< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 12 من سورة الحجرات

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾

 

ورد في المجمع في شأن نزول الآية:

(نزل في رجلين من أصحاب رسول الله ص اغتابا رفيقهما وهو سلمان بعثاه إلى رسول الله ص ليأتي لهما بطعام فبعثه إلى أسامة بن زيد وكان خازن رسول الله ص على رحله فقال ما عندي شي‌ء فعاد إليهما فقالا بخل أسامة وقالا لسلمان لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله فقال لهما رسول الله ص ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟ قالا يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحما، قال ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة فنزلت الآية).[1]

في الآية التي سبقتها نهى الله المؤمنين من أمور ثلاثة: سخرية الآخرين واللمز فيهم وتعييبهم والتنابز بالألقاب. وقد بحثنا بالاختصار ومن يريد متابعة الموضوع فليراجع الى مكتوب البحث في الموقع الالكتروني وفي هذه الآية كذلك نهي عن أمور وكان المفروض عطفها على ما ذكرها في الآية السابقة ولكن الله جدد الخطاب الى المؤمنين وطرح المنهيات المذكورة فيها وان دل هذا التجديد على شيء فإنّما يدلّ على اهتمامه تعالى بهذه الصفات.

قال في الميزان: (المراد بالظن المأمور بالاجتناب عنه ظن السوء فإن ظن الخير مندوب إليه كما يستفاد من قوله تعالى: ﴿لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً﴾ [2] . والمراد بالاجتناب عن الظن الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه كان يظن بأخيه المؤمن سوء فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر آثاره، وأما نفس الظن بما هو نوع من الإدراك النفساني فهو أمر يفاجئ النفس لا عن اختيار فلا يتعلق به النهي اللهم إلا إذا كان بعض مقدماته اختيارياً، وعلى هذا فكون بعض الظن إثما من حيث كون ما يترتب عليه من الأثر إثما كإهانة المظنون به وقذفه وغير ذلك من الآثار السيئة المحرمة)،

ومما ينبغي الانتباه عليه انه تعالى قال: ﴿اجتنبوا كثيرا من الظن﴾ بصيغة النكرة ولم يقل أكثر الظنون فأراد ان ينهى عن ظنون كثيرة في نفسها ولو كانت قليلة بالنسبة الى سائر الظنون ثم علل النهي بقوله: ﴿ان بعض الظن اثم﴾، وهي التي يترتب عليها الاثم، وهو الظنون السيئة سواء كان منطبقا على الواقع او لا؟ مثلا اذا ظننت ان زيد شرب الخمر فلا يجوز ترتيب الأثر على هذا الظن سواء شرب الخمر في الواقع ام لم يشرب، فبيان هذا الامر للآخرين او مواجهة سيئة معه حرام، فليست الحرمة موقوفة على عدم تحقق الشرب منه في الواقع، فان التكليف انما يتعلق بالامر الإرادي للمكلف فتأمل جيداً.

فما ورد في الأمثل من قوله: (وممّا يلفت النظر أنّه قد نهي عن كثير من الظنّ، إلّا أنّه في مقام التعليل تقول الآية: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ولعلّ هذا الاختلاف في التعبير ناشئ من أنّ الظنون‌ السيّئة بعضها مطابق للواقع وبعضها مخالف له، فما خالف الواقع فهو إثم لا محالة، ولذلك قالت الآية: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وعلى هذا فيكفي هذا البعض من الظنون الذي يكون إثما أن نتجنّب سائر الظنون لئلا نقع في الإثم!)[3] فيه تأمل؟

ثم لعل حصر الامر بالاجتناب على ترتيب الآثار لا وجه له بل الممكن تعميم الامر الى نفس الظن فان الانسان قادر على تربية النفس على حسن الظن بالمؤمنين فان قول امير المؤمنين على ما ورد في الحديث عنه عليه السلام: "لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلًا". وما شابهه من العبارات ظاهر في اصلاح الذهن وصرفه عن سوء الظن الى حسن الظن وهذا الامر ليس خارجا عن الارادة كي لا يتعلق التكليف به. فعلى المؤمن ان يطهِّر صفحة قلبه عن سوء الظن بالمؤمنين والحقد لهم والحسد عليهم وما الى ذلك من الصفات الذميمة القائمة على النفس والتكليف بقدر الميسور والمقدار الخارج عن الإرادة لا يعاقب عليه.

وقد ورد في حديث عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال: "ثلاث في المؤمن لا يستحسن، وله منهنّ مخرج فمخرجه من سوء الظن ألّا يحقّقه".

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "إِذَا اتَّهَمَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ انْمَاثَ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ.[4]

وعن حُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: "مَنِ اتَّهَمَ أَخَاهُ فِي دِينِهِ- فَلَا حُرْمَةَ بَيْنَهُمَا وَمَنْ عَامَلَ أَخَاهُ بِمِثْلِ مَا عَامَلَ بِهِ النَّاسَ فَهُوَ بَرِي‌ءٌ مِمَّا يَنْتَحِلُ".[5]

وعن الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي كَلَامٍ لَهُ ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْهُ وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلًا".[6]

فينبغي للمؤمن أن يبعد عن نفسه سوء الظن بالتفكير في المسائل المختلفة، بأن يفكر في طريق الحمل على الصحة، وأن يجسّد في ذهنه الاحتمالات الصحيحة الموجودة في ذلك العمل، وهكذا يتغلب تدريجا على سوء الظنّ! فبناء على هذا ليس سوء الظن شيئا لا مفر منه بحيث يخرج عن إرادة الإنسان دائما بل يستطيع الانسان ان يربي نفسه بالأخلاق الحميدة وجهاد النفس هو الجهاد الاكبر. ونترك البحث في التجسس والغيبة مما ورد في الآية المبحوث عنها للّيالي القادمة ان شاء االله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo