< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايهاالذين آمنوا /تفسير الآية 119 من سورة التوبة

قي الليلة الماضية لما انه كانت ليلة الحادية والعشرين وهي ليلة العزاء العظمى شهادة امير المؤمنين عليه السلام فتركنا المنبر لخطيبنا كي يشبع قراءة العزاء، ونحن معكم في هذه الليلة وهي ليلة الثانية والعشرين.

ونتابع بحثنا في الآيات المصدرة ب ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ في قوله تعالى:

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [1]

هذه الآية وردت في سورة التوبة بعد عدة آيات تحدث عن المؤمنين وضعاف الايمان والمنافقين وقد مررنا على بعضها بمناسبة الآية 38 من هذه السورة.

ثم يخاطب المؤمنين لمرة خامسة في هذه السورة ويدعوهم الى امرين: التقوى والكون مع الصادقين. اما الدعوة الى التقوى فواضحة وهي دعوة عامة خطاباً وموضوعاً فتشمل جميع المؤمنين بمعناه الواسع والى جميع الصالحات والاجتناب عن جميع القبائح والمحرمات بل قد تشمل المستحبات والمكروهات ايضاً.

والدعوة الثانية قوله تعالى: ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ فاختلف الآراء في المراد من الصادقين:

قال في المجمع: (الذين يصدُقون في أخبارهم ولا يكذبون ومعناه كونوا على مذهب من يستعمل الصدق في أقواله وأفعاله وصاحبوهم ورافقوهم، كقولك أنا مع فلان في هذه المسألة، أي أقتدي به فيها وقد وصف الله الصادقين في سورة البقرة بقوله: ﴿وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إلى قوله ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ فأمر سبحانه بالاقتداء بهؤلاء الصادقين المتقين)[2]

لابأس بأن نلقي نظرة الى كل الآية المباركة وهي قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [3]

فهذه الآية المباركة فسّر لنا الصادقين والمتقين، في: مجال العقيدة و المواساة المذكورات الستة في المال وهي ما ينفق المؤمن من ماله الخاص دون الزكاة فهي ذكرت مع الصلاة في الآية و في مجال العبادة والأخلاق والجهاد في سبيل الله فنِعْم التطبيق لمفهوم التقوى والصادقين.

ثم قال: (وقيل المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله في كتابه وهو قوله: ﴿رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‌ نَحْبَهُ﴾ يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ يعني علي بن أبي طالب عليه السلام) وهو ذكر اظهر المصاديق وأحسنها.

ثم قال: (وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: ﴿كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ مع علي وأصحابه وروى جابر عن أبي جعفر (ع) في قوله: ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ قال: "مع آل محمد ص‌" وقيل مع النبيين والصديقين في الجنة بالعمل الصالح في الدنيا" عن الضحاك. وقيل: "مع محمد ص وأصحابه" عن نافع. وقيل: "مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله ص ولم يتخلفوا عنه" عن ابن عباس

وقيل إن معنى "مع" هنا معنى "من" فكأنه أمر بالكون من جملة الصادقين ويعضده قراءة من قرأ من الصادقين، والمعنيان متقاربان هنا لأن "مع" للمصاحبة و"من" للتبعيض فإذا كان من جملتهم فهو معهم وبعضهم، وقال ابن مسعود لا يصلح من الكذب جد ولا هزل، ولا أن يَعِدَ أحدكم صبية ثم لا ينجز له، اقرءوا إن شئتم هذه الآية هل ترون في الكذب رخصة؟).[4]

كل هذه الوجوه تعود الى ذكر المصاديق:

واما المعية في قوله: ﴿كونوا مع الصادقين﴾ فتختلف معناه حسب متعلقها، فقد تكون في المكان وقد تكون في الزمان وقد تكون في العقيدة وقد تكون في الخط السياسي، وتصدق المعية حتى اذا كان التوافق في مسألة واحدة او موضوع معين، دون غيرها، فمعه في موضوع و ليس معه في مواضيع أخرى، مثلاً: نحن مع السنّة في كثير من مفردات العقيدة والاحكام ونخالفهم في بعض الآخر كما ان مذاهب السنة فيما بينهم في كثير من الأمور مع بعضهم البعض وفي كثير منها يختلفون.

ولكن المعيّة في هذه الآية لا تشمل المكان ولا الزمان فان المعية فيهما غير ميسور الا لعدد قليل، فالمراد المعية في خط العقيدة والعمل وبما ان الامر ورد بقول مطلق ولم يذكر متعلق فيه، فيفيد الامر بالمعية في كل شيء ميسور لان الامر لا يتعلق بالمحالات ولا بالمتعسرات.

وهنا لابد ان نشير الى نقطة وهي ان عنوان الصادقين يتحقق بمجرد ما كان الانسان مؤمنا ملتزما فيصدق عليه عنوان الصادق، فانه قد يكون انسان يصدق عليه الصادق بالحمل الشائع ولكن قد يصدر منه الخلاف في بعض اعماله، فلا يكفي مجرد تحقق العنوان لوجوب المتابعة المطلقة بل لابد ان نحمل الآية الشريفة الى هؤلاء الصادقين الذين لا يصدر منهم الا الصدق وهم المعصومون عليهم السلام، نعم نحن مع المؤمنين المتدينين ولكن لا مطلقا بل في مواضعهم الصادقة فالعنوان مشعر بالعلية.

قال في الأمثل: (بالرغم من أنّ مفهوم الصادقين-مفهوم واسع، إلّا أنّ المستفاد من الرّوايات الكثيرة أنّ المراد منه هم المعصومون خاصة).[5]

روى في تفسير البرهان عن سليم بن قيس الهلالي: (إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان له يوما كلام مع جمع من المسلمين، ومن جملة ما قال: «فأنشدكم اللّه أ تعلمون أن اللّه أنزل ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾. فقال سلمان: يا رسول اللّه أ عامّة هي أم خاصّة؟ قال صلى الله عليه واله: "أمّا المأمورون فالعامّة من المؤمنين أمروا بذلك، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة» قالوا: اللّهم نعم"[6] .

كما يروي نافع عن عبد اللّه بن عمر:"إنّ اللّه سبحانه أمر أوّلا المسلمين أن يخافوا اللّه ثمّ قال: كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ يعني مع محمّد وأهل بيته" [7] .

كان لي لقاء مع أحد العلماء في سورية، فجرى الكلام حول مرقد الصحابي الجليل عمار بن ياسر وصاحبيه: اويس القرني واُبيّ بن القيس رضوان الله عليهم في رقة، فقلت: ينبغي الاهتمام بهذا المكان الذي جرى فيه الحرب بين امير المؤمنين عليه السلام ومعاوية، لانّ فيها عبر ودروس للمسلين في هذا العصر، فقال: انا شهادتي في اختصاص التأريخ، لم تكن الحرب بين علي ومعاوية وانما كان الحرب على الروم، فقلت: هذا خلاف ضرورة التاريخ ولم يقل به أحد الى الآن. قال: اذا كان هناك تعارض بين قول القرآن وقول المؤرخين ايّهما تختارونه وتصدّقونه؟ قلت: القران هو كلام الله ولا يمكن التشكيك فيه، فقال: ان الله يقول: ﴿محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ والتأريخ يقول: "محمد رسول الله والذين معه رحماء على الكفار اشداء بينهم"، فقلت له المعية في هذه الآية ليست بمعنى التلازم في الزمان او المكان وانما أراد المعيّة في العقيدة والعمل وهذا صادق دائماً على طيلة التأريخ. وفي هذا العصر لابد من وحدة اتباع رسول الله والتراحم فيما بينهم وكوننا اشداء على أعداء المسلمين من المشركين والمستكبرين.

نعود الى مفهوم آيتنا المباركة

قال في تفسير البرهان: (ومن طريق المخالفين: ما رواه موفق بن أحمد بإسناده عن ابن عبّاس، في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾. قال: هو عليّ بن أبي طالب (رضي اللّه عنه) خاصّة. ومثله في كتاب (رموز الكنوز) لعبد الرزاق بن رزق اللّه بن خلف‌إن‌ موفق بن أحمد بإسناده عن ابن عباس، يروي في ذيل هذه الآية: هو علي بن أبي طالب. ثمّ يقول: أورد ذلك أيضا عبد الرزاق في كتاب رموز الكنوز).[8]

مضافا الى الروايات عند ما نراجع الى حكم العقل فهل يجوز لنا ان نتبع انسانا في جميع أفكاره واعماله اتباع الاعمى ولو كان صالحاً، قطعا العقل يرفض هذا الاتباع فإذا كان الشخص غير معصوم هل يمكن صدور أمر بدون قيد أو شرط باتباعه والسير في ركابه؟ اذا كن الجواب سلبياً فيدلّ على عدم جواز اتباع المطلق الا عن المعصوم الذي لا يحتمل فيه صدور خطاء عنه عمداً او سهواً فلابد ان يكون مراد الآية من الصادقين في المعية المطلقة المعصومون؟

فيوافق حكم العقل مفاد الروايات في هذا الباب.

إن الملفت للنظر هنا، أنّ المفسّر المعروف الفخر الرازي، ملخص كلامه في هذه الآية: (إنّ اللّه قد أمر المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين، وعلى هذا فإنّ الآية تدل على أن من يجوز الخطأ عليهم يجب عليهم الاقتداء بالمعصوم حتى يبقوا مصونين عن الخطأ في ظلّه وعصمته، وسيكون هذا الأمر في كل زمان، ولا نملك أي دليل على اختصاص ذلك بعصر النّبي صلى اللّه عليه وآله. وإنّنا نقبل أنّ مفهوم الآية هو هذا، ويجب أن يوجد معصوم في كل وقت، إلّا أنّنا نرى أن هذا المعصوم هو جميع الأمّة، لا أنّه فرد واحد! وبتعبير آخر: إنّ هذه الآية دليل على حجية إجماع المؤمنين، وعدم خطأ مجموع الأمّة). [9]

وقد يستشكل عليه أولاً بانّ المعصوم اذا كان جميع الامة وهم بصفة الجماعة متبوعون فمن التابع لهم؟ ممن ليس منهم ولا يمكن اتحاد التابع والمتبوع.

ثانياً: هل يوجد شيء يتفق عليه جميع المسلمين ولو فرضنا القول باتفاق المسلمين على وجوب الصلاة مثلا ولكن في تفاصيل الصلاة اختلافات كثيرة جداً فلا يوجد صغرى للحكم المتفق عليها في مقام العمل.

ثالثاً: لماذا تغمضون العين عن اهل بيت صرح بعصمتهم رسول الله صلى الله عليه واله فقوله صلوات الله عليه "علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار" الم تكف هذه العبارة لإثبات عصمة علي بن ابي طالب وقد ورد هذا الحديث ونظائره فوق التواتر في كتب الشيعة والسنة. وما يدل على عدم خلو الأرض من الحجة وما ورد من آية التطهير وغيرها من الأدلة على عصمة الائمة الاثني عشر الذين يقدسونهم السنة والشيعة وانما الخلاف في ان آخرهم ولد واختفى من اعين الناس، او لم يولد، فهؤلاء المعصومون الاثني عشر تركوا علوماً وكلمات كثيرة في مجال العقيدة والاحكام الفقهية والأخلاقية، فينبغي على جميع المسلمين ان يبحثوا عن كلماتهم ليقتدوا بهم. ويكونون معهم. وكم خسروا المسلمون طيلة التاريخ حيث تركوا التحري من اقوالهم التي كلها من جدهم رسول الله صلوات الله عليه ويا ليت كثير منهم ان يخرجوا عن غطاء العصبية ويراجعوا اقوالهم المأثورة بعد الدقة في اسنادها مع حفظ انتماءاتهم المذهبية مادام لم يقتنعوا بمذهب غير ما هم عليه. وهذا غيض من فيض نفسي حرصا على مصلحة الاُمّة الإسلامية سلمهم الله عن كل مكروه وهداهم الله الى مرضاته في كل شيء. ونكتفي من الكلام بهذا المقدار حول هذه الآية المباركة والسلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo