< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسي الآيات 69-71 من سورة الاحزاب

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى‌ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً﴾.﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾.﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ (69الأحزاب)

في الأسبوع الماضي تحدثنا حول الآية الأولى حيث ذكر تعامل بعض الفاسدين مع موسى عليه السلام من الايذاء والظاهر ان ايذائهم كانوا من مقولة الاقوال لان الله يقول: ﴿فبرأه الله مما قالوا﴾

ونهى المؤمنين ان يفعلوا مثل فعلهم مع رسولهم صلوات الله عليه، وجُلّ ما كان من المنافقين وضعاف الايمان كان ايذاءهم رسول الله بأقوالهم، قال تعالى:﴿ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن﴾ (لتوبة61 وقال: ﴿واذا لقوا اللذين آمنوا قالو آمنا وإذا خلو مع شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون﴾[1] وقال: ﴿فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهو ان يجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر﴾[2] وغيرها من الآيات التي تدل على كذبهم وتكذيبهم لرسول الله وتخلفهم عن طاعة رسول الله بأعذار واهية.

ففي بادئ الامر خاطب المؤمنين ودعاهم الى تقوى الله، وتقوى الله تشمل جميع المحاسن النفسية التي تؤثر في الاحسان في جميع الأفعال أولها تسديد القول:

قال في الميزان: (السديد من السداد وهو الإصابة والرشاد فالسديد من القول ما يجتمع فيه مطابقة الواقع وعدم كونه لغوا أو ذا فائدة غير مشروعة كالنميمة وغير ذلك فعلى المؤمن أن يختبر صدق ما يتكلم به وأن لا يكون لغوا أو يفسد به إصلاح).[3]

وقال في الأمثل: («القول السديد» من مادّة (سد) أي المحكم المنيع الذي لا يعتريه الخلل، والموافق للحقّ والواقع، ويعني القول الذي يقف كالسدّ المنيع أمام أمواج الفساد والباطل. وإذا ما فسّره بعض المفسّرين بالصواب، والبعض الآخر بكونه خالصا من الكذب واللغو وخاليا منه، أو تساوي الظاهر والباطن ووحدتهما، أو الصلاح والرشاد، وأمثال ذلك، فإنّها في الواقع تفاسير ترجع إلى المعنى الجامع أعلاه)[4]

ثمّ قوله تعالى: ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ تكون بمنزلة بيان الداعي او نتيجة القول السديد. فلا يمكن اصلاح الاعمال الا بالتقوى والاعمال الصالحة سبب لغفران الذنوب ل ﴿إنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِئَاتِ﴾ [5] ويمكن المراد من اذهاب السيئات في الدنيا تغيير حالة الانسان من المرتكب للمعاصي الى فاعل الحسنات وفي الآخرة يكتب لهم مكان سيئاتهم حسنات، قال تعالى: ﴿اِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صًالِحَاً فَاُؤلَئِكَ يُبَدِّلُ الْلهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾[6]

في الواقع التقوى هي دعامة إصلاح اللسان وأساسه، ومنبع قول الحقّ، والقول الحقّ أحد العوامل المؤثّرة في إصلاح الأعمال، وإصلاح الأعمال سبب‌ مغفرة الذنوب يقول علماء الأخلاق: (إنّ اللسان أكثر أعضاء البدن بركة، وأكثر الوسائل تأثيرا في الطاعة والهداية والصلاح، وهو في الوقت نفسه يعدّ أخطر أعضاء البدن وأكثرها معصية وذنبا).

وفي حديث عن النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه وآله: «لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه» [7] .

وقد ورد عن الإمام السجّاد عليه السّلام: "إنّ لسان ابن آدم يشرف كلّ يوم على جوارحه فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: اللّه اللّه فينا، ويناشدونه ويقولون: إنّما نثاب بك ونعاقب بك»[8] .

عد الغزالي في احياء العلوم عشرين كبيرة أو معصية تصدر عن اللسان، و هي: (1- الكذب 2- الغيبة 3- النميمة 4- النفاق في الكلام، أي كون الإنسان ذا لسانين و وجهين 5- المدح في غير موضعه 6- بذاءة الكلام 7- الغناء و الأشعار غير المرضية 8- الإفراط في المزاح 9- السخرية و الاستهزاء 10- إفشاء أسرار الآخرين 11- الوعد الكاذب 12- اللعن في غير موضعه 13- التخاصم و النزاع 14- الجدال و المراء 15- البحث في امور الباطل 16- الثرثرة 17- البحث في الأمور التي لا تعني الإنسان 18- وصف مجالس الشراب والقمار والمعصية 19- السؤال عن المسائل الخارجة عن إدراك الإنسان والبحث فيها 20- التصنع والتكلف في الكلام).

وفي الأمثل زاد عليها عشرين موضعاً: وهي: 1(- الاتهام 2- شهادة الزور 3- إشاعة الفحشاء، ونشر الإشاعات التي لا أساس لها 4- مدح الإنسان نفسه 5- الإصرار في غير محله 6- الغلظة والخشونة في الكلام 7- الأذى باللسان 8- ذم من لا يستحق الذم 9- كفران النعمة اللسان 10- الإعلام الباطل).

ايضاً هناك روايات كثيرة في هذا الباب تحكي جميعاً عن الأهميّة الفائقة للّسان ودوره في إصلاح الأخلاق وتهذيب النفوس الإنسانية، ولذلك ورد في حديث: «ما جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على هذا المنبر قطّ إلّا تلا هذه الآية: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً﴾ [9] .

ثمّ تضيف الآية في النهاية: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ وهذا مما قياساتها معها لان من اطاع الله و رسوله اعماله كلها صالحة تعود مصلحتها اليه في الدنيا لحياة طيبة وفي الآخرة جنة المأوى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo