< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/11/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الوضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /الآيات 9-27من سورة الاحزاب

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾ ﴿إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ ﴿هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً﴾ (الاحزاب9-11)

وهنا جملة مطالب تستحقّ الدقّة:

أولاً: إنّ تعبير (اذكروا) ظاهر في ان المذكور مضى عليه شيئ من الزمن أي أنّ هذه الآيات نزلت بعد مدة مضى على انتهاء غزوة الاحزاب و الله يذكّرنا بها فأراد بذلك ان لا تُنسى عن ذاكرتنا وذاكرة التاريخ لان في غزوة الاحزاب مواعظ وعبر ودروس ينبغي ان يستفيد منها جميع الأجيال وليس فقط ذكر النقاط الإيجابية والاعتزاز بالأبطال والمجاهدين بل لابد ذكر النقاط السلبية أيضا للعظة والاعتبار، ونحن علينا في هذا العصر أيضا ان نذكر ما جرى في بلادنا من الحروب الدامية وبطولاتها ومواقف الخزي منها فهي مدرسة كبيرة. في مجال العقيدة والسياسة والعسكرية والاقتصادية والقيم الأخلاقية و فيها دراسات في علم الاجتماع و الاخلاق و علم النفس وغيرها

ان الامام الخميني كان يؤكد على الاحتفاظ بذكريات الحرب وايصالها الى الأجيال القادمة وكذلك الامام الخامنئي دائما يؤكد على ذلك يؤكد على احياء ذكر الشهداء بتأليف الكتب في حياتهم الجهادية وصناعة الأفلام والمسلسلات التي تجسم قضاياهم لمن لم يدرك ذاك العصر ولم يعش تلك الأجواء المعنوية ومطعمة بالقيم الإنسانية والإسلامية.

كما ينبغي للشعب العراقي يقوموا بهذا الواجب حتى بالنسبة الى زمن صدام والحزب البعث البائد ان يسجلوا مستندات واضحة وجامعة للظروف التي عاش فيها الشعب العراقي بشتى شرائحها يسجلوا مواقف هؤلاء الذي تحملوا الشرد والقتل وأنواع العقوبات الوحشية وما بدلوا تبديلا يسجلوا يسجلوا قضيا الانتفضة الأولى والثانية يسجلوا مثل موقف ذاك الشاب الحداد المقاوم الذي جعل رجله تحت منشار الكهربائي وقطعها حتى لا يأخذوه الى خدمة لعسكرية، هؤلاء الين قاوموا في الاهوار وتحملوا تلك العيشة الصعبة ولم يستسلموا للنظام الغاشم الفاسد الظالم. كما يجب تسجيل وقائع دفاع المقدس على دواعش الامريكية وما الى ذلك من الأمور.

ثانيا" في هذه الآيات اعتبر الحرب نعمة على المسلمين فان هذه الغزوات كانت تمحيصا للمسلمين وكاشفا عن مخابئ الكافرين والفاسقين والمنافقين ورفع القناع عن وجوههم وسبباً للرقي في المسلمين من الناحية السياسية والعسكرية والايمانية وغيرها قال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَيّبْ﴾ [1]

رابعا: إنّ التعبير ب «الجنود» إشارة إلى مختلف الأحزاب الجاهلية كقريش وغطفان وبني سليم و بني أسد وبني فزارة وبني أشجع و بني مرّة، وكذلك إلى طائفة اليهود في داخل المدينة. وكون هذه الغزوة تآمر عام لشتى الأعداء مع اختلاف مللهم ونحلهم و مناطقهم وكما اننا في هذا العصر نعيش مثل هذا التآمر بتواطؤ قوى الشر فالحرب المفروضة على ايران كانت حرب الأحزاب ومحاربة سوريا كانت حرب أحزاب ومحاربة الشعب اليمني حرب أحزاب مع اختلاف مراتبها.

خامساً: قال: ﴿إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها﴾ ما المراد من ﴿جُنُوداً لَمْ تَرَوْها﴾ والتي نزلت لنصرة المسلمين، هو «الملائكة» التي ورد نصرها للمؤمنين وكيفية نصرهم لهم كما يقول في غزوة بدر في القرآن المجيد بصراحة، ولكن كما بيّنا في ذيل الآية (9) من هذه السورة ان اثر حضور الملائكة من الآثار المعنوية الخفية التي توجب رفع معنويات جنود الإسلام وتفوقهم هلى الأعداء او ارسال عواصف قالة لبساط هؤلاء وانزال اليأس والخوف عليهم حتى تنهار معنوياتهم ولا يجترؤوا لواجهة المسلمين. وفي هذا العصر رأينا من الامدادات الإلهية ما لا تنسجم مع المعادلات العسكرية والمادية.

وتقول الآية التالية تجسيدا للوضع المضطرب في تلك المعركة، وقوّة الأعداء الحربية الرهيبة، والقلق الشديد لكثير من المسلمين: ﴿إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾.

بعض المفسرين يقولون المراد من مفردة (فوق) هو الجانب الشرقي للمدينة، وهو المكان الذي دخلت منه قبيلة غطفان، والمراد من(أسفل) هو غربها حيث دخلت منه قريش ومن معها. ولعل المراد ترسيم شدة الهجوم من كل جانب كما قال الله تعالى: ﴿ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم﴾ والظاهر ان هذا التعبير كناية عن توفير النعم عليهم

ثم عرضت الآية الكريمة الخوف الذي دخل المنافقين والذين في قلوبهم مرض بتعبيرات جميلة وموصلة للمعنى الى قلب المستمع فإنّ جملة ﴿زاغَتِ الْأَبْصارُ﴾ بملاحظة أن ﴿زاغت﴾ من مادّة الزيغ، أي الميل إلى جانب واحد- إشارة إلى الحالة التي يشعر بها الإنسان عند الخوف والاضطراب الشديد، حيث تميل عيناه إلى جهة واحدة، وتتسمّر وتثبت على نقطة معيّنة، ويبقى متحيّرا حينذاك.

وجملة ﴿بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِر﴾ كناية جميلة عن حالة القلق والاضطراب خارج المعتاد.

وقوله: ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ إشارة إلى أنّ بعض المسلمين كانوا قد خطرت على أفكارهم ظنون خاطئة، لأنّهم لم يكونوا قد وصلوا بعد إلى مرحلة الكمال في الإيمان، وهؤلاء هم الذين تقول عنهم الآية التالية: ﴿إنّهم زلزلوا زلزالا شديدا﴾.

فانهم اضعف ايمانهم يأسوا و زعموا ان الامر ينتهي الى انهزام المسلمين، وينتصر جيش العدوّ بهذه القوّة والعظمة، ويقضون على حكمة الإسلامية، وأنّ وعود النّبي صلّى اللّه عليه وآله بالنصر سوف لا تتحقّق مطلقا.

من الطبيعي أنّ هذه الأفكار لم تكن عقيدة راسخة، بل كانت وساوس تسربت الى قلوب البعض، نظيلر ما تحقق في معركة أحد، حيث قال تعالى:ة﴿وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ﴾.[2]

لا يخفى كما ظهر من بدو هذا المقطع أنّ المخاطب هم المؤمنون بالمعنى الاعم، فان قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تشمل كل من يقول: "لا اله الا الله و محمدا رسول الله" فتشل كل الحاضرين في معركة الأحزاب، ولا ينبغي ان نظن أنّ مثل هذه الظنون لا تتناسب مع الإيمان والإسلام، لأنّ ظهور مثل هذه الأفكار لا يتعدّى كونها وسوسة شيطانية، خاصّة في تلك الظروف الصعبة المضطربة جدّا، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لضعفاء الإيمان، والحديثي العهد بالإسلام حتى شمولها للمنافقين الذين اظهروا الإسلام وابطنوا الكفر مخاطبون بذلك اتماما للحجة عليهم.

ثم قوله تعالى في الآية التي تلاها وهي: ﴿هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً﴾. من المحتمل انه تعالى أراد زلزالا في عقيدتهم وقلوبهم او في وفائهم لرسول الله والإسلام وفي نفس الوقت من الطبيعي أنّ الإنسان إذا احيط بالعواصف الفكرية، فإنّ جسمه كذلك لا يبقى بمعزل عن هذا الابتلاء، بل ستظهر عليه آثار الاضطراب والتزلزل، وكثيرا ما نرى أنّ الأشخاص المضطربين فكريا لا يستطيعون الاستقرار في مجلسهم وتنعكس وبشكل واضح اضطراباتهم الفكرية من خلال حركاتهم وسكناتهم ووجناتهم. اليوم نكتفي بهذا المقدار وان شاء الله نتناول بقية الآيات الي تعتبر تكملة لهذه القصة في الأسابيع القادمة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo