< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي /الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية123من سورة التوبة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[1]

هذه الآية المباركة تشتمل على ثلاث أمور في مسألة الجهاد أولاً: يأمر المؤمنين بقتال من يليهم من الكفار. ثانيا: لابد ان يكون القتال بكيفية يشعر العدو غلظة المسلمين فيه، وثالثا: رعاية التقوى في القتال.

هذه الآية وردت في سياق احكام الجهاد التي ذكرت قبلها في هذه السورة- وجّهت الخطاب إلى المؤمنين وقالت: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾.

واكثر المفسرين أخذوا عنوان من يلونكم بمعنى من هو أقرب اليكم من الكفار.

قال فی الامثل: (صحيح أنّه تجب محاربة الكفار جميعا، ولا فرق بينهم في ذلك، إلّا أنّه من الوجهة التكتيكية وطريقة القتال يجب البدء بالعدو الأقرب، لأنّ خطر العدوّ القريب أكبر)

ثم قايس القتال بالدعوة وقال: (كما أنّ الدعوة للإسلام وهداية الناس إلى دين الحق يجب أن تبدأ من الأقرب، والنّبي صلى اللّه عليه وآله قد بدأ بأمر اللّه سبحانه بدعوة أقاربه وعشيرته، ثمّ دعا أهل مكّة، ثمّ جزيرة العرب وقام بإرسال الرسل إليها، وبعدها كتب الرسائل إلى ملوك العالم، ولا شكّ أن هذا الأسلوب هو الأقرب للنجاح والوصول إلى الهدف.([2]

ثم ان بعض المفسرين الذي قال بوجوب قتال الكفار مطلقاً جعل هذه الآية مسوقة لبيان نوبة القتال وقال: (من الطبيعي أن لكل قانون استثناء، فقد يكون العدو الأبعد في بعض الأحيان أشدّ خطراً من العدو القريب، وعندها تجب المبادرة إلى دفعه أوّلا، لكن، كما قلنا، فإن هذا استثناء لا قانون ثابت و دائم. وأمّا ما قلناه من أنّ المبادرة إلى مجابهة العدو الأقرب هي الأهم و الأوجب. فإنّ أسبابه واضحة، و ذلك:

أوّلا: إنّ خطر العدو القريب أكبر وأشد من العدو البعيد.

ثانيا: إنّ اطلاعنا وعلمنا بالعدو القريب أكثر، وهذا من العوامل المساعدة و المقربة للنصر.

ثالثا: إنّ التوجه لمحاربة العدو البعيد لا يخلو من خطورة اضافية، فالعدو القريب قد يستغل الفرصة و يحمل على الجيش من الخلف، أو يستغل خلو المقر الأصلي للإسلام فيهجم عليه.

رابعا: إنّ الوسائل اللازمة و نفقات محاربة العدوّ القريب أقل وأبسط، والتسلط على ساحة الحرب في ظل ذلك أسهل، لهذه الأسباب وأسباب أخرى، فإنّ دفع العدو الأقرب هو الأوجب والأهم.([3]

اقول: هذه المطالب متوقف على قبول وجوب قتل الكفار بما هم كفار، ولكن ان قلنا انما يجب قتال المحارب، ولا يجوز قتال المسالم من غير المسلمين فيختلف الكلام، نعم اذا كان من الكفار محاربين قريباً ومحاربين بعيداً، فالأقرب هو الأولى بقتاله للمصالح الذي ذكروها لتقديم القريب على البعيد.

ثم ما قال فی الامثل: (والجدير بالذكر أنّ هذه الآية لما نزلت كان الإسلام قد استولى على كل جزيرة العرب تقريبا، وعلى هذا فإن أقرب عدو في ذلك اليوم ربّما كان أمبراطورية الروم الشرقية التي توجه المسلمون إلى تبوك لمحاربتها). [4]

ان هذاالكلام بعيد من الصحّة لأنّ كثير من قبائل العرب لم يسلموا ولكن تعاقدوا مع المسلمين بأن یعیشوا فی ظلّ الاسلام مسالماً فکون حدود امپراطوریة الروم الشرقیة اقرب الکفار الی المدینة لا يمكن الاعتراف به، بل ذهبوا لقتال الروم لأنّه وصل الاخبار الى رسول الله بأنّهم جهّزوا جيشاً بقوة أربعين الف مقاتل، مع عتاد نوعي كامل، ولذا إختاروهم لقتالهم لا لكونهم الأقرب.

هناك تطرّق في الأمثل من الجهاد المسلح الى الدعوة والتبليغ ونعم ما فعل و قال:

(وكذلك يجب أن لا ننسى أنّ هذه الآية بالرغم من أنّها تتحدث عن العمل المسلح والبعد المكاني، إلّا أنّه ليس من المستبعد أن روح الآية حاكمة في الأعمال المنطقية والفواصل المعنوية، أي إنّ المسلمين عند ما يعزمون على المجابهة المنطقية والإعلامية والتبليغية يجب أن يبدؤوا بمن يكون أقرب إلى المجتمع الإسلامي وأشدّ خطرا عليه، فمثلا في عصرنا الحاضر نرى أن خطر الإلحاد و المادية يهدّد كل المجتمعات، فيجب تقديم التصدّي لها على مواجهة المذاهب الباطلة الأخرى، و هذا لا يعني نسيان هؤلاء، بل يجب إعطاء الأهمية القصوى للهجوم نحو الفئة الأخطر، وهكذا في مواجهة الاستعمار الفكري و السياسي والاقتصادي التي تحوز الدرجة الأولى من الأهمية.([5]

والأمر الآخر فيما يتعلق بالجهاد في الآية، هوقوله تعالی: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ وهي تشير إلى أنّ الشجاعة والشهامة الداخلية والاستعداد النفسي لمقابلة العدو ومحاربته ليست كافية بمفردها، بل يجب اظهار الصلابة للعدو ليشعروا بالخوف ولا یستهینوا مواجهئ المسلمین، وهذا بنفسه سيؤدي إلى هزيمتهم وانهيار معنوياتهم. فإنّه مضافا الی القدرة و الایمان فی المجاهدین، ینبغی استعراض القوّة أمام العدو. ولذا ورد فی قصّة فتح مكّة أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله أمر المسلمين في الليل ان یتفرقوا فی الصحراء فی نقطة مشهودة للمشرکین فی المکة وأن يشعلوا نيراناً في الصحراء کی یری عدد الجبش أکثر من واقعه لیرعب المشرکین من أهل مكّة ویظهر عظمة جيش الإسلام، وقد أثر هذا العمل في معنوياتهم. وكذلك أمر أن يجعل أبو سفيان كبير مكّة في زاوية ويستعرض جيش الإسلام العظيم قواته أمامه.

وهکذا عند ما تم فتح مکة المکرمة طافوا المسلمون علی الکعبة راکباً لیری المشرکین الهیبة فیهم وبسالتهم کی لا یقاوموا فی مقام التسلیم والمفاوضة .

وفي الختام بشّرت الآية المسلمين بالنصر فی قوله تعالی: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ کما قد تکون الآیة بصدد أن يشير إلى أن استعمال الشدّة والخشونة يجب أن يقترن بالتقوى، ولا يتعدى الحدود الإنسانية في أي حال.

قال في الميزان: (والمراد بقوله: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ أي الشدة في ذات الله، وليس يعني بها الخشونة والفظاظة وسوء الخلق والقساوة والجفاء فجميع الأصول الدينية تذم ذلك‌ وتستقبحه، ولحن آيات الجهاد ينهى عن كل تعد واعتداء وجفاء).[6]

وبهذا نكتفي من البحث حول هذه الآية المباركة

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo