< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيت المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير ان تنصروا الله ینصرکم

 

كان بحثنا من الجلسة الماضية حول هذه الآيات: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ﴾ ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ﴾ ﴿أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها﴾ ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى‌ لَهُمْ﴾ [1] فعرفنا ان النصرة هی الإعانة على الشيء ويقابله الخذلان. وقد تكون النصرة والإعانة باللسان وقد تكون بالمال، وقد تكون باليد والنّفس بحسب طبيعة القضايا ودرجة حساسيّتها وخطورتها. ومن مصاديق النصرة ولاء لأولياء الله والبراءة من أعداء الله ومن مفردات الولاء لأهل بيت النبوّة صلوات الله وسلامه عليهم وترشّحاته المودّة لهم ونصرتهم، هذه النصرة التي يثبت فيها الموالي صدق ولائه وانتمائه للخطّ النبويّ، والنصرة كذلك امتحان عمليّ لمدى المودّة والمحبّة. من الاشعار المنسوبة الى امیر المؤمنین عليه السلام قوله:

"تَعْصِيْ إلَهَ وَاَنْتَ تُظْهِرُ حُبّهُ - هَذا لَعَمْرُكَ فِي الْفِعَالَ بَديعٌ

لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقَاً لَأطَعْتَهُ - اِنّ الْمُحِبَّ لِمَنْ اَحَبَّ مُطِيْعٌ"

وقد ننظر الى النصرة من حيث المضمون فلها موارد مختلفة وعديدة تتّسع لتشمل شتّى وجوه الحياة وأنحائها، فقد تشمل أموراً ذات لون ثقافيّ، وأخرى عقائديّ وفكريّ وثالثة اجتماعيّ واقتصاديّ، وأخرى سياسيّ، وأحياناً إنسانيّ واحیانا عسکری وغير ذلك.

وقد ننظر الى النصرة من حيث المنصور بها:

منها: نصرة الله: هی أهمّها والتی تعود اليها كل نصرة شريفة وترتسم فی حمل قضيّة الدّين بكافّة أبعاده بتقوية الانتماء إليه وحمل فكره ومفاهيمه وقيمه والأخلاق التي يدعو إليها والإعانة على نشرها ونشر الدّين بكلّ أبعاده والدفاع عن الدّين بما يتاح من مال ونفس وأولاد، لأنّ الدّين له الأولويّة على كلّ الأمور، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾[2]

والنصرة الکاملة تتكون بتجسيد النموذج الراقي للمنتسبين إليه من خلال الانقياد لتعاليمه وهذا ما تشير إليه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. [3] .

ولنعلم ان مقام نصرة الدّين مقام شريف قد وُصف أئمّة الهدى به في الزيارة الجامعة "أنصاراً لدينه" وقد ورد في المأثور من الدعاء : "اللهمّ اجعلنا ممّن تنتصر بهم لدينك ولا تستبدل بنا غيرنا".

2- نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله : قال تعالى: ﴿من يطع الرسول فقد اطاع الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا﴾ [4] وهي من لوازم نصرة الله، وقد أردف الله طاعة رسوله الى طاعة نفسه في احدى عشرة موضعاً من القرآن:

قال تعالي: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾[5]

وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[6]

وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ [7]

وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[8]

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾[9]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [10]

﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾[11]

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾[12]

وقال تعالى: ﴿أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[13]

﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾[14]

ومنها: كذلك نصرة أئمّة أهل البيت عليهم السلام: الذين امرنا الله بطاعتهم فی قوله تعالى: النساء ﴿یا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [15]

وقد تحدثنا عند ما مررنا على هذه الآية الشريفة: وهناك روايات كثيرة حول وجوب طاعة الامام من أئمة اهل البيت عليهم السلام: فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى اطلع على أهل الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا وإلينا" [16]

وهذه أعظم جائزة لناصر أئمّة الهدى أن يكون منهم وإليهم.

ثم لابد ان نعرف لنصرة أهل البيت عليهم السلام مراتب ودرجات، منها:

منها: النصرة بالنّفس: دفاعاً عنهم وعن الولاء لهم وقد جسد أرقى درجاته شهداء الطفّ من أنصار الحسين عليه السلام وأهل بيته، وقد يكون ثمن الجهاد بالنّفس أقلّ من القتل، كالأسر والسجن وغير ذلك ولولا تضحيات شيعة أهل البيت عليهم السلام لما بقي تشيّع ولا شيعة وقد ورد عن صادق علیه السلام قال: "شيعتنا والله لا يزالون منذ قبض الله رسوله ينصروننا ويقاتلون دوننا، ويُحرَّقون، ويُعذَّبون، ويشرَّدون من البلدان جزاهم الله عنّا خيراً" [17]

ومنها: النصرة بالّلسان: بإنشاد الشعر او نشر فضائلهم والدفاع العلمی عنهم وعن مواقفهم وغبرها من الاسالیب وفی هذا العصر التبلیغ بواسطة الوسائل الالکترنیة و اخراج مسلسلات والافلام والآناشید وغیرها من الاسالیب الدعایة مما یجلب الشباب وحتی الاطفال.

ومنها: النصرة بالمال: وقد ورد التأکیدات والتحرضات الکثیرة فی الروايات وورد فی وصف الشیعة "يبذلون أموالهم وأنفسهم فينا"

ولقد كان بذل المال في حبّ اهل البيت عليهم السلام من أهمّ الأمور التي تقام بها المجالس وشيّدت بها صروح ونشرت بها علومهم. وعرت بها حوزات العلمیة.

ومنها: النصرة بالقلب: عندما لا يقدر الإنسان بسبب الضعف عن نصرة أهل البيت عليهم السلام تأتي النوبة لنصرتهم بالقلب، فعن الإمام العسكريّ عليه السلام جواباً لمن قال له: "إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي، فقال عليه السلام: "حدّثني أبي عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ضعف عن نصرتنا أهل البيت عليهم السلام، ولعن في خلواته أعداءنا، بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة..." إلى أن تقول الرواية: "... فإذا بالنداء من الله تعالى يقول: يا ملائكتي، إنّي أجبت دعاءكم في عبدي هذا، وسمعت نداءكم، وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار وجعلته من المصطفين الأخيار" [18]

وقد يكون السبب غير الضعف كحيلولة الحوادث والزمان فلا أقلّ من توطين النفس على النصرة، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "القائل منكم: إن أدركت القائم من آل محمّد نصرته كالمقارع معه بسيفه والشهيد معه له شهادتان" [19]


[18] مکیال المکارم، ج2، ص62.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo