< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/09/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 6-8من سورة الحجرات

 

قبل البدء بالكلام نتقدم الى ساحة بقية الله العظمى وجميع المؤمنين وانتم سادة الحضور بأحرّ التهاني بحلول هذا الشهر الفضيل رمضان المبارك الذي انزل فيه القرآن وقد ندبت رواياتنا باهتمام البليغ في هذا الشهر بالقرآن الكريم و الاستلهام من معارفه وتعليماته وكما تعرفون منذ سنوات خصصت بحثي في كل اربعاء بتفسير القرآن ومنذ سنوات خصصنا البحث بالآيات المصدرة بيا أيها الذين آمنوا وقد فرغنا عن تفسير الآيات الخمسة الأولى من سورة الحجرات قبل هذا الشهر ونحن نختار في هذا الشهر أيضا متابعة تناول الآيات المصدرة بيا أيها الذين آمنوا في تفسيرنا فمعكم الآية السادسة من هذه السورة وهي قوله تعالى:

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى‌ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ ﴿فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [1]

ورد فی المیزان حول مفردات الآية (الفاسق- كما قيل- الخارج عن الطاعة إلى المعصية، والنبأ الخبر العظيم الشأن، والتبين والاستبانة والإبانة- على ما في الصحاح- بمعنى واحد وهي تتعدى ولا تتعدى فإذا تعدت كانت بمعنى الإيضاح والإظهار يقال: تبينت الأمر واستبنته وأبنته أي أوضحته وأظهرته، وإذا لزمت كانت بمعنى الاتضاح والظهور يقال: أبان الأمر واستبان وتبين أي اتضح وظهر). [2]

وذكر المجمع في شأن نزول الآية الأولى انها نزلت: (في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله ص في صدقات بني المصطلق فخرجوا يتلقونه فرحا به وكانت بينهم عداوة في الجاهلية فظن أنهم هموا بقتله فرجع إلى رسول الله ص وقال: إنهم منعوا صدقاتهم وكان الأمر بخلافه فغضب النبي ص وهمّ أن يغزوهم فنزلت الآية عن ابن عباس ومجاهد وقتادة).[3]

ولکن ورد في تفسير القرطبي: (أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم حين أخبره الوليد بن عقبة بارتداد قبيلة بني المصطلق أمر خالد بن الوليد بن المغيرة أن يمضي نحوها وأن لا يقوم بعمل حتى يتريث ويعرف الحقّ ...فمضى خالد ليلا وصار قريبا من قبيلة بني المصطلق وبعث عيونه ليستقصوا الخبر فعادوا إليه وأخبروا بأنّهم مسلمون أوفياء لدينهم وسمعوا منهم صوت الآذان والصلاة، فغدا خالد عليهم في الصباح بنفسه فوجد ما قاله أصحابه صدقا فعاد إلى النّبي وأخبره بما رأى فنزلت الآية آنفة الذكر، وعقّب النّبي عليها «التأنّي من اللّه والعجلة من الشيطان»)[4]

وورد فی المجمع ذکر شأن آخر للنزول وقيل: (إنها نزلت فيمن قال للنبي ص: إن مارية أم إبراهيم يأتيها ابن عم لها قبطي فدعا رسول الله ص عليا علیهما السلام وقال: "يا أخي خذ هذا السيف فإن وجدته عندها فاقتله" فقال: "يا رسول الله أكون في أمرك‌ إذا أرسلتني كالسكة المحماة أمضي لما أمرتني؟ أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: ص بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب" قال علي (ع): فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما عرف إني أريده أتى نخلة فرقي إليها ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه فإذا أنه أجب أمسح ما له مما للرجال قليل ولا كثير فرجعت فأخبرت النبي ص فقال الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت‌) [5]

أقول: كون هذه القصص حقيقة واقعة مستبعد جدا اذ لا تنسجم مع عصمة النبي صلوات الله عليه عن الخطاء الّا ان نقول: كانت المصلحة في الامر دون المأمور به وأظهر رسول الله هذه المواقف منه لان تكون اسوة منه للمسلمين وهو كان يعلم بعدم انتهاء الأمر بما هو باطل وغير مرضي عند الله. وعلى كل حال هذه الآية تعطينا كبرى جميلة في مجال الوقائع الاجتماعية والسياسية من عدم الاعتماد على الفاسق الخارج عن طاعة الله وهو ممن لا يؤمن كذبه او خطائه، والآية تامرنا بعدم الاستعجال والمبادرة بالعمل بخبر الفاسق في مثل هذه القضايا التي تترتب عليها الخطاء والظلم والفساد ان لم تكن صادقة، وانما يجب في امثالها من التحري عن المتيقن من الموضوع. كما تعرفون استندوا الى هذه الآية في علم الأصول لحجية خبر العادل الواحد، بمفهوم الشرط ثم اشكلوا عليه بان هنا مورد لمفهوم الوصف وهو ليس بحجة وفي هذا مسامحة في التعبير فمفهوم الكلام حجة على المتكلم ولكن الجملة الوصفية لا مفهوم لها، وبعبارة أخرى سالبة بسلب الموضوع. لانه اثبات شيء لشيء فلا ينفي عنما عداه.

والتأمل في الآية يفيدنا انها بصدد امر عقلائي وهو ان العقلاء يقارنون بين الاحتمال والمحتمل فان كان الاحتمال ضعيفاً ولكن المحتمل كان قوياً فيتحركون نحو المحتمل ولو كان الاحتمال فيه قوياً والمحتمل شيء لا يهمهم فلا يتابعونه.

ونقطة أخرى في مورد الخبر: قد يكون في المحتمل فيه جهة إيجابية فقط وليس فيه جهة سلبية فيكتفون باحتمال ضعيف لمتابعته، ولكن اذا كان بين المحذورين فلا يقدمون بشيء الا بعد التبيّن، فيتبيّنون حذراً من المفسدة المحتملة في جانب والمصلحة المحتملة في جانب آخر كما في مسألة بني المصطلق. فلو كان خبر وليد بن عقبة صادق فعدم الاعتناء بخبره موجب لفاجعة خطيرة على المسلمين ولو ترتبوا الاثر وقاتلوهم وكان الخبر كاذباً فقد جاءوا بمفسدة كبيرة أيضاً وارتكبوا قتل الأبرياء من المسلمين وهو جريمة وخسارة كبيرة ايضاً فامر الله تعالى بالتبين.

لكن الشارع المقدس حسب ما يستفاد من الأدلة تعبدنا في كثير من الأمور الشرعية بأخبار ولو لم يحصل من خلالها اطمئنان كخبر العادل او حتى الثقة في روايات التي وردت حول الاحكام الشرعية وخبر ذو اليد ولو كان فاسقا في الملكية والطهارة واصالة التذكية في عرض اللحوم في سوق المسلمين للبناء على الذبح الشرعي واخبار المرأة عن طهارتها وكونها خليعة للطلاق والزواج ما دام ليس في خلافها قرينة على الكذب او خطاء المخبر. ومثلها في العرف من يوكل شخصا لإدارة اموره الاقتصادية فيقبل خبره ولو لم يحصل الاطمئنان بصدقه. ثم الآية التي تليها مكملة للمشوار فنترك البحث عنها للّيلة الآتية ان شاء الله رعاية لعدم الإطالة في الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo