< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 7-12 من سورة محمد

 

كان بحثنا من الجلسة الماضية حول هذه الآيات: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ﴾ ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ﴾ ﴿أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها﴾ ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى‌ لَهُمْ﴾ [1]

قد تحدثنا في محاضرات الماضية حول الآية الأولى من هذه الآيات واليوم نريد عن نتحدث في الآيات الملحقة بها وبما ان الآية الأولى تحرض على نصرة الله وبعض الناس لا يتحرضون من الوعد فاستعمل الوعيد لهؤلاء فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ﴾‌.

قال فی الامثل: (تعس- على وزن نحس- بمعنى الانزلاق و الهوي، و ما فسّره البعض بأنّه الهلاك و الانحطاط، فهو لازمه في الواقع لا معناه).

و على كلّ حال، فإنّ المقارنة بين هذين الفريقين عميقة المعنى جدّا، فالقرآن يقول في شأن المؤمنين‌ ﴿ینصرکم﴾ وفی شآن الکافرین ﴿فَتَعْساً لَهُمْ﴾ وللمؤمنین ﴿يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾‌ وفي شأن الكافرين‌ ﴿أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ‌﴾ و بصيغة اللعنة، ليكون التعبير أبلغ وأكثر جاذبية وتأثيرا. ویستفاد من هذه الآية ان ترك النصرة كفر والكافرون إذا انزلقوا وزلّت أقدامهم، فليس هناك من يأخذ بأيديهم لينقذهم من الهلكة، بل إنّهم سينحدرون إلى الهاوية سريعاً و بسهولة، أمّا المؤمنون، فإنّ ملائكة الرحمة تهب لنجدتهم و نصرتهم، ويحفظونهم من المنزلقات والمنحدرات، كما نقرأ ذلك في موضع آخر: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ﴾[2]

وواضح ان من فعل لله، یشمله ثواب من الله و فی النقطة المقابلة ليس الا الخسران وفي الآية التي تليها يذكر علة خسرانهم بقوله: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ﴾‌. وهذه الآية المباركة تثبت لنا انه لا يجوز كراهة الآيات القرآنية والشرائع الإلهية فلابد ان يكون طاعة الله مقرونا بالإيمان والالتفات الى انها تصب في مصلحة المؤمن، وهذا الذي يجعل المؤمن يتلذذ من طاعة الله حيث يشعر بان ربه لا يريد له الا الخير والسعادة. وانّ الله لا یأمر الا بالحق والعدالة، والعفّة والتقوى، غير أنّ الکافرین أعرضوا عنها جميعا، واتجهوا صوب الظلم والفسّاد، بل إنّهم تشمئز قلوبهم إذا ذكر اسم اللّه تعالى‌ وحده. قال تعالی: ﴿وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾[3] و لمّا كان القرآن الكريم في كثير من الموارد يعرض للظالمين العاصين نماذج محسوسة، فقد دعاهم هنا أيضا إلى التدبّر في أحوال الماضين، فقال: أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‌؟ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها[4] . و من أجل أن لا يظنّ هؤلاء أنّ ذلك المصير المشؤوم كان مختصّا بالأقوام الطاغين السالفة، فقد أضافت الآية: ﴿وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها﴾

والجدير بالانتباه أنّ (دمّر) من مادة (تدمير)، وهي من الأصل بمعنى الإهلاك والإفناء، أمّا إذا أتت مع (على) فإنّها تعني إهلاك كلّ شي‌ء حتى الأولاد والأهل والعشيرة والأموال الخاصّة بالإنسان «كما ورد في تفسير روح البيان وروح المعاني وفخر رازي». وعلى هذا فإنّ هذا التعبير بيان لمصيبة أليمة، خاصة بملاحظة لفظ (على) الذي يستعمل عادة في مورد التسلط، وبذلك يصبح معنى الجملة، إنّ اللّه عزّ وجلّ قد صبّ عذابه على رؤوس هؤلاء الأقوام.

وفي آخر آية من هذا المقطع قال:‌ ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى‌ لَهُمْ﴾ [5]

لا يخفى ان الولي قد يستعمل بالمعنى الواسع وهو الذي ذمام كل شيء بيده بهذا المعنى الله ولى كل الناس من الصالح والطالح وقد يستعل بمعنى خاص وبهذا المعنى الله ولي الذين آمنوا والذين كفروا اوليائهم الطاغوت وولاية الطاغوت يضرهم ولا ينفعهم وهذا المعنى يتضح بمراجعة الآيات المستعمل فيها هذه المفردة والكافرون اما من يظهر لهم الولاء كذب ونفاق كما قال تعالى: ﴿تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى﴾ وهؤلاء الذين صادقون في ولائهم من الكافرين في الواقع بعضهم أعداء بعض لان كل واحد منهم يضر الاخر، ولو في ظاهر الامر يكون التعاون بينهم ولكن التعاون على الباطل ايراد الضرر على الغير كما ورد في القرآن الكريم: ﴿الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِين﴾[6] عن الإمام الصادق عليه السّلام: «ألا كل خلّة كانت في الدنيا في غير اللَّه عزّ و جلّ فإنّها تصير عداوة يوم القيامة» [7] فعلى ذلك لابد ان نكون كما روى انس عن رسول الله صلى الله عليه واله قال: انصر اخاك ظالماً او مظلوماً قال أنصرة مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن ظلمه فذلك نصره".


[4] ( 3) ضمير« أمثالها» يعود إلى العاقبة التي تستفاد من الجملة السابقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo