< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا / ذيل الآية 53 من سورة الاحزاب

 

قال الله تعالي: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى‌ طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً﴾ [1]

بمناسبة هذه الآية التي تحدثت معنا في رعاية آداب الضيافة للنبي صلوات الله عيه وقلنا ان ما ورد لرسول الله في هذه الآية المباركة اسوة لنا في التعامل مع ضيوفنا مع رعاية الحكم والموضوع ومقتضيات الميدان ولذا نود ان نطل اطلالة على مسألة الضيافة وبعض آدابها:

ان للضيافة في تعاليم الإسلام مكانة عظيمة وأهميّة بالغة، حتّى‌ ورد في خصوصها ومختلف شؤونها روايات كثيرة نذكر نماذج منها: ففي حديث عن النّبي صلّى اللّه عليه وآله: «الضيف دليل الجنّة». إنّ أهميّة الضيف ووجوب احترامه وتقديره، بلغ حدّا اعتبر انها هدية سماوية، فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اته قال: "إذا أراد اللّه بقوم خيرا أهدى إليهم هدية، قالوا: وما تلك الهدية؟ قال: "الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت".

وورد أنّ رجلاً حضر عند النّبي صلّى اللّه عليه وآله فقال: فداك أبي وامّي، إنّي أسبغ الوضوء، وأقيم الصلاة، وأؤتي الزكاة في حينها، وارحّب بالضيف واقريه في اللّه، فقال صلّى اللّه عليه وآله: «بخ بخ بخ! ما لجهنّم عليك سبيل! إنّ اللّه قد برأك من الشحّ إن كنت كذلك». [2]

فجعل قراء الضيف في عداد الصلاة والزكاة.

عن مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ذَكَرَ أَصْحَابَنَا يَوْماً فَقُلْتُ- وَ اللَّهِ مَا أَتَغَدَّى وَ لَا أَتَعَشَّى إِلَّا- وَ مَعِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ- أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَقَالَ- فَضْلُهُمْ عَلَيْكَ أَكْثَرُ مِنْ فَضْلِكَ عَلَيْهِمْ- فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَ وَ أَنَا أُطْعِمُهُمْ طَعَامِي- وَ أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِي وَ يَخْدُمُهُمْ خَادِمِي- فَقَالَ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ دَخَلُوا مِنَ اللَّهِ بِالرِّزْقِ الْكَثِيرِ- وَ إِذَا خَرَجُوا خَرَجُوا بِالْمَغْفِرَةِ لَكَ. [3]

لزوم عدم التكلف في الضيافة: مع كلّ الأهمية التي يتمتّع بها الضيف، فإنّ الضيافة إذا اتّسمت بالتكلّف فإنّها غير راجحة من وجهة نظر الإسلام، بل ونهى عنها، فإنّ الإسلام يوصي بأن تكون الضيافة بسيطة، وجعل معيارا عادلا بين الضيف والمضيف، وهو: أن لا يبخل‌ المضيف بما عنده ويحضره، وأن لا يتوقّع الضيف أكثر من ذلك! فعن الإمام الصادق عليه السّلام: «المؤمن لا يحتشم من أخيه، وما أدري أيّهما أعجب؟! الذي يكلّف أخاه إذا دخل عليه أن يتكلّف له، أو المتكلّف لأخيه؟» [4]

في العيون: عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ ع أَنَّهُ دَعَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ع- عَلَى أَنْ تَضْمَنَ لِي ثَلَاثَ خِصَالٍ- لَا تُدْخِلُ عَلَيْنَا شَيْئاً مِنْ خَارِجٍ - وَلَا تَدَّخِرُ عَنَّا شَيْئاً فِي الْبَيْتِ- وَلَا تُجْحِفُ بِالْعِيَالِ- قَالَ ذَلِكَ لَكَ فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ‌ عليه السلام.[5]

حقّ الضيف: قلنا: إنّ الضيف كالهدية السماوية من وجهة نظر الإسلام، أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السّلام‌ يروي عن النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه وآله أنّه قال: «من حقّ الضيف أن تمشي معه فتخرجه من حريمك إلى البر»

ويجب تهيئة مستلزمات راحته إلى الحدّ الذي لا يبلغ التكلّف، حتّى أنّه ورد في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «إنّ من حقّ الضيف أن يعد له الخلال».

عرض الطعام على الضيف: وقد يكون الضيوف خجولين أحيانا، ولذلك فقد صدر أمر بعدم سؤالهم عمّا إذا كانوا قد تناولوا الطعام أم لا، بل يمدّ لهم السماط فإن شاءوا وأكلوا، كما روي الإمام الصادق عليه السّلام: "لا تقل لأخيك إذا دخل عليك أكلت اليوم شيئا؟ ولكن قرّب إليه ما عندك، فإنّ الجواد كلّ الجواد من بذل ما عنده".

عدم تحقير الطعام من الطرفين: ومن جملة واجبات المضيف أمام اللّه سبحانه أن لا يحقّر الطعام الذي أعدّه، كما تعارف عند بعض الناس يقولون لضيوفهم: هذا شي‌ء بسيط لا يليق بمقامكم! وفي المقابل يجب أن لا يحتقر الضيف ما قدّم إليه، ففي حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: "هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره، وهلك امرؤ احتقر من أخيه ما قدّم إليه".

نعم إنّ الإسلام دقيق النظرة في إكرام الضيف، فقد ورد في الحديث: "استقبل الضيف وأعنه عند ما يدخل إلى بيتك، أمّا إذا أراد الخروج فلا تعنه لئلّا يتصوّر بأنّك راغب في خروجه".

من طريف ما ورد في بعض الروايات ان على الضيف أن ينفّذ ما يطلبه منه صاحب البيت و يقترحه عليه في شأن منزله، فإذا طلب منه أن يجلس في مكان ما مثلا فليفعل، فعن الإمام الصادق عليه السّلام انه قال: «إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله فليقعد حيث يأمر صاحب الرحل، فإنّ صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه».

من الأسف في هذا العصر مع ما توفر المأكولات و الامكانات للضيافة ولكن الغربيون تركوا هذه السنن وقد يتبعهم بعض المسلمين المقهورين عند ثقافتهم فقللوا من الضيافة والمزاورة في البيوت ودعوة الاقرباء والأصدقاء للضيافة.

فالسنّن الإنسانية القديمة قد تقلّصت و للأسف الشديد في عصرنا الحاضر عصر غلبة المادية وطغيانها في العالم، وهيمنتها عليه، بل إنّها قد اجتّثت تقريبا في بعض المجتمعات الغربية، وقد سمعنا أنّ بعض أولئك عند ما يأتون إلى البلاد الإسلامية ويرون انتشار مسألة الضيافة التي لا زالت قائمة في البيوتات الأصيلة، ومدى العواطف التي تكتنفها، فإنّهم يتعجّبون كيف يمكن أن يقدّم الناس أفضل الوسائل الموجودة في البيت، وأنفس الأطعمة وألذّها للضيوف إلّا أنّ ملاحظة الأحاديث الإسلامية توضّح الحسابات المعنوية في هذا المجال تلك الحسابات التي لا تعني شيئا لدى عبّاد المادّة والغارقين في بحرها. فكرامة النفس تدعوا الى التزاور والتآكل وخلافه عيب.

فعَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ‌ الرِّضَا ع قَالَ: السَّخِيُّ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ لِيَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِهِ وَالْبَخِيلُ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ لِئَلَّا يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِهِ.[6]

عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَلْدَةً- فَهُوَ ضَيْفٌ عَلَى مَنْ بِهَا مِنْ إِخْوَانِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ- حَتَّى يَرْحَلَ عَنْهُمْ. [7]

نعم في القديم لم يكن مثل هذه الفنادق. وانما كانت خانات للجوء المسافرين اليها والإسلام حرض على دعوة الغرباء الى البيوت ومع ذلك هناك توصيات الى الضيف برعاية حال المضيف فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الضَّيْفُ يُلْطَفُ لَيْلَتَيْنِ- فَإِذَا كَانَ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ- يَأْكُلُ مَا أَدْرَكَ.[8]

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الضِّيَافَةُ أَوَّلُ يَوْمٍ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ- وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ- قَالَ ثُمَّ قَالَ لَا يَنْزِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ حَتَّى يُوثِمَهُ - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُوثِمُهُ- قَالَ حَتَّى لَا يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ. [9]

عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: الْوَلِيمَةُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ مَكْرُمَةٌ- (وَمَا زَادَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ)[10]

ومما يعلمنا كرم العشرة مع الضيف ما ورد عن: أَبُي جَعْفَرٍ ع مِنَ التَّضْعِيفِ تَرْكُ الْمُكَافَأَةِ- وَمِنَ الْجَفَاءِ اسْتِخْدَامُ الضَّيْفِ- فَإِذَا نَزَلَ بِكُمُ الضَّيْفُ فَأَعِينُوهُ وَإِذَا ارْتَحَلَ فَلَا تُعِينُوهُ- فَإِنَّهُ مِنَ النَّذَالَةِ- وَ زَوِّدُوهُ وَ طَيِّبُوا زَادَهُ فَإِنَّهُ مِنَ السَّخَاءِ. [11]

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ الضَّيْفَ إِذَا جَاءَ- فَنَزَلَ بِالْقَوْمِ جَاءَ بِرِزْقِهِ مَعَهُ مِنَ السَّمَاءِ- فَإِذَا أَكَلَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ بِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ.[12]

زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مِمَّا عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَاطِمَةَ ع أَنْ قَالَ- مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ. [13]

مما تعارف عند العشائر واهل القرى ان لا يأكل المضيف مع ضيوفه ويقف على رؤوسهم يراقبهم بينما هذه الروية مذمومة فيما ورد من الروايات واليك نماذج منها:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا أَكَلَ مَعَ الْقَوْمِ طَعَاماً- كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ- وَ آخِرَ مَنْ يَرْفَعُهَا لِيَأْكُلَ الْقَوْمُ.[14]

عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ الزَّائِرَ إِذَا زَارَ الْمَزُورَ- فَأَكَلَ مَعَهُ أَلْقَى عَنْهُ الْحِشْمَةَ- وَإِذَا (لَمْ) يَأْكُلْ مَعَهُ يَنْقَبِضُ قَلِيلًا.[15]

عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى ع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ إِذَا أَتَاهُ الضَّيْفُ أَكَلَ مَعَهُ- وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ مِنَ الْخِوَانِ حَتَّى يَرْفَعَ الضَّيْفُ. [16]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo