< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 12 من سورة الحجرات

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [1]

تحدثنا في الليلة الماضية حول سوء الظن وضرورة سوقها الى حسن الظن والليلة بحثنا في التجسس والغيبة وبينما ذكر في هذه الآية والتي قبلها ترتب فسخرية الاقوام والنساء واللمز والتنابز بالألقاب تزرع العداء والشقاق في النفوس فتنتج سوء الظن وسوء الظن يثير الى التجسس والتجسس يمهد مزرعة للغيبة والغيبة تهدم الايمان ولعلنا نستطيع ان نقول هذه الأمور الستة المذكورة في هاتين الآيتين من خطوات الشيطان.

«التجسّس» و«التحسّس» كلاهما بمعنى البحث والتقصّي، إلّا أنّ مفردة الأولى غالبا ما تستعمل في البحث عن الأمور غير المطلوبة، والمفردة الثانية تستعمل في البحث عن الأمور المطلوبة أو المحبوبة! ومنه ما ورد على لسان يعقوب في وصيته لولده! ﴿يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾[2]

والله شدد في النهي عن ظن السوء وعن التجسس وعن الغيبة رعاية لأمن المجتمع:

قال النّبي صلى اللَّه عليه وآله: "إنّ اللَّه حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظنّ به السوء"[3]

عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: "من لم يحسن ظنّه استوحش من كلّ أحد"[4] .

هذا اذا كان الامر يتعلق بالأفراد،

اما اذا كان الأمر يتعلق بإثبات الحقوق او لدفع الخطر عن النظام او افراد المجتمع فيقدم الحق والامن على مصلحة الفرد ويجوز التجسس و يجوز الكشف عند القاضي او المراقبين لأمن المجتمع وهو من مستثنيات الغيبة. وقد نرى إنّ رسول الله صلى اللَّه عليه وآله كان يرسل العيون للتجسس عن وضع العدو في الغزوات وامير المؤمنين عليه السلام أمر مالك الاشتر باتخاذ العيون في عهده له حيث قال: "ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً..... ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ" [5] لمراقبة اعمال عماله وحسن تعاملهم مع الرعية، واستكشاف خيانتهم اذا اتفق.

وكل حكومة تحتاج الى نصب المراقبين بل تخصيص أجهزة ودوائر لمهمة متابعة مجريات الأمور وكشف الخيانات في داخل الدولة والمعارضين في خارجها كما ان في نظام الجمهورية الإسلامية التي هي تحت رعاية مرجع كبير وفقيه عادل فيها دوائر قوية لمراقبة امن البلاد وكشف الخلافات في داخل أجهزة الحكومة وخارجها.

إلّا أنّ هذا الأمر لا ينبغي أن يكون ذريعة لهتك حرمة الأشخاص ونقض الأمان في حياة الشخصية لأفراد المجتمع، ولذلك هناك توصيات شدية للمفتشين ان لا يفتّشوا عما لا يعنيهم في مواقع التفتيش فلا يسوغ لهم عند ما يفتشون عن السلاح او المتفجرات أن يتجسّسوا في حياة الأفراد الشخصية بذريعة التآمر والإخلال بالأمن، فيفتحوا رسائلهم مثلا، أو يراقبوا الهاتف او البوماتهم الاُسرية وحتى التفتيش عن وجود الخمور وبعض آلات القمار وغيرها مما يتعلق بحياتهم الخاصة بهم.

فما هو رائج في أعمال بعض الدول المستكبرة حيث يتابعون اعمال وأفكار عامة الناس في جميع البلدان من خلال الأجهزة ارتباطات الالكترونية وجعلوها وسيلة للتجسس والتنصت ومراكزها غالبا تحت أيدهم وهم يدّعون رعاية التشفير وعدم كشف خصوصية الأشخاص والامر في الواقع خلافه خيانة عظيمة للشعوب المختلفة ولا احد يستطيع ان يمنعهم من هذه الخيانة نعم هم يصرفون أموالا هائلة في التجسس والتنصت ليكسبوا مصالح غير مشروعة لهم. ويستخرجون منها مزيات كل فرد ليدبروا له ما يناسبه مما يشتهيه ومن هذا الطريق يلقنونهم ما يحقق لهم من الانحرافات والانتماءات المقصودة ولهذه المؤامرة شرح لا يسعه المقام.

الغيبة من أعظم الذنوب التي لها آثار سلبية على مستوى الافراد والمجتمع، تفشّي الكراهية و العداء بين افراد المجتمع، انها توجب الوهن في العلائق الاجتماعية وتسلب الاعتماد بين الاخوة المتحابين و الإسلام يدعوا الى الوحدة و الوئام بقوله: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ والاعتصام الجماعي لا يحصل الا بحسن الظن والغيبة تترك سوء الظن بين المسلمين فتخرب الأجواء للحصول على المأرب العظيمة وتؤدّي إلى الإخلال بالأواصر الاجتماعية فهي مرفوضة بتاتا ولذا نري في النصوص الشرعية تشدد على ظاهرة الغيبة في المجتمع الإسلامي:

فعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إنّ الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند اللَّه في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل وأربى الربى عرض الرجل المسلم" [6] .

ففي هذه الرواية الكريمة قارن بين الربا وهتك عرض المسلم فرجح خطيئة هتك عرض المسلم على الربا ولعل السر في ذلك الزنا مع رضا الجانبين انتهاك لحق الله الكريم والربا تخرب في حركة الاقتصاد في المجتمع وهتك العرض تخريب للحيثية وما وجه المسلم الذي هو اعز من المال ومن حق النا

وقد ورد خطاب من رسول الله الى امته حيث قال:

"يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه! لا تغتابوا المسلمين ولا تتّبعوا عوراتهم فإنّه من تتّبع عورة أخيه تتّبع اللَّه عورته ومن تتّبع اللَّه عورته يفضحه في جوف بيته" [7] .

وفي حديث آخر: "أن اللَّه أوحى لموسى عليه السّلام قائلا: "من مات تائبا من‌ الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصرا عليه فهو أوّل من يدخل النّار"[8] .

عن النّبي صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال: «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه"[9]

عن الإمام الصادق عليه السّلام إذ يقول: «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط من أعين الناس أخرجه اللَّه من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان»[10]

الغيبة تتحقق بذكر العيب المستتر: سواء كان عيبا جسديا أو أخلاقيّا أو في الأعمال أو في المقال بل حتى في الأمور المتعلّقة به كاللباس والبيت والزوج والأبناء وما إلى ذلك.

اما ذكر الصفات الظاهرة للغير ليس فيها غيبة، نعم اذا اريد من ذكرها الذم والعيب فهو في هذه الصورة حرام، كما لو قيل في مقام الذم أنّ فلانا أعمى أو أعور أو قصير القامة أو شديد الأدمة والسمرة أكوس اللحية وامثالها.

بعض الناس يذكرون عيب الآخر ويقولون هذا صفته وليس بغيبته وهذا كلام باطل لان الفيبه ذكر صفة ذميمة تكون في الغير مستورا فهذا هو الغيبة المحرمة اما اذا لم تكن فيه وهو تهمة وبهتان عليه، كما ورد في الحديث عن الصادق عليه السّلام: «الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللَّه عليه، وأمّا الأمر الظاهر فيه مثل الحدّة والعجلة فلا، والبهتان أن تقول ما ليس فيه» [11] .

موارد الاستثناء!: ان الغيبة مع شدة حرمتها يجوز في موارد فيها مصلحة اعلى وهو:

اولاً: في مقام الاستشارة: مثل ان يأتي شخص يريد ان يتزوج بالآخر فيسأل عن احوالهم فيجوز ذكر ما له دخل بموضوع الزواج ولو كان عيبا فيهم او يريد ان يشارك في عمل معه او يريد ان يعينه لسمة او مقام فيجوز ذكر العيوب بمقدر ماله دخل في الموضوع المستشار فيه.

ثانياً: في مقام القضاء القاضي او مفتش من قبله يسأل عن الجانبين أمورا لها دخل في اخذ القرار في الحكم

ثالثا المظلوم يريد ان يتظلم فيما ظلموه فيجوز ان يذكر ما ظلمه ولو كان عيبا لظالمه. فهو من احقاق الحق.

رابعاً. المتجاهر بالفسق: المقدار المسلم في الجواز هو ذكر ما يرتكبه من الفسق الظاهر وهذا ليس مصداقا للغيبة لأنّها بيان للعيب خفي وهذا المورد عيب ظاهر ولا يخفى هذه الموارد اذا ترتب علي عنوان محرم أخر كإشاعة الفحشاء والمنكر او مفسدة أخرى لا يجوز لاجل العنوان الآخر المحرم.

والنقطة الخيرة التي تستحق ان لا نغفل عنه هي كما ان الغيبة محرمة مذالك استماعها محرمة ويجب منع الغيبة المحرمة اذا كان مقدورا للمكلف دون ضرر معتنى به كما ان نشرها من المحرمات فلا يجوز ما يأتي البعض مواقع الكترونية نشرها الى الآخرين وبمقدار ما له سعة في النشر حرمته يصير اعظما على الناشر فنشر الباطل والحرام باطل حرام. نكتفي بهذا المقدار ونذب للجلسة الآتية الى أية أخرى ان شاء الله

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo