< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 69 من سورة الاحزاب

 

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [1]

تحدثنا في المحاضرتين حول هذه الآية المباركة ومرت بنا روايات كثيرة عن فضل هذا الشعار العظيم ووعدناكم نقف ونتأمل حول الداعي للإصرار والتأكيد البليغ على هذه الشعيرة حتى جعل من اذكار الاذان والإقامة والصلاة وندب اليها بتكرارها في كثير من المواقف الإسلامية حتى لا يمر على المسلمين يوما الا ويترنمون بالصلوات عدة مرات ويسمعون من الآخرين أيضا هذه الشعيرة المقدسة.

نحن نرى في التاريخ اتفق ثورات كثيرة في شتى انحاء العالم وشكلت حكومات ومدارس فكرية واعتقادية ولكنها محيت، ولكن الإسلام جاء بقيادة رجل عظيم الذي لم يسبق له مثيل ولم يأت له مثيل وقد صدر من اعدائه محولات كثيرة لطمث هذا النور وما استطاعوا ولعل احدى أسبابه توطيد هذه الشريعة المقدسة بنبيها ومؤسسها، نعم حصل في الإسلام تيارات مختلفة ومذاهب متباعدة ولكن كلها تنادي يا رسول الله وتكرر هذا الشعار المقدس وهو الصلوات على من جاء بهذه الرسالة وكل اشتقاقات الإسلام معقدة برسول الله والكتاب الذي انزل معه، وقد كان محاولات كثيرة شديدة لطمس نور الإسلام من خلال هؤلاء الذين كان ذمام الإسلام بيدهم ولكن لم يستطيعوا ان ينكروا رسول الله واهل بيته صلوات الله عليهم.

قال الشعبي: (وهو كان اماماً تابعياً وفقيه اهل العراق21-100) (فلما خلى عثمان رحله، دخل اليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار ثم اغلقوها عليهم فقال أبو سفيان بن حرب اعندكم أحد غيركم؟ قالوا لا قال يا بني امية: تلقفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة قال: فانتهره عثمان وساءه بما قال وامر بإخراجه).

وقال المطرّف بن المغيرة بن شعبة: (دخلت مع أبي على معاوية ـ وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي، فيذكر معاوية وعقله، ويُعجب بما يرى منه ـ إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا. فقلت: ما لي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يا بني جئتُ من عند أكفر الناس وأخبثهم 1! قلت: وما ذاك؟!

قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا وبسطت خيراً، فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شي تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه.

فقال: هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه! مَلكَ أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة 2 ليُصاح به كل يوم خمس مرات "أشهد أن محمداً رسول الله [صلى الله عليه وآله]، فأيُّ عمل يبقى وأيُّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك، لا والله إلاّ دفناً دفناً !!) "

ومما صار سببا لاستمرار ثورة الامام الخميني ايضاً هو تأسيسها على أساس ولاية الفقيه والتزام بالدستور الأساسي وموافقة جميع القوانين على مبدأ الإسلام والمادة القانونية بان كل قانون يخالف الشريعة الإسلامي فهو مردود ومجلس صيانة الدستور متشكلا عن الفقهاء الاتقياء والحقوقيون لمراقبة ميع القوانين الصادرة من مجلس الشورى الإسلامية الذي يصدر القوانين لإدارة البلاد ولولم تكن هذه المؤسسات القانونية لذهب الجمهورية الإسلامية يمينا وشمالاً. نعم قد اتفق ثورات إسلامية بقيادة الفقهاء وعلماء الدين ومساندة الشعوب المسلمة. ولكنهم بعد الانتصار تركوا تأسيس النظام الجديد بيد السياسيون وحتى بتدبير الدول المستعمرة الغربية كثوة العشرين في العراق وثورة التشرين في سوريا وثورة الجزائر والثورات في إيران التي سبقت ثورة الامام الخميني. فالصمام الأمان في هذه الثورة ولاية الفقيه التي تحت رعايتها دونت القوانين ونشئت كل المؤسسات الحكومية في هذا النظام المتين قائم على إرادة الشعب بأصوات احادهم، وهي أرقى نموذج في تطبيق الديمقراطي الشامل حدوثاً وبقاءً والحمد لله.

نكتفي بهذا المقدار من الكلام حول هذه الآية المباركة ونذهب الى آية أخرى المصدرة ب"يا ايها الذين آمنوا.

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى‌ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً﴾

لا يخفى ان الخطاب في هذه الآيات ليس متوجها فقط الى الخلص من المؤمنين بل تشمل كل من دخل في الإسلام وفيهم ضعاف الأيمان وفيهم المنافقين.

ثم هناك تسائل يطرح نفسه من انه لماذا اختار الله موسى عليه السّلام من بين الأنبياء اسوة لمن تأذّى من اُمّته؟

قيل في الجواب: لأنّ المؤذين من بني إسرائيل قد آذوه أكثر من أي نبي آخر، إضافة إلى أنّ بعض أنواع الأذى التي رآها كانت تشبه أذى المسلمين ضعاف الايمان والمنافقين لنبي الإسلام صلّى اللّه عليه وآله.

في هذه الآية لم يعين نوعية الايذاء الذي كان يوجه امة موسى اليه، وهناك كلمات من المفسرين في المراد من إيذاء موسى عليه السّلام؟ منها:

1- إنّ موسى وهارون عليهما السّلام قد ذهبا إلى جبل- فتوفي هارون عليه، فأشاع المرجفون من بني إسرائيل أنّ موسى عليه السّلام قد تسبّب في موته، فأبان اللّه سبحانه حقيقة الأمر، وأسقط ما في يد المرجفين.

2- ما جاء في سورة القصص، ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَ آتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِين﴾ وما تليها من آية 76-82) فنصائح موسى عليه السلام واتباعه أثار حفيظة قارون فتعصب على موسى عليه السلام فاحتال عليه لأن يتملّص من قانون الزكاة، ولا يؤدّي حقوق الضعفاء والفقراء، فعمد إلى بغيّ واتّفق معها على أن تقوم بين الناس وتتّهم موسى عليه السّلام بأنّه زنى بها، إلّا أنّ هذه الخطّة قد فشلت بلطف اللّه سبحانه، بل وشهدت تلك المرأة بطهارة موسى عليه السّلام وعفته، واهلك الله قرون بالخسف وبرء الله موسى من التهمة.

3- ما وجهوا الى موسى عليه السلام من تهمة السحر والجنون والافتراء على اللّه، ولكن اللّه تعالى برّأه منها بما أعطاه من المعجزات الباهرات.

4- مما اتّهموا موسى عليه السلام نسبة بعض العيوب الجسمية كالبرص وغيره اليه تنقيصا له واسقاطا لشخصيته، لأنّه كان يتعفف ان يعترى امام الناس للاغتسال والاستحمام، فأراد أن يغتسل يوما بمنأى عن الناس، فوضع ثيابه على حجر هناك، فتدحرج الحجر بثيابه، فرأى بنو إسرائيل جسمه، فوجدوه مبرّأ من العيوب.

5- كان المعذرون من بني إسرائيل أحد عوامل إيذاء موسى عليه السّلام، فتارة قالوا له ﴿ارنا الله جهرة﴾، ومرة ما اقتنعوا بما رزقهم الله من المن والسلوى وقالوا: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَ قِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَ بَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَ كَانُوا يَعْتَدُونَ﴾[2]

مرة قال موسى لهم: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ لاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين . قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ . قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ . قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[3]

ويمكن المراد في الآية المبحوث عنها جميع موارد التي كانوا يتمردون عن أوامر موسى عليه السلام التي كانت فيها مصلحتهم.

وكان نظير ما حدث لموسى عليه السلام حدث لرسول الله صلى الله عليه وآله ولعلها اشد حسب ما ورد من الرواية عنه صلوات الله عليه من قوله: "ما اوذي نبي بمثل ما اوذيت"

فعلى هذا كانت الآية بصدد بيان حكم كلّي عام جامع، لأنّ بني إسرائيل قد آذوا موسى عليه السّلام من جوانب متعدّدة.. ذلك الأذى الذي لم يكن يختلف عن أذى بعض أهل المدينة (لنبيّنا صلّى اللّه عليه وآله) كإشاعة بعض الأكاذيب واتّهام زوج النّبي‌ بتهم باطلة، وقد ورد تفصيلها في سورة النور- ذيل الآيات 11- 20- والاعتراضات التي اعترضوا بها على النّبي صلّى اللّه عليه وآله في زواجه بزينب، وأنواع الأذى والمضايقات التي كانوا يضايقونه بها في بيته، أو مناداته بأسلوب خال من الأدب والأخلاق، وغير ذلك.

وعلى أيّة حال، فيمكن أن يستفاد من هذه الآية رسالة الى امة الإسلام ايضاً بأنّ من كان عند اللّه وجيها وذا منزلة عظيمة ابتلوا باتهامات وايذاء كثيرة فلابد من الصبر والصمود فإنّ اللّه سبحانه يدافع عنهم في مقابل من يؤذيه ويتّهمهم بالأباطيل، فكونوا طاهرا وعفيفا، واحفظوا وجاهتكم عند اللّه، فإنّه تعالى سيظهر عفّتكم وطهارتكم للناس، حتّى وإن سعى الأشقياء والمسيؤون إلى اتّهامكم وتحطيم منزلتكم وتشويه سمعتكم بين الناس. نعم قال الصادق عليه السلام «إنّ رضى الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط» ثمّ اضاف الإمام في نهاية هذا الحديث: «أ لم ينسبوا إلى موسى أنّه عنين وآذوه حتّى برّأه اللّه ممّا قالوا، و كان عند اللّه وجيها»[4] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo