< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /عرض الآيات لما يتعلق بغزوة تبوك

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ ﴿إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‌ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[1]

قد تحدثنا في اليوم الماضي حول الآيات فوقها وهناك آيات أخرى نزلت في مناسبة غزوة تبوك كلها في سورة التوبة، نريد ان نمرّ عليها مرورا عابراً ونحن في شهر القرآن، ففي هذه الآيات دروس جميلة. قبل التعرض لها نلفت الانتباه الى ان غزوة تبوك وقعت بعد سنة من فتح مكة المكرمة حين اتسعت رقعة الإسلام وقد أشار القرآن الى هذا الاتساع بقوله تعالى: ﴿اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجاً﴾ فتحقق قفزة كبيرة في كثرة المسلمين كمية وطبيعي ان كثير منهم اسلموا لما رأوا قوة الإسلام من دون ان يتعمقوا في عقيدتهم وايمانهم و بعضهم اصبحوا مسلماً لمآرب وطموحات وبعضهم آمنوا ولكن لم تكن مستوى ايمانهم كهؤلاء الذين اسلموا قبل الهجرة وهؤلاء الذين اسلموا قبل الفتح فأصبح عدد ضعاف الايمان كثيرا مضافا الى المنافقين الذين لم يؤمنوا بقلوبهم ولكن اظهروا الإيمان مع قلوب مشحونة بالكفر والأحقاد على الإسلام والمسلمين. فمن خلال هذه الآيات يمكن لنا ان ندرك مدي تنوع المسلمين من حيث الايمان والعقيدة. وهي طوائف:

الطائفة الأولى: من تلك الآيات هي ماورد في الآيات 38الى 49 من سورة التوبة وقد تحدثنا في ثلاثة منها في الليالي الماضية فلا نعيد وانما نتابع الآيات من قوله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ﴾ ﴿لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ ﴿إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ ﴿وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ﴾ ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ﴾ ﴿وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ﴾[2]

لو تأملنا في هذه الآيات نستطيع نعيش أجواء تلك الأيام وما كان يعاني رسول الله صلى الله عليه وآله منه وفي الحقيقة هذه الآيات كانت غربالاً لإفراز الفئات المختلفة من المؤمنين الخلص وضعاف الايمان والمنافقين.

الطائفة الثانية: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾ ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ﴾ ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى‌ طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ﴾[3]

الآية الأولى منها بيان لتعامل المنافقين مع المخلصين في الايمان ملخص ما في الأمثل لشأن نزول الآية: (في غزوة تبوك- وكان محتاجاً لمعونة الناس، سارع الأغنياء إلى بذل الكثير من أموالهم، أمّا الفقراء، كأبي عقيل الأنصاري أو سالم بن عمير الأنصاري، لما لم يجدوا ما ينفقونه لمساعدة جنود الإسلام، فقد عمدوا إلى مضاعفة عملهم، واستقاء الماء ليلا، فحصلوا على صاعين من التمر، فادخروا منه صاعا لمعيشتهم ومعيشة أهليهم، وأتوا بالآخر إلى النّبي صلى اللّه عليه وآله وقدموه. غير أنّ المنافقين فإنّهم عابوا كلا الفريقين، أمّا الأغنياء فاتهموهم بأنّهم إنّما ينفقون رياء وسمعة، وأمّا الفقراء الذين لا يستطيعون إلّا جهدهم، فإنهم سخروا منهم بأن جيش الإسلام هل يحتاج إلى هذا المقدار اليسير؟ فنزلت هذه الآيات، وهددتهم تهديدا شديدا وحذرتهم من عذاب اللّه).[4]

اما الآيات الاخرة منها فرفع القناء عن وجه المنافقين ومواقفهم من الإسلام والمسلمين وخطاب رول الله ص إليهم وما يؤل ارهم اليه من الشقاء والعذاب الأليم.

الطائفة الثالثة: قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى‌ وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ﴾ ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى‌ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [5]

في هذه الآيات تطرق الى التميز بين الأعذار المقبولة لعدم الحضور في معركة الجهاد والاعذار الواهية للمتقاعسين عن الجهاد، وذكر هؤلاء الفقراء المعذورين عن الجهاد واشتياقهم للحضور ومحاولتهم لتحصيل مؤنة السفر ليحضروا مع المقاتلين.

الطائفة الرابعة: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى‌ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى‌ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾[6]

هذه الآية تتحدث معنا عن رفع القناع عن مؤامرة خبيثة باسم الإسلام وعبادة الله فان هؤلاء المنافقين اسسوا هذا المسجد ليكون بعيدا عن عين رول الله واصحابه الاوفياء فيجعلونه مقرا لحياكة المؤامرات وطلبوا من رسول الله ص ان يدشّن لهم هذا المسجد عند المرور عليه في سفره الى تبوك. فرسول الله هدم المسجد وأحرقه كي يعرف الناس انه لا قداسة لمسجد او أي معبد إذا بني للفساد والافساد.

بقي علينا عرض الطائفة الرابعة وقد داهمنا الوقت فنتركها لغد ان شاء الله


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo