< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 6-8من سورة الحجرات

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى‌ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ ﴿فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [1]

قد طرحنا في يوم الماضي شبهة وهي عدم انسجام قصة بني المصطلق او قصة ابن جريح ابن عم مارية القبطية وتردده عليها مع عصمة رسول الله عن الخطاء ثم برّرنا الموضوع بان رسول الله كان يعرف الواقع وانما انشأ الامر لمصلحة في انشائه دون المأمور به وهو كان يعرف عدم تحقق المأمور به في الواقع، ثم ظفرتُ على رواية في تفسير القمي تفيد هذا المعنى بوضوح واليك نصها: (فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم ع‌ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ص إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَيْسَ هُوَ مِنْكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَرِيحٍ الْقِبْطِيِّ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع: خُذِ السَّيْفَ وَ أْتِنِي بِرَأْسِ جَرِيحٍ فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع السَّيْفَ ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ إِذَا بَعَثْتَنِي فِي أَمْرٍ أَكُونُ فِيهِ كَالسَّفُّودِ «[2] » الْمُحْمَاةِ فِي الْوَبَرِ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَثْبُتُ فِيهِ أَوْ أَمْضِي عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَه‌ رَسُولُ اللَّهِ ص: بَلْ تَثَبَّتْ، فَجَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع إِلَى مَشْرَبَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فَتَسَلَّقَ عَلَيْهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ جَرِيحٌ هَرَبَ مِنْهُ وَ صَعِدَ النَّخْلَةَ فَدَنَا مِنْهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ قَالَ لَهُ انْزِلْ، فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ! اتَّقِ اللَّهَ مَا هَاهُنَا أُنَاسٌ، إِنِّي مَجْبُوبٌ ثُمَّ كَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ، فَأَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص: مَا شَأْنُكَ يَا جَرِيحُ! فَقَالَ: ﴿يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْقِبْطَ يَجُبُّونَ حَشَمَهُمْ«» وَ مَنْ يَدْخُلُ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَ الْقِبْطِيُّونَ لَا يَأْنَسُونَ إِلَّا بِالْقِبْطِيِّينَ فَبَعَثَنِي أَبُوهَا لِأَدْخُلَ إِلَيْهَا وَأَخْدُمَهَا وَأُونِسَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ الْآيَةَ.

وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ [عُبَيْدِ اللَّهِ‌] بْنِ مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رُشَيْدٍ [رَاشِدٍ] عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: جُعِلْتُ فِدَاكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَمَرَ بِقَتْلِ الْقِبْطِيِّ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ كَذَبَتْ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِنَّمَا دَفَعَ اللَّهُ عَنِ الْقِبْطِيِّ الْقَتْلَ بِتَثَبُّتِ عَلِيٍّ ع فَقَالَ بَلَى قَدْ كَانَ وَاللَّهِ أَعْلَمَ وَلَوْ كَانَتْ عَزِيمَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص الْقَتْلُ مَا رَجَعَ عَلِيٌّ ع حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَلَكِنْ إِنَّمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِتَرْجِعَ عَنْ ذَنْبِهَا، فَمَا رَجَعَتْ وَلَا اشْتَدَّ عَلَيْهَا قَتْلُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِكَذِبِهَا)[3]

قد فرغنا في الليلة الماضية عن البحث حول الآية الأولى من هذا المقطع من سورة الحجرات والآية الثانية أيضا ترتبط بالآية أولى ومكملة لمعناها ولذلك لابد من تناولها بالبحث:

وهي قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ والامر بالعلم قد يكون بمعنى الامر بالتعلم وقد يكون للإيعاز والتنبيه الى معلوم لأهميته وهنا اتى الامر بالعلم للتأكيد على الموضوع المهم في الآية السابقة.

ويظهر من هذه الجملة- أنّه بعد أن أخبر الوليد بارتداد طائفة «بني المصطلق» جماعة من المسلمين البسطاء السذّج ذوي النظرة السطحية اصروا على رسول الله أن يقاتل بني المصطلق فهذه الآية تقول: انتبهوا أنّ فيكم رسول اللّه وهو مرتبط بعالم الوحي فلا حاجة على اصراركم فهو اعرف بواجبه، فلا تتوقّعوا أن يطيعكم ويتعلّم منكم ولا تصرّوا وتلحّوا عليه، فإنّ ذلك فيه عنت لكم وليس من مصلحتكم، ثم اشار إلى هذه الموهبة العظيمة من اللّه حيث: ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ.﴾

ولعل في هذه الآية إشارة الى ان كل من اهتدى فهو بتأييد من الله بان جعل الانسان مفطوراً على حب الايمان وزينه في قلبه ومفطورا على التنفّر عن الكفر والفسوق والعصيان، وقبحها في قلبه فالإيمان جميل في نفس البشر، والكفر والفسوق والعصيان قبيح فيها والله ألقى هذه المحمودة بأسباب ثلاثة:

بالهام نفسي وارشاد عقلي وتعليم من خلال الأنبياء والرسل والاولياء، ولذلك من سلك طريق الكفر خالف فطرته وعقله والهداة والله قد اتم عليه الحجة بذلك. والله تعالى وصف اهل الجنة وذكر اعترافهم بهذه الفضيلة في قوله: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [4]

ولكن هذه الهداية ليست على حد الاجبار بل جعل الانسان مختارا لان يختار سبيل الفطرة والعقل وارشاد الأنبياء والاولياء، او طريق الشهوة والهوي والشياطين الأغوياء، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً . إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ [5] وقال: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [6]

وقال تعالى في حدود سلطة الشيطان: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [7]

وهذه الموهبة الفطرية تدعو المؤمنين إلى إتباع رسول اللّه والتعبد باقواله والتمسك بسيرته وافعاله وعدم التقدّم عليه واكراه واعظامه. و لا يخفى أنّ محتوى الآية لا ينافي المشاورة أبدا، لأنّ الهدف من المشاورة أو الشورى أن يعبّر كلّ عن عقيدته و وجهة نظره، إلّا أنّ الرأي الأخير والنظر النهائي لشخص النّبي صلى اللّه عليه وآله، وبعبارة أخرى ابداء الآراء لا بأس به ولكن تحميل الآراء على النبي بل على كل امام وقائد شرعي لا يجوز ويوجب الاخلال في الأمور.

وهذا مفاد قول الله تعالى لرسوله صلوات الله عليه وعلى آله حيث يقول: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [8] كما يستفاد ذلك من آية الشورى أيضاً.

هنا لا بأس ان نلقي ضوءً الى مفردات الثلاثة: (الكفر والفسوق والعصيان) ولو ان المفسرين ذكروا حولها مطالب مختلفة ولكني اظن ان الكفر هو حالة العناد للحق وتغطيته وانكاره، والفسوق أيضا حالة للنفس تدعوا الى الخروج عن الطاعة وعدم المبالات بمخالفة المولى، والعصيان هو فعل الخلاف والمعصية، فالمفردة الأولى والثانية حالتان قائمتان على النفس فالأولى موجب للخروج عن الدين والثانية مخرج عن العدالة واما الثالثة ففيه الإثم واذا تمارس العبد عليه فيصبح مصداقا للثانية أي الفسوق واذا اشدت الحالة قد تنتهي الى حالة الأولى أي الكفر أعاذنا الله من الثلاثة بمنه.

وما ورد في بعض الروايات من ذكر اشخاص فهو تاويل الى اظهر المصاديق لعنوان الايمان والكفر والفسوق والعصيان ولا ينافي ما قلناه في مفادها.

ثم في منتهى الآية نقطة لطيفة وهي ان هذه الآية كلها كانت خطاباً الى المؤمنين بالضمير المخاطب الحاضر وفي مقطع الأخير من الآية عدل الى ضمير الغائب فقال: ﴿أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.

وهذا العدول يفيد قاعدة كلية لمن هو راشد الى يوم القيامة وهو الذي يكون الايمان محبوباً عنده ويكره الكفر والفسوق والعصيان.

أمّا آخر آية من هذا المقطع وهو قول الله تعالى: ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾

فهي مفعول لأجله للآية السابقة أي حبب الله اليكم الأيمان الى اخره لان يتفضل وينعم عليك.

الفضل ناظر الى حيث مبدأ الصدور يعني ليس ما تفضل الله عليكم من باب الاستحقاق بل هو فضل من الله عليكم والنعمة ناظرة الى حيث المنعم عليه حيث هم مستفيدون عنها فتدبر جيداً.


[2] سَفُّودٍ كيهود [كَتَنُّورٍ]: حَدِيدَةٌ يُشْوَى عَلَيْهَا اللَّحْمُ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo