق ومن دون مبرّر فلحسم مادة الفساد نزلت الآية واتت بهذا الحكم، وصار اختباراً لهم، و مساعدة للفقراء، و وسيلة مؤثّرة للحدّ من مضايقة هؤلاء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

ثمّ اضاف بقوله تعالى: ﴿ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾.

أمّا كون الصدقة خيراً فلانه كانت للأغنياء موضع أجر وللفقراء مورد مساعدة، وأمّا كونها (أطهر) فلأنّها تغسل قلوب الأغنياء من حبّ المال، وقلوب الفقراء من الغلّ والحقد، لأنّه عند ما تكون النجوى مقرونة بالصدقة تكون دائرتها أضيق ممّا كانت عليه في الحالة المجانية، وبالتالي فإنّها نوع من التصحيح‌ والتهذيب الفكري والاجتماعي للمسلمين.

ومن ناحية أخرى ما وجبت الصدقة على الفقراء قبل النجوى، فإنّه لو كانت واجبة على الفقراء ايضاً يحرمون من طرح المسائل المهمّة كاحتياجاتهم و مشاكلهم أمام الرّسول صلّى اللّه عليه وآله فلذا جاء في ذيل الآية إسقاط هذا الحكم عن المجموعة المستضعفة ممّا مكّنهم من مناجاة الرّسول صلّى اللّه عليه وآله و التحدّث معه وهو قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

والطريف هنا أنّ للحكم أعلاه تأثيرا عجيبا وامتحاناً رائعاً أفرزه على صعيد الواقع من قبل المسلمين في ذلك الوقت، حيث امتنع الجميع من إعطاء الصدقة إلّا شخص واحد، وهو الإمام علي عليه السّلام، فلما كشف بخل الأغنياء وعدم حاجتهم الماسة الى النجوى مع رسول الله نسخت الحكم ونزلت: ﴿أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾.

واختلف الاقوال في مدة الحكم، هل أنّها كانت ساعة واحدة، او ليلة واحدة، او عشرة أيّام، لكن الأقوى هو العشرة، لأنّ الساعة والليلة لا تكفي أبدا لمثل هذا الامتحان، مضافا الى ان المستفاد من فعل الإمام علي عليه السّلام هو كفاية عشرة أيام لانه باع ديناره بعشرة دراهم ودفع في كل مرة درهما والعادة تقتضي ان لا تكون عنه الحاجة في كل يوم اكثر من مرة فيظهر ان اقل المدة كانت عشرة أيام.

وفي قوله تعالى في هذه الآية ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ اشعار بما ارتكبوا ذنوباً إمّا بعدم دفع الصدقة ومراجعتهم الى رسول الله فيما يحتاجون اليه الى النجوى، او كانت نجواهم السابقة ذنبًا لانهم لم تكن لهم حاجة الى النجوى فزاحموا النبي بنجواهم المؤذية للنبي صلوات الله عليه او كان نجواهم السابقة بنيات فاسدة كالتظاهر والرياء، أو أذى المؤمنين الفقراء لمزاحمتهم في الجلوس مع النبي بلا مبرر.

أمّا الدعوة لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة اللّه ورسوله فقد أكّد عليها بسبب أهميّتها، وكذلك هي إشارة إلى أنّه إذا تناجيتم فيما بعد فيجب أن تكون في خدمة الأهداف الإسلامية الكبرى وفي طريق طاعة اللّه ورسوله.

مما هو ملفت للنظر ان الملتزم الوحيد للعمل بهذه الآية ومن دفع الصدقة قبل النجوى‌ كان هو علي عليه السلام وهذا الامر موجود في أغلب التفاسّير عند الفريقين من السنة والشيعة كما ينقل ذلك المجمع عنه عليه السّلام أنّه قال: "آية من كتاب اللّه لم يعمل بها أحد قبل ولم يعمل بها أحد بعدي، كان لي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي تصدّقت بدرهم".[4]

وجاءت في الدرّ المنثور- أيضا- روايات متعدّدة بهذا الصدد، في نهاية تفسير هذه الآيات. وفي تفسير روح البيان نقل عن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب أنّه قال:

«كان لعلي ثلاثة! لو كانت فيّ واحدة منهنّ لكانت أحبّ إليّ من حمر النعم: تزويجه‌ فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى» [5] .

قد يطرح سؤال نفسه بانه لماذا شرع هذا الحكم ثم نسخ؟ والجواب عن ذلك بعض الاحكام تصدر لمصلحة في مضمونه واحيانا هناك احكام تصدر للاختبار ولعل وضع الصدقة على النجوى مع رسول الله كان من هذا القبيل وفعلا حصل مصالح لوضع هذا الحكم، منها اختبار المدّعين لحبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واشتياقهم لمحضره، فاتّضح أنّ إظهار الحبّ هذا إنّما يكون إذا كانت النجوى مجانية، ولكن عند ما أصبحت النجوى مقترنة بدفع مقدار من المال تركوا نجواهم.

ومنها، ما وضّح للناس ان إشغال وقت رسول الله صلّى اللّه عليه وآله كان زحمة له كما ان هذا الامر صحيح بالنسبة جميع الكبار ممن له اعمال كثيرة فلابد ان لا يزاحموه إلّا عند الضرورات والامور المهمة والأساسية. فبعد هذا الحكم عفوا ان حضورهم لغير الضروريات ازعاج له وهذا الحكم صدر مؤقتا كما ان جميع الاحكام التي صدرت في الإسلام ثم نسخت كانت مفعوله لفترة معينة فان الله عالم بكل شيء وليس كالبشر يصدر حكما ثم تبين له عدم وجود المصلحة فيه.

هناك قد نجد من بعض المفسرين يحاولون انكار الفضيلة لأمير المؤمنين في دفعه الصدقة والنجوى مع رسول الله بانه كان بحاجة الى النجوى ولكن سائر الصحابة لم تكن عندهم حاجة الى النجوى فليس تركهم للنجوى فيه هزازة عليهم ولا فعل المولى بدفع الصدقة والاقدام على النجوى فضيلة له.

ولكن أولاً لسان الآية صريح في التوبيخ اذا تأملنا في قوله تعالى:﴿أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ بالأخص مفردة تاب الله عليكم صريح في المعصية فكيف يمكن ان نقول ان إقدام على دفع الصدقة والنجوى مع الرّسول صلّى اللّه عليه وآله لم يكن له فضيلة.

ثانياً: مقالة ابن عمر الذي مررنا عليه دال على عظمة هذا الفضيلة وهو كان يتمنى ان تكون له ذلك وجعله مرادفا لتزويج النبي كريمته لعلي عليهما السلام ومرادفا لفتح خيبر الذي قال فيه رسول الله: "ضربة علي يوم خيبر افضل من عبادة الثقلين".

 


[5] تفسير روح البيان ج6ص406.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo