< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 27 من سورة الحديد

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . لئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْ‌ءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [1]

قال فی المجمع فی شآن النزول: قال سعيد بن جبير بعث رسول الله ص جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه فقدم عليه ودعاه فاستجاب له وآمن به فلما كان عند انصرافه قال ناس ممن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا ائذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم به فقدموا مع جعفر فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا رسول الله ص وقالوا يا نبي الله إن لنا أموالا ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فأنزل الله فيهم «﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ . وَ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ . أُولٰئِكَ يُؤْمِنُونَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [2]

فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين، فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن به قوله ﴿أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ بما صبروا فخروا على المسلمين فقالوا يا معشر المسلمين أما من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجران ومن آمن منا بكتابنا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا فنزل قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ الآية فجعل لهم أجرين وزادهم النور والمغفرة ثم قال ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ﴾ وقال الكلبي كان هؤلاء أربعة وعشرين رجلاً قدموا من اليمن على رسول الله ص و هو بمكة لم يكونوا يهودا ولا نصارى وكانوا على دين الأنبياء فأسلموا فقال لهم أبو جهل بئس القوم أنتم والوفد لقومكم فردوا عليه ﴿وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ الآية فجعل الله لهم ولمؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه أجرين اثنين فجعلوا يفخرون على أصحاب رسول الله ص ويقولون نحن أفضل منكم لنا أجران ولكم أجر واحد فنزل ﴿«لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ»﴾ إلى آخر السورة، وروي عن رسول الله ص أنه قال "من كانت له أمة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه (ع) وآمن بمحمد ص فله أجران وأيما مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران" أورده البخاري ومسلم في الصحيح‌)[3]

الذين لهم سهمان من الرحمة الإلهية:

هذه الآية الباركة جاءت عقب آيات تحدثت حول اهل الكتاب، فإنّها مكمّلة لما جاء في الآيات السابقة، يقول سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾.

وهنا خلاف بین المفسرین فی المخاطب بهذه الآية ومن المراد من المؤمنين فيها:

فقال البعض ان المخاطب هم المسلمون فاراد الله ان يقول لا يكفي لكم مجرد الايمان والاقرار بالتوحيد والنبوة، بل لا بدّ أن يكون الإيمان عميقا توأما مع التقوى والعمل، كي تنالوا الأجر العظيم.

وقال الآخرون بإنّ المخاطب هنا هم مؤمنوا أهل الكتاب، واراد الله ان يقول لهم لا تكفيكم الايمان بأنبياء السلف عليهم السلام بل يجب عليكم من قبول الإسلام والايمان بمحمد صلى الله عليه واله والالتزام بتقوى اللّه والعمل بما اوجب علیکم من الشرائع كي يشملكم سبحانه بأنواع أجره وجزائه.

و الذي قد يقرب هذا المعنى هو إعطاء كفلين من رحمته والمقصود به جزاء الإيمان بالأنبياء السابقين، وجزاء الإيمان بمحمد صلى الله عليه واله والعمل بما جاء به.

ولکن هذا الاحتمال أولاً: لا ينسجم مع موارد استعمال "يا أيها الذين آمنوا" ثانياً: لا يوافق ما ورد من شأن نزولها ثالثاً: لا يتمشى مع الآية التي تليها ولذلك نقول هذا الاحتمال مرفوض.

فلمتعين هو الرأي الأول أي الخطاب للمسلمين الذين لم يتعمقوا في الايمان. ولا يخفى ان عنوان المؤمن كثيرا ما يطلق على مطلق المسلم كما بينا ذلك عند تفسير "انما المؤمنون اخوة" في سورة الحجرات.

ثم یتابع الله کلامه بقوله: ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.﴾ فیبشر من اکمل ایمانه بثلاثة أمور: كفلين من رحمته و نورا تمشون به و غفران الذنوب.

والكفل بمعنى الحصّة التي توفّر للإنسان حاجته، کما يقال للضامن كفيل حیث انه یتکفل ما علی غیره لغیره.

ولعل یاتی بنفس المعنى قوله تعالى: ﴿رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾

نعم یحتمل أيضا أن یکونا الکفلین أحدهما للإيمان برسول الإسلام صلّى اللّه عليه وآله والآخر للإيمان بالأنبياء السابقين، لأنّ الاسلام هو الایمان بجمیع الانبیاء افضلهم وآخرهم هو محمد بن عبد الله صلوات الله عليهم اجمعين. کا لابأس بصچق کل ه÷ه المعانی بما ان القرآن له سبعين بطونا وله تخوم في تخومه تخوم كما ورد في الروايات عن المعصومين عليهم السلام.

و اما قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾ قال بعض المفسّرين: إنّ المقصود بذلك هو نور الإيمان الذي يسبق المؤمنين في سيرهم يوم القيامة، حیث، یسیرون إلى الجنّة فینور طريقهم. كما ورد فی الآية ثانية عشرة من هذه السورة : ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى‌ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ﴾.[4]

وبعض المفسرین اعتبروا هذه الآية متكفلة لبيان النور في الدنيا كما قال تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [5] .

ولکن لا داعی لتخصیص النور بالدنیا او الأخره بل اطلاق النور يشمل كلا الموقفين ففي الدنيا ينور طريقهم لطاعة الله وفي الآخرة ينور طريقهم الى الجنة وبينهما تلازم في الوجود.

کما انه ورد روايات عديدة وبعبارات قريبة ان الكفلين هما الحسن والحسين عليهما السلام والنور هو امام تأتمون به، و في بعضها هو علي بن ابي طالب وهذه الروايات تأويل وبيان لمصاديق من النور الفاضلة وكفلين من رحمة الله الواسعة ولا تنافي بينها وبين ما قلناه آنفا.

فی المقطع الأخير من هذه الآية قال تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ذكر ثالث جزاء للمؤمنين المتّقين وهو غفران الذنوب وهو ایضا نعمة كبيرة من دونها لا تحلو نعمة و يأكد الله على هذه النعمة ويطمن المؤمنين المتقين بها بقوله والله غفور رحيم فبين هذا من سنة الله فعلينا ان نروها كمال الرجاء فالمغفرة امر محتوم واذا كان هناك شبهةهو في كوننا من المؤمنين الصادقين.

اما الآية اللاحقة وهی الآية الأخيرة من هذه السورة المباركة وهي قول الله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى‌ شَيْ‌ءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

وهذه الآية رد على هؤلاء من اهل الکتاب الذين ادعوا: أنّ لهم أجرا واحدا كبقيّة المسلمين من غیر اهل الکتاب لایمانهم برسول الله صلی الله علیه واله وأمّا الذين آمنوا بالرّسول صلّى اللّه عليه وآله منهم فلهم أجران: أجر الإيمان بالرسل السابقين، وأجر الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه وآله،

وصریح الآية يرد عليهم بان كفلين من رحمته خاص بالذين آمنوا برسول الله أمّا الذين لم يؤمنوا به فليس لهم أي نصيب أو سهم من الأجر، وعلیهم ان يعلموا أنّ فضل الله ليس في اختيارهم حتّى يهبونه بمن شاءوا ويمنعونه عن من أرادوا بل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وهم الذين آمنوا برسول الله وهو ذو الفضل العظيم.

وبهذا المضمون ورد قول الله تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾[6]

وكذلك قوله تعالی: ﴿وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‌ تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ، قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [7]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo