< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 21 من سورة النور

قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى‌ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[1]

لا يخفى انه قد ورد في القرآن اربع مرات قوله تعالى: ﴿لا تتبعوا خطوات الشيطان﴾: في موضوعات مختلفة منها قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [2]

قال في الميزان: (أن المراد من اتباع خطوات الشيطان ليس اتباعه في جميع ما يدعو إليه من الباطل بل اتباعه فيما يدعو إليه من أمر الدين بأن يزين شيئا من طرق الباطل بزينة الحق ويسمي ما ليس من الدين باسم الدين فيأخذ به الإنسان من غير علم، وعلامة ذلك عدم ذكر الله ورسوله إياه في ضمن التعاليم الدينية. وخصوصيات سياق الكلام وقيوده تدل على ذلك أيضا: فإن الخطوات إنما تكون في طريق مسلوك، وإذا كان سالكه هو المؤمن، وطريقه إنما هو طريق الإيمان فهو طريق شيطاني في الإيمان، وإذا كان الواجب على المؤمن هو الدخول في السلم‌ فالطريق الذي يسلكه من غير سلم من خطوات الشيطان، واتباعه اتباع خطوات الشيطان).[3]

منها: قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾[4] ،

وقوله تعالى: ﴿كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[5] ،

في هاذين الموردين في مورد الأكل في الأولى منهما قال في المجمع: (عن ابن عباس إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج لما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة فنهاهم الله عن ذلك). [6]

والآية المبحوث عنها هنا وهي قوله تعالى: «﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى‌ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [7]

هذه الآية وردت بعد الآيات التي تتحدث عن قصة افك المعروفة وقد فسروا الافك بالكذب العظيم الذي قلّب فيه الأمر عن وجهه.

وآيات الافك تبدء من الآية رقم 11من سورة النور الى رقم20منها، فتتحدث عن الافك والذي كبّره، ويعاتب هؤلاء الذين لم ينكره بل نشروه و يحذّر هؤلاء الذين يحبّون ان تشيع الفاحشة ثم يأتي الى هذه الآية المبحوث عنها ثم بعدها يدخل في منع هؤلاء الذين تركوا إعطاء المساعدة لمن شارك في نشر الافك ثم يهدّد هؤلاء الذين يتهمون المؤمنات بالفحشاء بعذاب عظيم.

ولذا ورد في شأن نزول الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى‌ وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[8] في المجمع: (قيل: نزلت في أبي بكر ومسطح بن أثاثة وكان ابن خالة أبي بكر وكان من المهاجرين ومن جملة البدريين وكان فقيرا وكان أبو بكر يجري عليه ويقوم بنفقته فلما خاض في الإفك قطعها وحلف أن لا ينفعه بنفع أبدا فلما نزلت الآية عاد أبو بكر إلى ما كان وقال: والله إني لأحب أن يغفر الله لي والله لا أنزعها عنه أبدا عن ابن عباس وعائشة وابن زيد، وقيل نزلت في يتيم كان في حجر أبي بكر حلف لا ينفق عليه عن الحسن ومجاهد، وقيل نزلت في جماعة من الصحابة أقسموا على أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشي‌ء من الإفك ولا يواسوهم عن ابن عباس وغيره).[9]

ثم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [10] فهذه الآية تتحدث عن كبرى اتهام المحصنات وتهدد المرتكب لها باللعن والعذاب.

فندرس من مجموع هذه القضية انه لا يجوز تهمة الزنا من دون دليل بل لا ينبغي افشاء ما تحقق من الزنا، فما هو متعارف في ثقافة كثير من الناس باتهام أي فرد فاسق او مرتكب لجريمة فيقولون فيه هو ولد الحرام او ولد الزنا، من المحرمات الكبيرة، فليس كل خبيث ولد الزنا فأبي لهب كان من اخبث الناس وهو آله. وهو كان ولد حلال بلا شك لانّه ابن عبد المطلب سلام الله عليه جد النبي وعم رسول الله، من ناحية أخرى ليس ولد الزنا مقهورا على الفسق ولو كان مقهورا فلم يكن اثم عليه، بل الدوافع الشر فيه أكثر من سائر الناس، وقد يصبح انساناً متديناً محترماً.

فان الامام الصادق عليه السلام لما سمع أحد أصحابه غضب على عبده وقال له: "يا ابن الفاعلة" عاتبه على هذا المقال فاعتذر الصحابي بان امّه كانت يهودية، فقال له الامام عليه السلام: "اما علمت ان لكل قوم نكاحاً"؟

ثم يستفاد من قوله تعالى: ﴿خطوات الشيطان﴾ تدريجية إغراءات الشيطان الخطوة الأولى: يشع المؤمن بالتردد على بعض الفساق.

الخطوة الثّانية: الحضور في مجالسهم.

الخطوة الثّالثة: التفكير بارتكاب بعض الذنوب التي يستصغرونها.

الخطوة الرّابعة: الاستهانة ببعض الذنوب.

الخطوة الخامسة: ارتكاب الذنوب الصغيرة. وهكذا يتدرج في الخوض الى الانحراف والإجتراء على المعاصي حتى تسهّل له الكبائر من الذنوب واحياناً انكار حرمة المحرمات الى انكار المعاد نستجير بالله تعالى من اغراءات شياطين الجن والانس والنفس الامارة بالسوء.

كما انه يمكن ان نستفيد من عنوان الخطوات تنوع حبال الشيطان فكل انسان له مواضع الضعف و الشيطان يتسرب الى قلبه من تلك النقاط فبعض الناس يزل قدمه في المسائل الاقتصادية وبعضهم مزلة قدمه مسألة الجنس و بعضهم العناوين الاجتماعية وبعضهم الحسد وبعضهم اللجاج، وبعضهم من خلال العجب بالعمل الخيري والعبادة حتى ترى بعض الناس يتقيدون بكثير من النوافل والمستحبات او الانفاق في سبيل الله والزهد في الدنيا فينظر الى سائر الناس بعين الاحتقار ويراهم اشقياء بينما ان ما يعيش هو في حياته خير وفضيلة ولكن ليس واجبا على الجميع ان يعيش مثله فمن استفاد بمال الحلال للرفاه على نفسه وأهله لم يرتكب محرماً او من يأتي بالصلوات الواجبة وليس موفقا للنوافل فلا عتب عليه وانما يخسر تلك الفضائل فلا ينبغي للموفق الى العبادة بإتيان المستحبات او الانفاق من ماله الخاص للأمور الخيرية ان يعجب بنفسه و يستحقر الآخرين. وهكذا للبحث عن خطوات الشيطان الخفية والمتنوعة مجال واسع نكتفي بهذا المقدار.

كما ان قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ فلعله يشمل جميع المنكرات والقبائح الجلية والخفية

‌ ثم قوله تعالى: ﴿وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى‌ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[11] فضله ورحمته أيضا يشمل اعطائا العقل والمحفزات لأتيان الصالحات وترك السيئات مضافا الى ارسال الرسل وانزال الكتب والائمة الهداة و انذار الحوادث و المنبهات الكثيرة في حيات الانسان في هذه الدنيا اضف الى كل ذلك الطافه الخفية التي لو لم تكن لكنا ساقطين فهذه الأمور وغيرها تتطلب منا التفكير والتأمل فيها كي نهتدي الى الصلاح ونبتعد عن الفساد. وفقنا الله الى كل خير ويقينا عن كل شر بفضله منّه انه حميد مجيد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo