< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 47-49من سورة التوبة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ ﴿إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‌ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[1]

قال في المجمع: (النفر الخروج إلى الشي‌ء لأمر هيج عليه ومنه نفور الدابة يقال نفرت الدابة نفورا ونفر إلى الثغر نفرا ونفيرا، والتثاقل تعاطي إظهار ثقل النفس ومثله التباطؤ وضده التسرع، والمتاع الانتفاع بما يظهر للحواس ومنه قولهم تمتع بالرياض والمناظر الحسان ويقال للأشياء التي لها أثمان متاع تشبيها به، والاستبدال جعل أحد الشيئين بدل الآخر مع الطلب له)[2] .

ورد في شأن نزول الآيات فوقها عن ابن عباس و غيره أنّها نزلت في معركة تبوك وهي ان النّبي صلى اللّه عليه وآله بعد ما عاد من غزوة الطائف (هوازن وثقيف) الى المدينة، امر بتهيئة الناس لمواجهة الروم.

و لم يكن صلوات الله عليه في غزواته يبيّن أهدافه وإقدامه على المعارك لاصحابه قبل المعركة لئلا تقع الأسرار العسكرية بيد أعداء الإسلام، الا أنّه في معركة تبوك، لما كانت المسألة لها، خصوصيتها فقد بيّن الهدف للمسلمين بصراحة، وأنّهم سيواجهون الروم، لأنّ مواجهة امبراطورية الروم لم تكن مواجهة بسيطة كمواجهة مشركي مكّة أو يهود خيبر، وينبغي على المسلمين أن يكونوا في‌ منتهى التهيئة النفسية لمثل هذه الغزوة بما تشتمل من الاخطار والصعوبات من طول المسافة بين المدينة وأرض الروم فإنّها كانت بعيدة جداً، وكان الموعد صيفا قائظا، وهو أوان اقتطاف الثمار وحصد الحبوب و الغلات. هذه الأمور اجتمعت بعضها الى بعض فصعب على المسلمين الخروج للقتال. فحصلت تلكئات بين المسلمين في استجابة دعوة الرّسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله.

فنزلت الآيتان، لإنذار المسلمين بلهجة حادة كي يحرضهم للمشاركة في هذه المعركة الحاسمة

ان الفات النظر الى واقع الذي كان المؤمنون يعيشونها تجاه غزوة تبوك ان نعرف ان منطقة تبوك كانت تقع بين المدينة والشام، وكانت في ذاك العصر على مقربة من أرض الروم الشرقية المتسلطة على الشامات. وقد حدثت هذه الواقعة في السنة التاسعة للهجرة، أي بعد سنة من فتح مكّة تقريبأ. وبعد غزوة حنين.

فكانت الغزوة أولاً مواجهة لإحدى الدول الكبرى في ذلك العصر، فتختلف امرها عن المواجهة لإحدى القبائل العربية، من كان من المنافقين او من المسلمين ضعيفي الايمان اصبحوا قلقين مشفقين من المساهمة والحضور في هذه المواجهة، فوجد المنافقين تلك الجواء مهيأة لنشر وساوسهم، في قلوب المجاهدين فلم يألوا جهدا في إضعاف‌ معنوياتهم

وثانياً: كان طول طريق الوصول الى المعركة أي من المدينة الى تبوك 610 كم.

وثالثاً: كان المقطع الزماني موسم اقتطاف الثمار وجمع المحاصيل الزراعية، وكان هذا الموسم للمزارعين يعدّ فصلا مصيريا، لاقتناع معاش سنتهم.

ورابعاً: شدة حرارة الجوّ كانت يخيفهم من الخوض في هه المعركة.

وخامساً: بما ان مؤنات السفر لكل مجاهد كانت على عهدته والطريق الطويل يكلفهم مؤنة كثيرة ايضاً.

ولكن ضرورة الموقف كانت تتحتم عليهم المشاركة والحضور الواسع فنزل الوحي ليشدّ من أزر الناس، والآيات تترى الواحدة بعد الأخرى لإزالة الموانع والأسباب المثبطة.

ولذلك تبدء الآيتين هنا أولا بلسان الترغيب فخاطبهم بقوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فإيمانهم يدعوهم الى طاعة الله ورسوله،

ثم خاطبهم بلغة الاستغراب فقال: ﴿ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾. "اثّاقلتم" كناية عن الرغبة عن الجهاد والميل الى البقاء في الوطن والتثبط،

ثم يتقدم إليهم بسؤال تقريري فقال: ﴿أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ طبعا كل مسلم يقول ابدا لا نكتفي بالحياة الدنيا وفي مقام التزاحم بينهما لا يعقل اختيار الدنيا على الآخرة.

ثم نبههم بخسارة هذا الاستبدال فقال: ﴿فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.

ثم لمن لا يتحفز من البشارة والكلمات المشوقة خاطبهم بلسان التحديد فقال: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾. كي يعرفوا ان هذا المر ليس امرا هيناً بل هو امر واجب تركها من المحرمات الشديدة الى هنا يؤثر الكلام للمؤمنين والذين يخافون الله ويتمنون منه حسن العاقبة في المعاد.

ثم ينتقل عن لسان التحريض الى بيان الاستغناء كي لا يفرح بعض المنافقين من الموقف فقال:

﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾ فلا يزعم أحدا ان بقاء الإسلام متوقف على حضوره في هذه المعركة بل عجلة الإسلام ستستمر و نور الإسلام لاينطفئ، وهناك رجال كفؤون لهذا الميدان وغَيْرَكُمْ قوم أفضل منكم من كل جهة، من حيث الإيمان والإرادة والشهامة والاستجابة والطاعة ﴿وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾.

ثم يبين مصدر هذه المطمئنة فقال: ﴿وَاللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾

من الروس التي يمكن ان نستوحى ها من هذه الآيات أن تعلق قلوب المجاهدين بالحياة الدنيا يضعف همتهم في أمر الجهاد، فالمجاهدون ينبغي أن يكونوا معرضين عن الدنيا، زهّادا غير مكترثين بزخارفها وزبارجها. كما نجد في دعاء للإمام زين العابدين عليه السّلام لأهل الثغور يخاطب ربه ويقول: «وأنسهم عند لقائهم العدوّ ذكر دنياهم الخدّاعة وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون». ولو عرفنا قيمة الدنيا وحالها شأن الآخرة ودوامها معرفة حقّة، لوجدنا أنّ الدنيا زهيدة بالمقارنة والموازنة مع الآخرة الى درجة أنّها لا تحسب شيئا وقد بين هذا المعنى بتشبيه لطيف فيما ورد عن رسول لله صلى الله عليه واله يقول: "واللّه ما الدنيا في الآخرة إلّا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ثمّ يرفعها فينظر بم ترجع".

لا بأس لإكمال بحثنا نشير الى الخلاف الذي وقع بين المفسرين في تعيين مراد قوله تعالى: ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ قال في المجمع: (قيل هم أبناء فارس عن سعيد بن جبير وقيل هم أهل اليمن عن أبي روق وقيل هم الذين أسلموا بعد نزول هذه الآية عن الجبائي‌)[3] ولا يهمنا هذا الأمر.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo