< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية56 من سورة الأحزاب

 

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾[1]

كلما ورد ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ في القران كان في مطلع الآيات الا في هذه الآية، ولعل السر في ذلك ان هذه الآية وردت خصيصا لتكريم النبي صلوات الله عليه، فأراد الله ان يقدّم اسمه جل جلاله واسم ملائكته ثم اسم النبي الأعظم ثم يخاطب المؤمنين ويأمرهم بالاقتداء به وبملائكته.

قال في المجمع: (لما صدر سبحانه هذه السورة بذكر النبي ص وقرّر في أثناء السورة ذكر تعظيمه ختم ذلك بالتعظيم الذي ليس يقاربه تعظيم ولا يدانيه فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ معناه إن الله يصلي على النبي ص ويثني عليه بالثناء الجميل ويبجله بأعظم التبجيل وملائكته يصلون عليه [يثنون عليه‌] بأحسن الثناء ويدعون له بأزكى الدعاء ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

ان هذه الآية المباركة وردت بعد الآيات التي مرت بنا حول وجوب رعاية حرمة النّبي صلّى اللّه عليه وآله والاجتناب عما يوجب إيذائه، وهي تتحدّث أوّلاً عن محبّة اللّه وملائكته للنّبي صلّى اللّه عليه وآله وصلواتهم عليه، ثم تخاطب المؤمنين وتأمرهم بالصلاة عليه، وفي هذا الترتيب ايعاز للمؤمنين على مقام النّبي صلّى اللّه عليه وآله ومنزلته السامية عند الله الذي هو خالق عالم الوجود، وملائكته القديسون الموكّلون بتدبير أمر هذا العالم يصلّون عليه، على لزوم تقديرهم لرسول الله فعليكم و تناغهم مع الله وملائكته في الصلاة عليه وضموا أصواتكم إلى نداء عالم الوجود فقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

نعم ان رسول الله هو جوهرة نفيسة لعالم الخلقة، وقد بعثه الينا وشرفنا به بلطفه ومنه، فلا ينبغي ان نستصغر قدره، وننسى مقامه ومنزلته عند اللّه وملائكة السماوات إنّه إنسان ظهر من بيننا، لكنّه ليس إنسانا عاديا، بل هو إنسان يتلخّص عالم الوجود في وجوده.

قبل ان نتحدث عن تفاصيل الآية نقف عند بعض مفرداتها:

اولاً: مفردة الصلاة، عند ما نسبت إلى اللّه سبحانه فإنّها تعني «إرسال رحمته تعالى عليه»، وعند ما نسبت إلى الملائكة فإنّها تعني «طلب الرحمة من الله له».

وقال في الميزان: (أن أصل الصلاة الانعطاف فصلاته تعالى انعطافه عليه بالرحمة انعطافا مطلقا لم يقيد في الآية بشي‌ء دون شي‌ء وكذلك صلاة الملائكة عليه انعطاف عليه بالتزكية والاستغفار وهي من المؤمنين الدعاء بالرحمة).[2] واظن مضافا الى ما قالوا ان صلواتنا عليه تحية منا له أيضاً.

ثانياً: جاء الصلاة بصيغة المستقبل (يصلّون) وهو فعل يدلّ على الاستمرار، يعني أنّ اللّه وملائكته يصلّون عليه دائما وباستمرار صلاة دائمة خالدة. ولعل صلاة الله وملائكته ليس باللفظ بل هي مقولة تناسب وجودهم ولعل استمرار صلاتهم ليس بالتكرار ونحن استمرارنا لصلاته بتكرار هذا اللفظ كثيرا وفي كل مناسبة.

ثالثاً: وفي المراد من مفردة "سلام" في الآية حيث امرنا ربنا به خلاف بين المفسّرين والذي يبدو هو انسب للأصل اللغوي في الفرق بين (صلّوا) و (سلّموا): أن (صلّوا) أمر بطلب الرحمة بالصلاة على النّبي، أمّا (سلّموا) فتعني التسليم لأوامر النبي صلوات الله عليه، كما ورد في سورة النساء ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾[3]

وكما نقرأ في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّ أبا بصير سأله فقال: "قد عرفت صلاتنا على النّبي، فكيف التسليم؟ قال: «هو التسليم له في الأمور».[4]

ويمكن أن يكون بمعنى «السلام» على النّبي صلّى اللّه عليه وآله ب (السلام عليك يا رسول اللّه) وما أشبه ذلك، والذي يعني طلب سلامة النّبي صلّى اللّه عليه وآله من اللّه سبحانه.

ولكن يطرء بالبال سؤال: كيف نطلب لرسول الله من الله السلامة وهو بجوار رحمة ربه والسلامة والمرض من طوارئ الجسم؟ فلعل ما قاله السيد الطباطبائي من كونه بمعنى انعطاف الرحمة انسب وهي قابل للازدياد بقدرة الله تعالى.

ويمكن الجمع بين هذين المعنيين بعطفهما وإرجاعهما إلى نقطة واحدة، وهي: التسليم القولي والفعلي للنبي صلّى اللّه عليه وآله، فنسلّم عليه تحية منا له، وكذلك تسليما لأوامره ونواهيه من موضع الايمان والعشق وعرفان شأنه بانه مفترض الطاعة.

رابعاً: ممّا يلفت النظر أنّه قد ورد نصوصا متواترة في كيفية الصلاة على النّبي من طرق العامّة والخاصة عن رسول الله وأهل بيته عليهم السلام، فيها الامر بعطف (آل محمّد) عند الصلوات على محمّد صلّى اللّه عليه وآله.

فقد روي في «الدرّ المنثور» عن صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه ورواه آخرين عن كعب بن عجرة: "أنّ رجلا أتى إلى النّبي صلّى اللّه عليه وآله فقال: أمّا السلام عليك فقد علمناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال النّبي صلّى اللّه عليه وآله: «قل اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد. اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد".

وقد أورد صاحب تفسير الدرّ المنثور ثمانية عشر حديثا آخر إضافة إلى هذا الحديث، صرّحت جميعا بوجوب ذكر «آل محمّد» عند الصلوات.

وقد رويت هذه الأحاديث عن كتب أهل السنّة المعروفة المشهورة عن جماعة من الصحابة منهم: ابن عبّاس، وطلحة، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وأبو مسعود الأنصاري، وبريدة، وابن مسعود، وكعب بن عجرة، وأمير المؤمنين عليه السّلام كانوا يضمون الآل الى رسول الله في صلاتهم.

وقد رويت هذا المعنى في صحيح البخاري ايضاً وفي روايات عديدة في هذا الباب وكذلك وردت في صحيح مسلم روايتان في هذا الباب.

والعجيب في هذا الكتاب أنّه بالرغم من ورود (آل محمّد) عدّة مرّات في هذين الحديثين، فإنّه اختار هذا العنوان لهذا الباب: (باب الصلاة على النّبي صلّى اللّه عليه وسلم) بدون ذكر «الآل»!! وثمّة مسألة تستحقّ الانتباه وهي: أنّ في بعض روايات أهل السنّة، وفي كثير من روايات أهل البيت لم ترد حتّى كلمة (على) لتفرّق بين محمّد وآل محمّد، بل كيفية الصلاة هي: اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد. وورد في الصواعق لابن حجر عن النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه وآله قال: «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللهمّ صلّ على محمّد وتمسكون، بل قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» [5] .

ولهذه الرّوايات فقد اعتبر جمع من كبار فقهاء العامّة إضافة (آل محمّد) إلى‌ اسم «محمّد» في تشهد الصلاة واجبا «1». - هل أنّ الصلاة على النّبي صلّى اللّه عليه وآله واجبة أم لا؟ وإذا كانت واجبة فأين تجب؟

يقول الفقهاء في الإجابة عن هذا السؤال: إنّ جميع فقهاء أهل البيت يعتبرونها واجبة في التشهّد الأوّل والثّاني من الصلاة، ومستحبة في غيرهما.

وعلاوة على الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام في هذا الباب، فإنّ الروايات الواردة في كتب أهل السنّة، والدالّة على الوجوب، ليست بالقليلة، ومن جملتها ما ورد عن عائشة أنّها قالت: سمعت رسول اللّه يقول: «لا يقبل صلاة إلّا بطهور وبالصلاة عليّ».

ويعتبر «الشافعي»- وهو من فقهاء العامّة- الصلاة على النّبي صلّى اللّه عليه وآله واجبة في التشهّد الثاني، و «أحمد» في إحدى الروايتين المرويتين عنه، وجمع آخر من الفقهاء، غير أنّ «أبا حنيفة» لا يعتبرها واجبة.

والطريف أنّ «الشافعي» قد نظّم فتواه هذه شعرا وذكرها بصراحة حيث يقول:

يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم فرض من اللّه في القرآن أنزله‌

كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo