< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 77-78 من سورة الحج

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[1] ﴿وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى‌ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [2]

في الليلة الماضية ما أشبعنا البحث في المقطع الأخير من الآية الثانية حيث يقول تعالى:

﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى‌ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾

ورد في القران هذا المعنى في سورة البقرة ايضاً وهو قول الله تعالى: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾

قال في الأمثل ما ملخصه: (هذه الآية تشير إلى جانب من أسباب تغيير القبلة، تقول أوّلا: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ أي كما جعلنا القبلة وسطاً، كذلك جعلناكم أمّة في حالة اعتدال، لا يشوبها إفراط ولا تفريط في كل جوانب حياتها.... القرآن يؤكد أن المنهج الإسلامي في كل أبعاده- لا في بعد القبلة فقط- يقوم على أساس التوازن والاعتدال. والهدف من ذلك[3] ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.

ثم قال: («شهادة» الأمّة المسلمة على النّاس، و «شهادة» النّبي على المسلمين، قد تكون إشارة إلى الأسوة والقدوة، لأن الشاهد ينتخب من بين أزكى النّاس وأمثلهم. فيكون معنى هذا التعبير القرآني أن الأمّة المسلمة نموذجيّة بما عندها من عقيدة ومنهج، كما أن النّبي صلّى اللّه عليه واله وسلّم فرد نموذجيّ بين أبناء الامّة. الامّة المسلمة بعملها وبتطبيقها المنهج الإسلامي تشهد أن الإنسان بمقدوره أن يكون رجل دين ورجل دنيا الى آخره).[4]

اما في الآية المبحوث عنها وهي قوله: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ﴾

قال: (و«الشهيد» هو الشاهد، وهي كلمة مشتقّة من شهود، بمعنى اطلاع المرء على‌ أمر أو حدث شهده بنفسه. وكون الرّسول صلى اللّه عليه وآله شاهداً على جميع المسلمين يعني اطلاعه على أعمال أمّته، وينسجم هذا المفهوم مع حديث (عرض الأعمال) وبعض الآيات القرآنية التي أشارت إلى ذلك، حيث تعرض أعمال أمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم عليه في نهاية كل أسبوع فتطلع روحه الطاهرة عليها جميعا، فهو شاهد على أمّته. وذكرت بعض الأحاديث أنّ معصومي هذه الامّة الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام هم أيضا شهود على أعمال الناس، نقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام قوله: «نحن حجج اللّه في خلقه ونحن شهداء اللّه وأعلامه في بريته»[5] .

في الحقيقة إنّ المخاطب في عبارة «لتكونوا» وحسب ظاهر الكلمة هو الامّة جميعا، وقد يكون المراد قادة هذه الامّة، فمخاطبة الكلّ وإرادة الجزء أمر متعارف في المحادثة اليومية. ومثال ذلك ما جاء في الآية (20) من سورة المائدة ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً﴾. حيث نعلم أنّ عددا قليلا منهم أصبحوا ملوكا). أقول ان هذا المعنى هو الأقرب ولا تدخله مناقشة ولكن كان مؤلفوا الأمثل ما كانوا مقتنعين به فطرحوا امرا اخر في المراد من الآية وهو ما اوردوه في الأمثل بقولهم:

(وهناك معنى آخر لكلمة شهود، هي «الشهادة العمليّة» أي كون أعمال الفرد أنموذجا للآخرين وقدوة لهم، وهكذا يكون جميع المسلمين الحقيقيين شهودا، لأنّهم أمّة تقتدي بهم الأمم بما لديهم من دين يمكنهم أن يكونوا مقياسا للسمو والفضل بين جميع الأمم.

وجاء في حديث عن الرّسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إذا بعث اللّه نبيّا جعله شهيدا على قومه، وإنّ اللّه تبارك وتعالى جعل أمّتي شهداء على الخلق، حيث يقول: ليكون الرّسول شهيدا عليكم، وتكونوا شهداء على الناس»[6] .

أي كما يكون النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قدوة وأسوة حسنة لامّته، تكونون أنتم أيضا أسوة وقدوة للناس، وهذا التّفسير لا يناقض الحديث السابق فجميع الامّة شهداء، والأئمّة الطاهرين شهود ممتازون على هذه الامّة)

أقول ان الاشكال على هذا الرأي عدم صدق الشهادة على معنى القدوة فان القدوة مشهود للناس لا شاهدا نعم كون المسلمين قدوة للناس امر مرغوب فيه واحيانا في بعض الأزمنة تحققت ولو في اكثر الأوقات لم يكونوا قدوة بل العكس صحيح ففي هذا القرن قبل الثورة الإسلامية كان اكثر المسلمين قبلتهم الغرب والكفار وكانوا يفتخرون باقتدائهم بالغربيين ولازال بعض المسلمين مقهورون لثقافة الغرب، وعلى فرض اقتداء سائر الشعوب بالمسلمين لا يصدق على المسلمين هم الشهود على سائر الأمم؟ فلا وجه لهذا المحمل في الآية واحسن المحامل ان النبي هو شاهد على اعمال امته وان في امته شهداء وصالحون هم كذلك شهود على أفعال الاخرين في القيامة وينسب في العرف فعلا فعله بعضهم الى الكل، كما يقال ان الشعب الفلاني انتصروا في كرة القدم على بلد كذا بينما كان الانتصار بين عدد قليل منهم على عدد قليل من شعب الآخر او قول الله الى بني إسرائيل وجعلكم ملوكاً بينما عدد الملوك كان جزء قليل منهم او ينسب اليهم قتل الأنبياء بينما القتلة لم يكونوا في عصر الرسالة بل قد تحقق القتل قبل قرون من الزمن و بيد قليل من بني إسرائيل ولكن هذا الاطلاق امر متعارف في المحاورات.

ثم ان اللام في ﴿ليكون الرّسول﴾ للغاية أي افعلوا هذه الصالحات ليكون الرسول ...وتكونوا شهداء أي تصبحوا من هؤلاء الخواص الذين يجعلهم الله شهداء على الناس.

وفي ختام الآية يؤكد الله مرة ثانية على فعل الصالحات بقوله: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى‌ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ يؤكد على العبادة والبذل والاعتصام بالله الذي هو ولي امورهم وناصرهم في مقام العمل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo