< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات34-35من سورة التوبة

بقي من الآيات التي اخذناها للبحث في أيام الأخيرة وهي قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ ﴿يَوْمَ يُحْمى‌ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى‌ بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [1]

تحدثنا في الليلة الماضية حول هاتين الآيتين وفي الكنز اكثر التوجه تمركز على مقدار الثروة من انها تشمل أي ثروة كثيرة سواء أدّي زكاته او لم يؤدّ او الذي يؤدي الزكاة فلا بأس ببقية ماله؟ ولنا ملاحظة على هذه المسألة نريد ان نركز عليها:

يمكن القول في هذا الموضوع بأنّ الممنوع في الآية ليس كثرة الثروة بل الممنوع في الآية هو تجميد النقود، اما من جعل رأسماله في الإنتاج الزراعي او المعامل او الصناعة او التجارة فلا بأس به لانه يزيد في حركة عجلة الاقتصاد فالكنز ليس كل ثروة بل هو الثروة المدخرة الراكدة.

اما ابوذر رضوان الله عليه كان يعارض عثمان ومعاوية بما كانا يتصرفان في بيت مال المسلمين على حسب اهوائهما وترك المال في الخزانة للبذل الى أقربائهما ممن لايستحق، في ظروف كانت الفقراء والزمنى بأشدّ حاجة اليها.

والنقطة التي لابد ان لا ينسى ان نصاب الذهب عشرين ديناراً ونصاب الفضة مأتين ديناراً فمن كان عنده اكثر من هذا المبلغ الزهيد عليه ان يدفع زكاتها كل سنة بما يقرب من واحد في الأربعين وليس كالخمس حيث يقال: "المخمس لا يخمس" فليس في الزكاة ان يقال "المزكّى لا يزكّى" بل يجب دفع الزكاة سنوياً فالثروة في تناقص دائم حتى تصل الى عشرين دينارا فمن كنزه تحت الأرض او في أي صندوق فهو يستحق العذاب الأليم.

والنقطة الاُخرى التي لا بأس ان نشير اليها ان كل الفقهاء يقولون انما يتعلق الزكاة بالذهب والفضة مسكوكتان كعملة يستفاد منها في السوق وكانت العملة في عصر الرسالة الى العصور الأخيرة سكك الذهب والفضة فمن باب تنقيح المناط يمكن القول بان الزكاة تتعلق بالعملة الرائجة ولو كانت من القرطاس او العملات المجازية، فيشمل وجوب دفع الزكاة عن الأموال المدخرة في البنوك العصرية ايضاً وان كان الأمر هكذا فمبلغ الزكاة يكون مالاً كثيرا يمكن معالجة كثير من الثغرات بها في المجتمع الإسلامي في هذا العصر.

كما ان الفقهاء يقولون باستحباب دفع زكاة مال التجارة وعند الضرورة لولي امر المسلمين ان يوجب دفعها كي تأمِّن نقص ميزانية الحكومة.

هناك نقطة ثالثة وهي احتمال شمول الزكاة لكل الغلات وانما عفى رسول الله صلى الله عليه واله عن ما سوى الغلاة الأربعة والأنعام الثلاثة والنقدين. وانما كان عفوه عما سوى الموارد التسعة بما رآه من المصلحة في عصره، فلإمام المسلمين اذا رأى مصلحة عصره ان يعمّم الزكاة ليشمل غير الغلاة الأربعة كالرز والذرّة وغيرها ايضاً.[2]

لا يخفى نحن لسنا في هذا البحث بصدد استنباط الاحكام وما ذكرناه على خلاف المشهور، مجرّد ابداء الاحتمال من دون اتخاذ موقف فقهي فيها والامر يعود الى مباحث الفقه الاستدلالي ولسنا هنا بصدد استنباط حكم شرعي.

ثم ان قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُحْمى‌ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ﴾ أي يوقد على الكنوز أو على الذهب والفضة في نار جهنم ﴿فَتُكْوى‌ بِها﴾ أي بتلك الكنوز المحماة ﴿جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ﴾ هناك يأتي سؤال لماذا خصص الله هذه الجهات الثلاثة من الجسم فذكروا لها وجوه:

احداها: لأنها تشمل معظم البدن.

الثاني: ما يستفاد من كلام ابي ذر كان يقول تعريضاً على معاوية واصحابه (بشر الكانزين بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم) أي لتسرب الحرارة في كل الجسم.

الثالث: إنما خصت هذه المواضع بالعذاب لأن الجبهة محل الوسم لظهورها والجنب محل الألم والظهر محل الحدود التعزيرات.

الرابع: لأن الجبهة محل السجود فلم يقم فيه بحقه، أي لم يسجد سجدة كاملة او ان السجدة خضوع لله فمن حقها الالتزام باحكام الله فمن ارتكب المعصية خرج عن الضوع الحقيقي فسجدته كانت كاذبة ومجرد صورة، والجنب يقابل القلب الذي لم‌ يخلص في معتقده، والظهر محمل الأوزار قال تعالى: ﴿يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى‌ ظُهُورِهِمْ﴾[3]

الرابع: لأن صاحب المال إذا رأى الفقير قبض جبهته وزوي عينيه وطوى عنه كشحه وولاه ظهره.

كما هو واضح ان هذه الوجوه كلها تخرصات واذواق وليست معتمدا على نص شرعي او منطق عقلي ولكن مجرد ابداء الاحتمال وهذا لا بأس به.

وقوله تعالى: ﴿هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ أي جزاء ما كنزتم وجمعتم المال ولم تؤدوا حق الله عنها وجعلتموها ذخيرة لأنفسكم ﴿فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾.

روى في المجمع: عن صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: "ما من عبدٍ له مال ولا يؤدي زكاته إلا جمع يوم القيامة صفائح يحمى عليها في نار جهنم فتكوى به جبهته وجنباه وظهره حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" [4]

وروى عن ثوبان عن النبي ص قال: "من ترك كنزا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يتبعه و يقول ويلك ما أنت فيقول أنا كنزك الذي تركت بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقصمها ثم يتبعه سائر جسده"‌

و روى الثعلبي بإسناده عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه واله و هو في ظل الكعبة فلما رآني قد أقبلتُ قال: هم الأخسرون و رب الكعبة، هم الأخسرون و رب الكعبة، قال: فدخلني غم و جعلتُ أتنفس و قلت: هذا شي‌ء حدث فيَّ، قال: قلت: من هم فداك أبي و أمي؟ قال: الأكثرون إلا من قال بالمال في عباد الله هكذا وهكذا عن يمينه وشماله ومن خلفه وقليل ما هم‌"[5]

وروي عن أبي ذر أنه قال: "من ترك بيضاء أو حمراء كوي به يوم القيامة"

ومن الأمور التي نجده في القرآن وفي الروايات تناسب العقاب مع المعصية، سواءالعقاب الدنيوي او العقاب الاخروي، كما ورد في دعاء كميل: "اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم اللهم الغفر لي الذنوب التي تغير النعم اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء" حتى بعض المعاصي يوجب موت الفجئة او قصر العمر او الفقر وغيرذلك من المشاكل، كما ان الصالحات تختلف اثارها في حياة الإنسان الدنيوية.

كذلك ان نوعية العذاب الأخروي أيضا تناسب نوعية المعصية: كما ورد في احاديث المعراج مما رآه رسول الله من عذاب اهل النار ونعيم اهل الجنة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo