< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /دعاء الامام زين العابدين في وداع شهر رمضان

بما نحن نكون معكم في ليلة الأخيرة من هذه الاُمسيات الرمضانية وعلى اعتاب انتهاء شهر رمضان البارك ففضّلت ان اُخصص بحثنا في هذه الليلة بإطلالة سريعة على دعاء ودّع به مولانا الامام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام ذا الدعاء الذي مليئٌ بالمعارف والعرفان والوعظ وبعبارات رشيقة عميقة تليق ان نقف عند كل كلمة منها ساعات وما لا يدرك كله لا يترك كله فنمر عليها من دون تعليق الا بمقدار الضرورة، وقد انشد عليه السلام هذه العبارات مناجياً ربه:

في هذا المقطع من كلامه يذكر صفات الله التي هي مظهر اللطف والتفضل منه تعالى فقال: "اللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَرْغَبُ فِى الْجَزَاءِ، وَيَا مَنْ لا يَنْدَمُ عَلَى الْعَطَاءِ، وَيَا مَنْ لا يُكَافِئُ عَبْدَهُ عَلَى السَّوَاءِ".

ثم ذكر تعامله اللطيفة مع عباده فقال: "مِنَّتُكَ ابْتِدَاءٌ، وَعَفْوُكَ تَفَضُّلٌ، وَعُقُوبَتُكَ عَدْلٌ، وَقَضَاؤُكَ خِيَرَةٌ. إِنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ عَطَاءَكَ بِمَنٍّ، وَإِنْ مَنَعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّياً. تَشْكُرُ مَنْ شَكَرَكَ وَأَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ، وَتُكَافِئُ مَنْ حَمِدَكَ وَأَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْدَكَ. تَسْتُرُ عَلَى مَنْ لَوْ شِئْتَ فَضَحْتَهُ، وَتَجُودُ عَلَى مَنْ لَوْ شِئْتَ مَنَعْتَهُ، وَكِلاهُمَا أَهْلٌ مِنْكَ لِلْفَضِيحَةِ وَالْمَنْعِ، غَيْرَ أَنَّكَ بَنَيْتَ أَفْعَالَكَ عَلَى التَّفَضُّلِ، وَأَجْرَيْتَ قُدْرَتَكَ عَلَى التَّجَاوُزِ، وَتَلَقَّيْتَ مَنْ عَصَاكَ بِالْحِلْمِ، وَأَمْهَلْتَ مَنْ قَصَدَ لِنَفْسِهِ بِالظُّلْمِ".

ثم يبين صبر الله على عباده وحرصه على مصلحتهم فقال: "تَسْتَنْظِرُهُمْ بِأَنَاتِكَ إِلَى الْإِنَابَةِ، وَتَتْرُكُ مُعَاجَلَتَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ لِكَيْلا يَهْلِكَ عَلَيْكَ هَالِكُهُمْ، وَلا يَشْقَى بِنِعْمَتِكَ شَقِيُّهُمْ إِلا عَنْ طُولِ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِ، وَبَعْدَ تَرَادُفِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، كَرَما مِنْ عَفْوِكَ يَا كَرِيمُ، وَعَائِدَةً مِنْ عَطْفِكَ يَا حَلِيمُ".

ثم بيّن عليه السلام سعة أبواب رحمة الله لعباده وقال: "أَنْتَ الَّذِى فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَابا إِلَى عَفْوِكَ، وَسَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، وَجَعَلْتَ عَلَى ذَلِكَ الْبَابِ دَلِيلا مِنْ وَحْيِكَ لِئَلا يَضِلُّوا عَنْهُ، فَقُلْتَ - تَبَارَكَ اسْمُكَ -: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ. يَوْمَ لا يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[1] فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ؟[2]

ثم بين تجارة الله الرابحة لعباده واستند فيها بآيات من القران: فقال: "وَأَنْتَ الَّذِى زِدْتَ فِى السَّوْمِ عَلَى نَفْسِكَ لِعِبَادِكَ، تُرِيدُ رِبْحَهُمْ فِى مُتَاجَرَتِهِمْ لَكَ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ، وَالزِّيَادَةِ مِنْكَ، فَقُلْتَ - تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَيْتَ -: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا﴾[3]

وَقُلْتَ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[4] ، وَقُلْتَ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضا حَسَنا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافا كَثِيرَةً﴾[5] وَمَا أَنْزَلْتَ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ فِى الْقُرْآنِ مِنْ تَضَاعِيفِ الْحَسَنَاتِ".

وَأَنْتَ الَّذِى دَلَلْتَهُمْ بِقَوْلِكَ مِنْ غَيْبِكَ وَتَرْغِيبِكَ الَّذِى فِيهِ حَظُّهُمْ عَلَى مَا لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصَارُهُمْ، وَلَمْ تَعِهِ أَسْمَاعُهُمْ، وَلَمْ تَلْحَقْهُ أَوْهَامُهُمْ، فَقُلْتَ: ﴿اذكروني أَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوا لِى وَلا تَكْفُرُونِ﴾، وَقُلْتَ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ﴾.

وَقُلْتَ: ﴿ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَتَرْكَهُ اسْتِكْبَارا، وَتَوَعَّدْتَ عَلَى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ". فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ، وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ، وَدَعَوْكَ بِأَمْرِكَ، وَتَصَدَّقُوا لَكَ طَلَبا لِمَزِيدِكَ، وَفِيهَا كَانَتْ نَجَاتُهُمْ مِنْ غَضَبِكَ، وَفَوْزُهُمْ بِرِضَاكَ. وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقا مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِى دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبَادَكَ مِنْكَ كَانَ مَوْصُوفا بِالْإِحْسَانِ، وَمَنْعُوتا بِالامْتِنَانِ، وَمَحْمُودا بِكُلِّ لِسَانٍ.

فَلَكَ الْحَمْدُ مَا وُجِدَ فِى حَمْدِكَ مَذْهَبٌ، وَمَا بَقِىَ لِلْحَمْدِ لَفْظٌ تُحْمَدُ بِهِ، وَمَعْنًى يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ.

يَا مَنْ تَحَمَّدَ إِلَى عِبَادِهِ بِالْإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ، وَغَمَرَهُمْ بِالْمَنِّ وَالطَّوْلِ، مَا أَفْشَى فِينَا نِعْمَتَكَ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَّتَكَ، وَأَخَصَّنَا بِبِرِّكَ،

ثم أشار الى بعض مواهب الله المعنوية لعباده: فقال: "هَدَيْتَنَا لِدِينِكَ الَّذِى اصْطَفَيْتَ، وَمِلَّتِكَ الَّتِى ارْتَضَيْتَ، وَسَبِيلِكَ الَّذِى سَهَّلْتَ، وَبَصَّرْتَنَا الزُّلْفَةَ لَدَيْكَ، وَالْوُصُولَ إِلَى كَرَامَتِكَ".

ثم دخل في الأجواء الرمضانية وبركاتها فقال: "اللَّهُمَّ وَأَنْتَ جَعَلْتَ مِنْ صَفَايَا تِلْكَ الْوَظَائِفِ، وَخَصَائِصِ تِلْكَ الْفُرُوضِ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِى اخْتَصَصْتَهُ مِنْ سَائِرِ الشُّهُورِ، وَتَخَيَّرْتَهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، وَآثَرْتَهُ عَلَى كُلِّ أَوْقَاتِ السَّنَةِ بِمَا أَنْزَلْتَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالنُّورِ، وَضَاعَفْتَ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَفَرَضْتَ فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ، وَرَغَّبْتَ فِيهِ مِنَ الْقِيَامِ، وَ أَجْلَلْتَ فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ".

ثم أشار الى ايثار المسلمين بهذه المزية فقال: "ثُمَّ آثَرْتَنَا بِهِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَاصْطَفَيْتَنَا بِفَضْلِهِ دُونَ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَصُمْنَا بِأَمْرِكَ نَهَارَهُ، وَقُمْنَا بِعَوْنِكَ لَيْلَهُ، مُتَعَرِّضِينَ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ لِمَا عَرَّضْتَنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَتَسَبَّبْنَا إِلَيْهِ مِنْ مَثُوبَتِكَ، وَأَنْتَ الْمَلِىءُ بِمَا رُغِبَ فِيهِ إِلَيْكَ، الْجَوَادُ بِمَا سُئِلْتَ مِنْ فَضْلِكَ، الْقَرِيبُ إِلَى مَنْ حَاوَلَ قُرْبَكَ".

ثم بدء عليه السلام يمدح الشهر مباشرة فقال: "وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هَذَا الشَّهْرُ مُقَامَ حَمْدٍ، وَصَحِبَنَا صُحْبَةَ مَبْرُورٍ، وَأَرْبَحَنَا أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ، وَانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ، وَوَفَاءِ عَدَدِهِ".

ثم دخل في توديع الشهر ويغازله فقال: فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا، وَغَمَّنَا وَأَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا، وَلَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ:

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ، وَيَا عِيدَ أَوْلِيَائِهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَكْرَمَ مَصْحُوبٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَيَا خَيْرَ شَهْرٍ فِى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ قَرُبَتْ فِيهِ الاْمَالُ، وَنُشِرَتْ فِيهِ الْأَعْمَالُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُودا، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُودا، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ أَلِيفٍ آنَسَ مُقْبِلا فَسَرَّ، وَأَوْحَشَ مُنْقَضِيا فَمَضَّ

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ مُجَاوِرٍ رَقَّتْ فِيهِ الْقُلُوبُ، وَقَلَّتْ فِيهِ الذُّنُوبُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ نَاصِرٍ أَعَانَ عَلَى الشَّيْطَانِ، وَصَاحِبٍ سَهَّلَ سُبُلَ الْإِحْسَانِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مَا أَكْثَرَ عُتَقَاءَ اللَّهِ فِيكَ، وَمَا أَسْعَدَ مَنْ رَعَى حُرْمَتَكَ بِكَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنُوبِ، وَأَسْتَرَكَ لِأَنْوَاعِ الْعُيُوبِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَطْوَلَكَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ، وَأَهْيَبَكَ فِى صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ لا تُنَافِسُهُ الْأَيَّامُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ.

السَّلامُ عَلَيْكَ غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصَاحَبَةِ، وَلا ذَمِيمِ الْمُلابَسَةِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ، وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئَاتِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ بَرَما وَلا مَتْرُوكٍ صِيَامُهُ سَأَما.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلُوبٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَمَحْزُونٍ عَلَيْهِ قَبْلَ فَوْتِهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوءٍ صُرِفَ بِكَ عَنَّا، وَكَمْ مِنْ خَيْرٍ أُفِيضَ بِكَ عَلَيْنَا.

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَحْرَصَنَا بِالْأَمْسِ عَلَيْكَ، وَأَشَدَّ شَوْقَنَا غَدا إِلَيْكَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى فَضْلِكَ الَّذِى حُرِمْنَاهُ، وَعَلَى مَاضٍ مِنْ بَرَكَاتِكَ سُلِبْنَاهُ.

اللَّهُمَّ إِنَّا أَهْلُ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِى شَرَّفْتَنَا بِهِ، وَوَفَّقْتَنَا بِمَنِّكَ لَهُ حِينَ جَهِلَ الْأَشْقِيَاءُ وَقْتَهُ، وَحُرِمُوا لِشَقَائِهِمْ فَضْلَهُ. أَنْتَ وَلِيُّ مَا آثَرْتَنَا بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَهَدَيْتَنَا لَهُ مِنْ سُنَّتِهِ، وَقَدْ تَوَلَّيْنَا بِتَوْفِيقِكَ صِيَامَهُ وَقِيَامَهُ عَلَى تَقْصِيرٍ، وَأَدَّيْنَا فِيهِ قَلِيلا مِنْ كَثِيرٍ.

هنا الامام عليه السلام اعتذر عند الله من التقصير فقال: "اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ إِقْرَارا بِالْإِسَاءَةِ، وَاعْتِرَافا بِالْإِضَاعَةِ، وَلَكَ مِنْ قُلُوبِنَا عَقْدُ النَّدَمِ، وَمِنْ أَلْسِنَتِنَا صِدْقُ الاعْتِذَارِ، فَأْجُرْنَا عَلَى مَا أَصَابَنَا فِيهِ مِنَ التَّفْرِيطِ أَجْرا نَسْتَدْرِكُ بِهِ الْفَضْلَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ، وَنَعْتَاضُ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الذُّخْرِ الْمَحْرُوصِ عَلَيْهِ. وَأَوْجِبْ لَنَا عُذْرَكَ عَلَى مَا قَصَّرْنَا فِيهِ مِنْ حَقِّكَ،

ثم يدعوا لدرك رمضان جديد فقال:

"وَابْلُغْ بِأَعْمَارِنَا مَا بَيْنَ أَيْدِينَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُقْبِلِ، فَإِذَا بَلَّغْتَنَاهُ فَأَعِنِّا عَلَى تَنَاوُلِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَ َدِّنَا إِلَى الْقِيَامِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَأَجْرِ لَنَا مِنْ صَالِحِ الْعَمَلِ مَا يَكُونُ دَرَكا لِحَقِّكَ فِى الشَّهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ الدَّهْر"ِ.

ثم يعتذر من صغار ما صدر من الآثام وما إذا ترتب عليه حق للغير ويطلب من الله توفيق جبرانها فقال:

"اللَّهُمَّ وَمَا أَلْمَمْنَا بِهِ فِى شَهْرِنَا هَذَا مِنْ لَمَمٍ أَوْ إِثْمٍ، أَوْ وَاقَعْنَا فِيهِ مِنْ ذَنْبٍ، وَاكْتَسَبْنَا فِيهِ مِنْ خَطِيئَةٍ عَلَى تَعَمُّدٍ مِنَّا، أَوْ عَلَى نِسْيَانٍ ظَلَمْنَا فِيهِ أَنْفُسَنَا، أَوِ انْتَهَكْنَا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنَا، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ، وَ اعْفُ عَنَّا بِعَفْوِكَ، وَ لا تَنْصِبْنَا فِيهِ لِأَعْيُنِ الشَّامِتِينَ، وَ لا تَبْسُطْ عَلَيْنَا فِيهِ أَلْسُنَ الطَّاعِنِينَ، وَ اسْتَعْمِلْنَا بِمَا يَكُونُ حِطَّةً وَ كَفَّارَةً لِمَا أَنْكَرْتَ مِنَّا فِيهِ بِرَأْفَتِكَ الَّتِى لا تَنْفَدُ، وَ فَضْلِكَ الَّذِى لا يَنْقُصُ".

في هذا المقطع من كلامه عليه السلام يدعو بادعية تناسب وداع هذا الشهر الفضيل فقال:

"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتَنَا بِشَهْرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِى يَوْمِ عِيدِنَا وَفِطْرِنَا، وَاجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْنَا أَجْلَبِهِ لِعَفْوٍ، وَأَمْحَاهُ لِذَنْبٍ، وَاغْفِرْ لَنَا مَا خَفِىَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَنَ.[6] ، اللَّهُمَّ اسْلَخْنَا بِانْسِلاخِ هَذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا، وَأَخْرِجْنَا بِخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئَاتِنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ، وَأَجْزَلِهِمْ قِسْما فِيهِ، وَأَوْفَرِهِمْ حَظّا مِنْهُ. اللَّهُمَّ وَمَنْ رَعَى هَذَا الشَّهْرَ حَقَّ رِعَايَتِهِ، وَحَفِظَ حُرْمَتَهُ حَقَّ حِفْظِهَا، وَقَامَ بِحُدُودِهِ حَقَّ قِيَامِهَا، وَاتَّقَى ذُنُوبَهُ حَقَّ تُقَاتِهَا، أَوْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ بِقُرْبَةٍ أَوْجَبَتْ رِضَاكَ لَهُ، وَعَطَفَتْ رَحْمَتَكَ عَلَيْهِ، فَهَبْ لَنَا مِثْلَهُ مِنْ وُجْدِكَ، وَأَعْطِنَا أَضْعَافَهُ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّ فَضْلَكَ لا يَغِيضُ، وَإِنَّ خَزَائِنَكَ لا تَنْقُصُ بَلْ تَفِيضُ، وَإِنَّ مَعَادِنَ إِحْسَانِكَ لا تَفْنَى، وَإِنَّ عَطَاءَكَ لَلْعَطَاءُ الْمُهَنَّا.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَاكْتُبْ لَنَا مِثْلَ أُجُورِ مَنْ صَامَهُ، أَوْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.، اللَّهُمَّ إِنَّا نَتُوبُ إِلَيْكَ فِى يَوْمِ فِطْرِنَا الَّذِى جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِيدا وَسُرُورا، وَلِأَهْلِ مِلَّتِكَ مَجْمَعا وَ مُحْتَشَدا مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ، أَوْ سُوءٍ أَسْلَفْنَاهُ، أَوْ خَاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْنَاهُ، تَوْبَةَ مَنْ لا يَنْطَوِى عَلَى رُجُوعٍ إِلَى ذَنْبٍ، وَلا يَعُودُ بَعْدَهَا فِى خَطِيئَةٍ، تَوْبَةً نَصُوحا خَلَصَتْ مِنَ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ، فَتَقَبَّلْهَا مِنَّا، وَارْضَ عَنَّا، وَثَبِّتْنَا عَلَيْهَا.، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ حَتَّى نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ، وَكَأْبَةَ مَا نَسْتَجِيرُكَ مِنْهُ.، وَاجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ التَّوَّابِينَ الَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ، وَ قَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ، يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ.، اللَّهُمَّ تَجَاوَزْ عَنْ آبَائِنَا وَ أُمَّهَاتِنَا وَ أَهْلِ دِينِنَا جَمِيعا مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ وَ مَنْ غَبَرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا وَ آلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَ صَلِّ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى أَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ، وَ صَلِّ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، صَلاةً تَبْلُغُنَا بَرَكَتُهَا، وَ يَنَالُنَا نَفْعُهَا، وَ يُسْتَجَابُ لَهَا دُعَاؤُنَا، إِنَّكَ أَكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ، وَ أَكْفَى مَنْ تُوُكِّلَ عَلَيْهِ، وَ أَعْطَى مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ، وَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"،

نكتفي بهذا المقدار ولو ان هذه الخطبة الثمينة حريٌّ لصرف زمان طويل لاستيعاب معارفها ودرك معانيها وتلقي رسائلها ومواعظها ولكن الوقت قصير لا يسع لأكثر من ذلك فنرجو من الله ان يوفقنا للتأمّل في هذه الكلمات واستلهام هذه المعاني بعقولنا وقلوبنا بفضل الله الكريم. ونحن نتابع بحثنا في الآيات المصدرة بيا أيها الذين أمنوا في كل أربعاء من أيام الدراسي ان شاء الله

تقبل الله صيام الجميع وقيامهم في هذا الشهر في هذا الشهر الفضيل وبارك الله في عيد فطرنا المبارك واعاده الله بسلامة وتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo