< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 33من سورة الحجرات

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾ (33)

ان هذه الآية مسبوقة بآيات ذكرت فيها حالات الكفار والمنافقين وكذلك ضعاف الايمان من المسلمين، وكذلك ملحوقة بآيات حول الكفار والمنافقين وضعاف الايمان، كأنّ الله تعالى أراد ان يحذر المسلمين من الوقوع فيما وقع الكفار والمنافقين فيه حتى لا يثقوا بأنفسهم ولا يغتروا بإيمانهم ويتنبهوا ان مجرد اظهار الايمان لا يكفيهم ولا يغنيهم بل لابد من العمل بمقتضى الايمان.

ولذلك ورد فيها امران: اطاعة الله واطاعة الرسول فإطاعة الله تتحقق باتباع هدى القران والالتزام بأحكام الواردة في شريعة الإسلام، وطاعة الرسول اطاعته فيما يأمر وينهي في إدارة امورهم بما هو قائد وامام وامير وراعي لهم. ولا سيما طاعتهم في قتال الأعداء فان سياق الآيات محاربة اهل الكفر والطغيان ودفع المهاجمين وذكر المفسرون مصاديق من طاعة الله وطاعة الرسول فنشير الى بعضها:

قال في المجمع: (﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ بتوحيده ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ بتصديقه وقيل أطيعوا الله في حرمة الرسول وأطيعوا الرسول في تعظيم أمر الله ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾ بالشك والنفاق عن عطاء وقيل بالرياء والسمعة عن الكلبي وقيل بالمعاصي والكبائر عن الحسن‌)[1]

قال في الأمثل: (إنّ أسلوب حياة المؤمنين وبرنامجهم يقع في الطرف المقابل للكفار والمنافقين في كلّ شي‌ء، فهؤلاء يعصون أمر اللّه سبحانه، وأولئك يطيعونه، هؤلاء يعادون النبي، وأولئك يطيعون أمر هو هؤلاء تحبط أعمالهم لكفرهم وريائهم ومنّتهم، أمّا أولئك فإنّ أعمالهم محفوظة عند اللّه سبحانه وسيثابون عليها، لاجتنابهم هذه الأمور.

وعلى كلّ حال، فإنّ أسلوب الآية يوحي بأنّ من بين المؤمنين أفرادا كانوا قد قصروا في طاعة اللّه ورسوله وفي حفظ أعمالهم عن التلوث بالباطل، ولذلك فإنّ اللّه سبحانه يحذّرهم في هذه الآية.

والشاهد لهذا الكلام سبب النّزول الذي ذكره البعض لهذه الآية، وهو: إنّ «بني أسد» كانوا قد أسلموا وأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقالوا: إنّنا نؤثرك على أنفسنا، ونحن وأهلونا رهن إشارتك وأمرك. غير أنّ أسلوبهم في الكلام كانت تلوح منه المنّة، فنزلت الآية أعلاه، وحذّرتهم من ذلك). [2]

وقال في الميزان: (الآية وإن كانت في نفسها مستقلة في مدلولها مطلقة في معناها حتى استدل الفقهاء بقوله فيها: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾ على حرمة إبطال الصلاة بعد الشروع فيها لكنها من حيث وقوعها في سياق الآيات السابقة المتعرضة لأمر القتال، وكذا الآيات اللاحقة الجارية على السياق و خاصة ما في ظاهر قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إلخ، من التعليل وما في قوله: ﴿فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾ إلخ، من التفريع، وبالجملة الآية بالنظر إلى سياقها تدل على إيجاب طاعة الله سبحانه فيما أنزل من الكتاب وشرع من الحكم و إيجاب طاعة الرسول فيما بلغ عن الله سبحانه، و فيما يصدر من الأمر من حيث ولايته على المؤمنين في المجتمع الديني، وعلى تحذير المؤمنين من إبطال أعمالهم بفعل ما يوجب حبط أعمالهم كما ابتلي به أولئك الضعفاء الإيمان المائلون إلى النفاق الذين انجر أمر بعضهم أن ارتدوا بعد ما تبين لهم الهدى. فالمراد بحسب المورد من طاعة الله طاعته فيما شرع وأنزل من حكم القتال، ومن طاعة الرسول طاعته فيما بلغ منه وفيما أمر به منه ومن مقدماته بما له من الولاية فيه وبإبطال الأعمال التخلف عن حكم القتال كما تخلف المنافقون وأهل الردة).[3]

اما في المراد من الابطال في ذيل الآية من قوله تعالى ﴿ولا تبطلوا اعمالكم﴾ أقوال وتعبيرات منها: ان الابطال بمعنى احباط العمل بمنّهم على الله ورسوله بإيمانهم كما في قوله تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنّوا عَلَيّ اِسْلَامَكُمْ بَلِ الْلّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ اَنْ هَدَاكُمْ لِلْاِيْمَانِ اِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[4] ، منها: إبطالها بالرياء والسمعة، ومنها: بالعجب، ومنها: بالكفر والنفاق، ومنها: المراد هو إبطال الصدقات بالمَنّ والأذى كما قال تعالى: ﴿لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى﴾[5] ومنها: إبطالها بالمعاصي، ومنها: ابطلها بالكبائر من المعاصي.

قال في الميزان: بعد الإشارة الى بعض الاقوال: (ويرد على هذه الأقوال جميعاً: أن كل واحد منها على تقدير صحته وتسليمه مصداق من مصاديق الآية مع الغض من وقوعها في السياق الذي تقدمت الإشارة إليه، وأما من حيث وقوعها في السياق فلا تشمل إلا القتال كما مر).[6]

ولكن يلحظ في كلامه رضوان الله عليه لماذا لا نأخذ باطلاق الكلام ونقول النهي عن جميع ما يبطل الاعمال وما يوجب عدم قبولها ولا داعي للحصر وان السياق لا ينافي ذكر الكبرى حتى تشمل المورد ايضاً كما هو دارج في القران في مواطن كثيرة منه.

هنا نود ان نذكر رواية في ابطال العمل فقد روى في ثواب الأعمال، عن أبي جعفر (ع) قال:

قال رسول الله ص: "من قال: سبحان الله غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: لا إله إلا الله غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: الله أكبر غرس الله له بها شجرة في الجنة. فقال رجل من قريش: يا رسول الله- إن شجرنا في الجنة لكثير؟ قال: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نارا فتحرقوها، وذلك أن الله عز وجل يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ- وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾.

كما ان الله تعالى ذكر في آخر آية من هذه السورة هؤلاء الذين كانوا يتكاسلون عن طاعة الرسول صلى الله عليه واله فيوبخهم الله وهو قوله تعالى: ﴿ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اللَّهُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُم﴾ْ [7] وقد ورد في ذيل هذه الآية حديث عن رسول الله رواها الشيعة عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام ورواه السنة في عدة التفاسرعن أبي هريرة قال*: تلا رسول الله هذه الآية: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ- ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ﴾ فقالوا: "يا رسول الله- من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا؟ فضرب رسول الله ص على منكب سلمان- ثم قال: هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا- لتناوله رجال من فارس".

وقد فرغنا عن تفسير هذه الآية ومعكم في الأسبوع القادم في آية أخرى ان شاء الله

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo