< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات لمصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية الاولى من سورة الحجرات

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[1]

هذه السورة المباركة من السور التي فيه مسائل تربوية جميلة في ابعاد المختلفة من الحياة الفردي والاجتماعي فنذكر أوّلاً بعض الروايات التي تبيّن لنا مدى فضيلة قراءتها:

فِي كِتَابِ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ قَالَ: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْحُجُرَاتِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَوْ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَانَ مِنْ زُوَّارِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ".[2]

وورد فِي تفسير مَجْمَعِ الْبَيَانِ عن أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّهُ قَالَ: "وَمَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْحُجُرَاتِ أُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، بِعَدَدِ كُلِّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ عَصَاهُ"[3]

اما بالنسبة الى بعض مفردات الآية في بحث القراءة قال في المجمع: (قرأ يعقوب لا تقدموا بفتح التاء والدال والباقون «لا تُقَدِّمُوا» بضم التاء وكسر الدال).

وقال في حجة القراءة: (قال ابن جني معناه لا تفعلوا ما تؤثرونه وتتركوا ما أمركم الله ورسوله به وهذا معنى القراءة المشهورة «لا تُقَدِّمُوا» أي لا تقدموا أمراً على ما أمركم الله به فالمفعول هنا محذوف كما ترى. ثم في بيان معنى مفردة تقدموا قال: قدم تقديما وأقدم إقداما واستقدم وقدم كل ذلك بمعنى تقدم. [4]

وورد في تفسير الصافي لبيان مفردات الآية: (لا تُقَدِّمُوا وقرئ بفتح التاء امراً أو أنفسكم أو لا تتقدموا ومنه مقدّمة الجيش لمتقدّميهم بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قيل: المعنى لا تقطعوا امراً قبل أن يحكما به وقيل لا تقدّموا في المشي والمراد بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وذكر اللّه تعظيم له وإشعار بأنّه من اللّه بمكان يوجب إجلاله وَاتَّقُوا اللَّهَ في التقديم إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوالكم عَلِيمٌ بأفعالكم)[5] .

أقول: مادام مفردة تقدموا لها معاني تناسب شأن الله تبارك وتعالى لا داعي لحصر المعنى في تعظيم الرسول بل التقدم على الله يعني عن أوامره ونواهيه بمثل ما يكون له مصداق للرسول صلوات الله عليه.

ذكر المفسّرون في شأن نزول الآية الأولى من هذه السورة وجوهاً منها ما في تفسير عليّ بن إبراهيم﴿: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ نزلت في وفد بنى تميم، كانوا إذا قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وقفوا على باب حجرته فنادوا: يا محمّد أخرج إلينا، وكانوا إذا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله تقدموه في المشي، وكانوا إذا كلموه رفعوا أصواتهم فوق صوته، ويقولون يا محمد [يا محمد] ما تقول في كذا كما يكلمون بعضهم بعضا، فأنزل اللّه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ﴾ الآية.[6]

كما ورد في تفسير القرطبي في شأن نزولها ثلاثة أوجه:

منها: (أنّه حين أراد النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أن يتوجّه إلى خيبر رغب في أن يخلّف شخصا معيّنا مكانه في المدينة وينصّبه خليفة عنه، فاقترح عمر شخصا آخر، فنزلت الآية الآنفة وأمرت أن لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله.

ومنها: كان بعض المسلمين بين الفينة والأخرى يقولون لو نزلت فينا آية لكان أفضل، فنزلت الآية أن لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله.

ومنها: إنّ الآية تشير إلى أعمال بعض المسلمين الذين كانوا يؤدّون عباداتهم قبل أوانها، فنزلت الآية لتنهاهم عن مثل هذه الأعمال) [7] .

ولا بأس ان نجعل النهي عن التقدم على الله والرسول في جميع مناحي الحياة فيفيد لزوم التمسك بالكتاب والسنة في جميع اعمالنا وان نختار سكة حركتنا ما ورد من الكتاب والسنة فلا نخترع من عندنا شيئا من العبادات ولا نغالي في عقائدنا ولا نقصر فيها ولا نتطرّف في عباداتنا والتزاماتنا الدينية ولا نتهاون فيها.

قد نرى بعض الشباب في عنفوان شبابهم يتطرفون في العبادة والزهد بحيث يتعبون أنفسهم واهليهم من التشدّد الذي يمارسونه حرصاً على الدين. وبعد كم سنة ينقلبون الى خلاف ما كانوا فيتركون كثيراً من الواجبات ويرتكبون كثيراً من المحرمات. فالجاهل اما مفرط او مفرّط، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه واله قال مخاطبا لعلي عليه لسلام: يا علي: "ان الدّين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغّض الى نفسك عبادةَ ربّك"

وقد ورد في الخطبة 200 من نهج البلاغة (و من كلام له عليه السلام بالبصرة ‌و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي و هو من أصحابه يعوده فلما رأى سعة داره قال: "مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِهِ الدَّارِ فِي الدُّنْيَا أَنْتَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ وَبَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ وَتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ وَتُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ، قَالَ: وَمَا لَهُ قَالَ لَبِسَ الْعَبَاءَةَ وَتَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا قَالَ عَلَيَّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ أَ مَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ أَ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وَجُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ قَالَ ‌وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَقِّ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ‌).

فالاعتدال اصل مهم في الحياة

قال أميرالمؤمنين عليه السلام في عهده لمالك: "ليكن أحب الامور إليك أعمها في العدل وأقسطها بالحق"

وقال عليه السلام: "اجعل الدين كهفك والعدل سيفك، تنج من كل سوء وتظفر على كل عدو"

وقال ايضاً: "إن العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في الخلق ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه في ميزانه ولا تعارضه في سلطانه"

وقال ايضاً: "غاية العدل أن يعدل المرء من نفسه"

وقال ايضاً: "العدل ملاك والجور هلاك"

وقال ايضاً: "رحم الله إمرأ أحيا حقاً وأمات باطلاً وأدحض الجور وأقام العدل"

وقال ايضاً: "العدل حياة"

وقال ايضاً: "الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَالطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَإِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ".

وخلاصة القول" ان هذه الآية تدعونا الى الالتزام بخط العدالة والاعتدال وفيه التقوى التي تسعدنا في الدنيا والآخرة. والآيات التي تليها أيضا تبين لنا صغريات لهذه الآية.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo