< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدلة بيا ايها الذين آمنوا /الآية 38 من سورة التوبة

في اليوم الماضي اطلنا اطلالة على أربع طوائف من الآيات التي تتعلق بغزوة التبوك ولم يساعدنا الوقت لأن نكمل المشوار واليوم نريد ان نستعرض الطائفة الخامسة من الآيات التي لها تعلق بغزوة تبوك:

القسم الخامس قوله تعالى: ﴿: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[1]

ورد في المجمع لشأن نزول الآيتين: (نزلت الآية الأولى في غزاة تبوك وما لحق المسلمين فيها من العسرة حتى هم قوم بالرجوع ثم تداركهم لطف الله سبحانه‌ قال الحسن كان العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك وكان زادهم الشعير المسوس والتمر المدود والإهالة السنخة وكان النفر منهم يخرجون ما معهم من التميرات بينهم فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم فلا يبقى من التمرة إلا النواة.

قالوا و كان أبو خيثمة عبد الله بن خيثمة تخلف إلى أن مضى من مسير رسول الله ص عشرة أيام ثم دخل يوما على امرأتين له في يوم حار في عريشين لهما قد رتبناهما و بردتا الماء و هيأتا له الطعام فقام على العريشين و قال سبحان الله رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر في الفتح والريح والحر والقر يحمل سلاحه على عاتقه وأبو خيثمة في ظلال باردة وطعام مهيأ وامرأتين حسناوين، ما هذا بالنصف، ثم قال: والله لا أكلم واحدة منكما كلمة ولا أدخل عريشا حتى ألحق بالنبي ص فأناخ ناضحة و اشتد عليه و تزود وارتحل وامرأتاه تكلمانه ولا يكلمهما ثم سار حتى إذا دنا من تبوك قال الناس هذا راكب على الطريق فقال النبي ص كن أبا خيثمة أولى لك، فلما دنا قال الناس هذا أبو خيثمة يا رسول الله فأناخ راحلته و سلم على رسول الله ص فقال (ع) أولى لك فحدثه الحديث فقال له خيرا و دعا له وهو الذي زاغ قلبه للمقام ثم ثبته الله‌) [2]

ثم قال في الآية الثانية: (نزلت في شأن كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية وذلك أنهم تخلفوا عن رسول الله ص ولم يخرجوا معه لا عن نفاق ولكن عن توان ثم ندموا فلما قدم النبي ص المدينة جاءوا إليه واعتذروا فلم يكلمهم النبي ص وتقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم فهجرهم الناس حتى الصبيان وجاءت نساؤهم إلى رسول الله ص فقلن له يا رسول الله نعتزلهم فقال لا ولكن لا يقربوكن‌، فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى رءوس الجبال وكان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام ولا يكلمونهم فقال بعضهم لبعض قد هجرنا الناس ولا يكلمنا أحد منهم فهلا نتهاجر نحن أيضا فتفرقوا ولم يتجمع منهم اثنان وبقوا على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله تعالى ويتوبون إليه فقبل الله تعالى توبتهم وأنزل فيهم هذه الآية). [3]

وقد ذكر في الأمثل قصة عن كعب بمن مالك وهو كان من احد الثلاثة: (قال: كنت يوما جالسا في سوق المدينة وأنا مغموم، فتوجه نحوي رجل مسيحي شامي، فلمّا عرفني سلمني رسالة من ملك الغساسنة كتب فيها: إذا كان صاحبك قد طردك وأبعدك فالتحق بنا، فتغير حالي وقلت: الويل لي، لقد وصل أمري إلى أن يطمع بي العدو!) [4]

مما هو يجلب النظر أساليب التي يختارها رسول لله في تنبيه أصحابه وتربيتهم فاستفاد صلوات الله عليه لتأديب الثلاثة المتخلفة من أسلوب الاضراب الجماعي فلم يستفد من السجن او قطع المخصصات او نفي البلد او التعزير بل ادبهم بما لم يترتب عليه التبعات التي تترتب على الأمور المذكورة من المؤنة على النظام و أحيانا التأثر من أجواء المشحونة بالفساد في داخل السجون ولا التعزير مما يترك اثرا سلبيا على نفس المعاقب ونفي البلد مما قد يوجب أحيانا من زرع خلايا معارضة في تلك البلاد و غير ذلك من السلبيات، بل اختار هذا الأسلوب الذي شارك في تنفيذه عامة الناس فكان لهم عبرة وكان المتخلف يشعر بسقوطه عن اعين الناس فيسعي في إعادة سمعته.

نعم ورد بسند موثق: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ ‌ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْ نَلْقَى أَهْلَ الْمَعَاصِي بِوُجُوهٍ مُكْفَهِرَّةٍ."[5]

أمّا روح المجاملة والمساومة والاستسلام التي سرت اليوم- مع الأسف- في كثير من المجتمعات الإسلامية كمرض عضال، فإنّها لا تمنع ولا تقف أمام أمثال هؤلاء المتخلفين، بل وتشجعهم على أعمالهم القبيحة.

كما ذكرنا في الأيام الماضية عن أهمية قتال الروم نؤكّد مرة اخري عن دواعي هجومها على المدينة نعم بما إنّ دولة الروم الشرقية المتاخمة للحجاز، كانت دولة مستكبرة مستعمرة احست بإنشاء دولة قوة تناهزها في قوتها فكانت تحتمل أن تصبح من ضحايا تقدم الإسلام السريع، لذلك فقد جهزت جيشا قوامه أربعون ألف مقاتل، وكان مجهزا بالأسلحة الكافية التي كانت تمتلكها قوّة عظمى كإمبراطورية الروم، واستقر الجيش في حدود الحجاز، فوصل الخبر إلى مسامع النّبي صلى اللّه عليه وآله عن طريق المسافرين، فأراد النّبي صلى اللّه عليه وآله أن يلقن الروم وباقي جيرانه درسا يكون لهم عبرة.

فلذا طلب من أصحابه في المدينة المنورة وكذا في سائر البلاد والقبائل بالتهيؤ والاستعداد للجهاد، وبعث الرسل الى المناطق الأخرى يبلّغون المسلمين بأمر النّبي صلى اللّه عليه وآله فلم يمض زمن حتى اجتمع لديه ثلاثون ألف مقاتل، وكان من بينهم عشرة آلاف راكب وعشرون ألف راجل.

إنّ هذا الجيش نتيجة للمشاكل الكثيرة التي واجهها من الناحية الاقتصادية، والمسير الطويل، والرياح السموم المحرقة، وعواصف الرمال الكاسحة، وعدم امتلاك الوسائل الكافية للنقل، قد عرف ب (جيش العسرة)، ولكنّه تحمل جميع هذه المشاكل، ووصل إلى أرض تبوك في غرة شعبان من السنة التاسعة للهجرة، وكان النّبي صلى اللّه عليه وآله قد خلف عليا عليه السّلام مكانه، وهي الغزوة الوحيدة التي لم يشارك فيها أمير المؤمنين عليه السّلام.

لإنّ المنافقين أرادوا ان يستغلوا خلو المدينة عن المجاهدين المخلصين وبقاء الضعفاء والمعمّرين والمرضي مضافا الى ضعاف الايمان ان يقيموا انتفاضة ضد الإسلام ‌ ويقتلوا النساء والأطفال ويهدموا المدينة، ويقضوا على هذا الكيان المقدس إلّا أنّ حضور علي عليه السّلام كان سدّا منيعا في وجه مؤامراتهم و خططهم. فخططوا مؤامرة جديدة فأشاعوا انه صار الخلاف بين رسول الله وعلي صلوات الله عليهما فطرد رسول الله علياً ولم يأخذه معه. حتي يغتالوه سمعة كي لا يسمعوا الناس كلامه ويصير منبوذا فيما بين المسلمين فهو سلام الله عليها حضر المعسكر واخبر النبي بهذه المؤامرة فخاطبه رسول الله صلى الله عليه والى بكلام طالما يكر الناس به وقال: "يا علي اما تحب ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي" فابطل صلوات الله علي بكلامه هذا سحر المعاندين وازداد عزة علي فيما بين الناس.

وهذه الغزوة لم تنته الى الحرب، بل إنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله حينما وصل إلى تبوك لم ير أثرا لجيوش الروم، وربّما كان ذلك لأنّهم سمعوا بخبر توجه هذا الجيش الإسلامي العظيم، وقد سمعوا من قبل بشجاعة واستبسال المسلمين العجيبة، وما أبدوه من بلاء حسن في الحروب، فرأوا أنّ الأصلح سحب قواهم من ميدان سراع المسلمين، وخافوا من التورط بمثل هذه الحرب الطاحنة دون مبررات منطقية، فخافوا من ذلك. إلّا أنّ حضور جنود الإسلام إلى ساحة تبوك بهذه السرعة قد أعطى لأعدائه عدة دروس: منها: رفع معنويات جنود الإسلام وإيجاد الرعب في قلب الاعداء ولقاء جمع من أمراء العرب من أطراف تبوك مع النّبي صلى اللّه عليه وآله وإمضاء عهود مع المسلمين بعدم التعرض للنبي صلى اللّه عليه وآله ومحاربته، وبذلك فقد اطمأن المسلمون من هذه الناحية، منافع أخرى يمكن استفادتها من خلال التأمل فيما جرى في هذا السفر، لا نطيل الكلام حولها.

ينبغي الإنتباه بان سماحة السيد تنازل عن بحثه لليلة الإحدى والعشرين لصالح الخطيب الحسيني بمناسبة استشهاد مولى امير المؤمنين عليه السلام فيستمر البحث من الأربعاء ليلة الثانية والعشرين من شهر رمضان المبارك ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo