< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

45/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا / تفسير الآية49 من سورة الاحزاب

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً﴾[1]

هذه الآية المباركة بيّن اللّه فيها حكم الزوجة غير مدخول بها من عدم لزوم العدة عليها حكما استثنائيا من حكم عدّة النساء المطلّقات، فالمراد من النكاح مجرد اجراء عقد الزواج.

ويستفاد من قوله تعالى: ﴿فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ﴾ انها حق للرجل على المرأة في فرض الدخول، فإنها يمكن ان تكون حاملا منه وتركها العدّة وزواجها برجل آخر يجعل حال الولد غير معلوم، ويؤدّي إلى ضياع حقّ الرجل. وهذا الأمر حكمة لتشريع العدة وليس علتها، ولذا لو تيقنوا من خلال الفحوصات الطبية بان المرأة ليست حاملا مع ذلك يجب عليها رعاية العدة.

ومن فوائد جعل العدة على المرأة المدخول بها جواز عود الرجل اليه وتأكيد علقة الزوجية بينهما ولذا ورد في بعض الروايات انه يستحب للمرأة ان تتزين لزوجها في مدة العدة.

وهكذا من فوائدها إذا مات الرجل في زمن عدة زوجته هي ترث منه.

ولا يخفى ان حق العدة ليس من الحقوق القابل للإسقاط لانّ الإسلام حريص على حفظ الانساب وكثير من الحقوق حقوق لا يمكن ان يسقطه صاحب الحق، مثلا حق حضانة الأولاد يكون للام للذكر سنتين وللاُنثى سبع سنوات وهي لا تستطيع ان تسقط حقها نعم يجوز في فرض التراضي بين الزوجين أن يبادر الرجل بحضانة أولاده الصغار ولكن حق الامّ يبقى محفوظا لها متى شاءت ترجعها الى نفسها.

وفي ذيل الآية قال تعالى: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً﴾ والمراد من التمتيع إعطاء شيء من المال اليها إذا لم يقرر لها مهراً. ثم يوصي المؤمنين بمفارقة المطلق برعاية كرامتها وشأنها دون الإهانة والإيذاء مما هو متعارف في الطلاق عند غير المتدينين.

وفي هذا الموضوع وردت آية في سورة البقرة تناولت الحكم بتفصيل أكثر الله حيث يقول:

﴿لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ. وإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‌ وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [2]

في هذه الآية المباركة تعرض لكلا الصورتين: صورة عدم تعيين المهر وتحديده، وصورة تعيين مهر معلوم. في الصورة الأولى هنا أيضا قال: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ ثم عين مقدار التمتيع بقوله: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ فجعل مهر المثل في كل اسرة حسب مستوى معيشتهم والمعروف هو المتعارف في كل بيئة وفي كل مستوى مالي.

فهذه الآية يمكن ان نجعلها مفسرا ومفصلا للآية المبحوث عنها من سورة الأحزاب ولو هناك إطلاق في متعوهن فيشمل ما إذا جعلوا مهرا معيناً او لم يذكروا شيئا. وهذا هو مقتضى الجمع بين الآيات وما ورد من ان القرآن يفسر بعضه بعضاً.

ولكن مع ذلك احتمل بعض المفسّرين والفقهاء أنّ حكم تقديم هديّة مناسبة عام في الآية مورد البحث، ويشمل حتّى الموارد التي عيّن فيها المهر، غاية ما هناك أنّ له صفة الاستحباب في هذه الموارد، وله صفة الوجوب في الموارد التي لم يعيّن فيها المهر.

أمّا كم هو مقدار هذه الهدية؟ فقد بيّنه القرآن المجيد في سورة البقرة إجمالا بقوله: ﴿مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ﴾. وكذلك قال في نفس تلك الآية: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾.

فما ورد في بعض الروايات الإسلامية موارد من قبيل البيت والخادم واللباس وأمثال ذلك، فإنّها بيان لبعض المصاديق للمعروف تتفاوت بحسب مستويات المعيشة وبحسب متطلبات كل عصر وصقع وبحسب إمكانيات الزوج وشؤون المرأة.

اما قوله تعالى: ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا﴾.

«السراح الجميل» هو الطلاق المقترن بالمحبّة والاحترام، وترك كلّ خشونة وظلم وجور واحتقار، كما قال في سورة البقرة: ﴿فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ﴾ وهذه العناوين عناوين مرن تنطبق مصاديقها حسب الزمان والمكان والبيئة فإنّ الاستمرار في الحياة الزوجية يجب أن يكون قائما على أساس المعايير الإنسانية، والطلاق كذلك، فلا يجوز للرجل- إذا صمّم على طلاق زوجته- هضم حقّ الزوجة ومهرها، وبذاءة الكلام والخشونة معها، فإنّ هذا السلوك غير إسلامي قطعا، ولا يمتّ إلى الإسلام بصلة.

واعتبر بعض المفسّرين «السراح الجميل» بمعنى إجراء الطلاق طبقا للسنّة الإسلامية، وجاء هذا المعنى في الرّواية الواردة في تفسير علي بن إبراهيم وعيون الأخبار. إلّا أنّ من المسلّم أنّ «السراح الجميل» لا يتحدّد بهذا المعنى، بالرغم من أنّه أحد مصاديقه.

واعتقد بعض آخر من المفسّرين أنّ السراح الجميل هنا يعني إذن الخروج من المنزل، لأنّ المرأة ليست مكلّفة هنا بالعدّة، وبناء على هذا فيجب إطلاق سراحها لتذهب حيث شاءت.

في مسألة الطلاق كثيرا ما نجد بعض الناس لا يريدون زوجتهم ولكن لان لا يدفعوا اليه مهره او يحصلوا عنها باموال لا يطلقونه ويضغطون عليه حتي هي تطلب الطلاق ويطلقونها خلعا وهذا من المحرمات وقد ورد بهذا الشأن آيات من القران وروايات. كما ان بعض الرجال لا يطلقون زوجتهم ويجعلونها كالمعلقة لان لا تتزوج بعدهم برجل آخر. بينما هذا من حقها ان تختار لنفسها زوج تميل اليه وهنا نذكر مقطعا من الآيات بهذا الصدد دون شرح وتفسير فعليكم ان تتعمقوا في مضامينها:

﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَ لاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَ لاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَ الْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿وَ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذٰلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَ أَطْهَرُ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَ الْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَ لاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَ تَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ﴿وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ ﴿وَ لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لٰكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَ لاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ ﴿لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾

الرجاء التأمل والتعمق في هذه الآيات ففيها دروس وعظة واعتبار مباركة لحياة الزوجية وسوف ترون كثير من تطليقات الخلع باطلة والزوج لا يملك ما يأخذه من زوجته ليطلقها: واختم كلامي بحديث يدلنا على مورد طلاق الخلع الصحيح.

قال أبو عبد الله‌ "إذا قالت المرأة له لا أغتسل لك من جنابة و لا أبر لك قسما و لأوطئن فراشك و لأدخلن عليك بغير إذنك إذا قالت له هذا حل له أن يخلعها و حل له ما أخذ منها" تفسیر مجمع البیان ذیل الآیات الشریفة


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo