< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 23-24من سورة التوبة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾[1]

قبل الدخول في البحث نقف عند بعض مفردات الآية:

الاستحباب: طلب المحبة ويجوز أن يكون استحب بمعنى أحب كما أن استجاب يكون بمعنى أجاب فيكون كأنه طلب محبةً فوقع له،

والعشيرة: الجماعة، ترجع إلى عقد واحد كالعشرة ومنه المعاشرة.

والاقتراف: اقتطاع الشي‌ء من مكانه إلى غيره من قرفت القرحة إذا قشرتها والقرف القشر. والتربص: التثبت في الشي‌ء حتى يجي‌ء وقته والتربص والتثبت والتنظر والتوقف نظائر ونقيضه التعجل.

قال في المجمع: (روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى قريش يخبرهم بخبر النبي ص لما أراد فتح مكة).

واليك قصته: (أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت رسول الله ص من مكة إلى المدينة بعد بدر بسنتين فقال لها رسول الله ص أ مسلمة جئت؟ قالت: لا، قال: أ مهاجرة جئت؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك؟ قالت: كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهب موالي واحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني‌ وتحملوني، قال: فأين أنت من شبان مكة؟ وكانت مغنية نائحة، قالت: ما طلب مني بعد وقعة بدر، فحث رسول الله ص عليها بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها نفقة، وكان رسول الله ص يتجهز لفتح مكة فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وكتب معها كتاباً إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير، عن ابن عباس، وعشرة دراهم عن مقاتل بن حيان و كساها برداً على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة وكتب في الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله ص يريدكم فخذوا حذركم. فخرجت سارة و نزل جبرائيل فأخبر النبي ص بما فعل فبعث رسول الله ص علياً و عماراً و عمرَ و الزبيرَ و طلحةَ و المقداد بن الأسود و أبا مرثد وكانوا كلهم فرساناً، وقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها. فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول الله ص فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها من كتاب، فنحوها و فتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهمّوا بالرجوع، فقال علي (ع) و الله ما كذبنا و لا كذبنا وسلّ سيفه وقال لها أخرجي الكتاب وإلا والله لأضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد أخبأته في شعرها فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله ص. فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب؟ قال نعم، قال فما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم، و لكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت عريرا فيهم أي غريبا وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً. فصدّقه رسول الله ص وعذّره، فقام عمر بن الخطاب وقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله ص وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم، فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‌) [2]

مما يلفت النظر من كرامة خلق النبي صلوات الله عليه واله كيف استقبل امرأة مشركة مغنية وتحدث معها بلطف وهي انما جاءت لاجئةً لكسب المال، فامر النبي اهله واصحابه بالإنفاق عليها.

وهنا يجب ان نقف عند نصوص الآيات:

قال تعالى في الآية الأولى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ هذه الآية تتحدث عن تولي الآباء والاخوان من الكفار ومعناه الالتزام المتقابل بينكم وبينهم على الدفاع عنهم، والولاية قد تكون من العالي الى الداني فمعناه الحاكم والوليّ والمالك، وقد تكون من المساوي الى المساوي، فمعناه التضامن بينهما، وقد تكون من الداني الى العالي يعني الرعية او الملحق بالقبيلة كالعبيد المعتوقة والغريب الملحق بالقبيلة.

وفي هذه الآية إنما ذكر الآباء والإخوان دون الأبناء والأزواج؟ ولعل السر في ذلك لا يتوقع منهم عقد الموالاة كالآباء و الإخوان لأن التولي يعطي للولي أن يداخل في أمور مولى عليه و يتصرف في بعض شئون حياته، و هذا هو المحذور الذي يستدعي النهي عن تولي الكفار على المسلمين حتى لا يداخلوا في أمورهم الداخلية، فان الله منع عن الركون اليهم فقال: ﴿فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ﴿وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾[3] .

في الآية الأولى امر بالاستقامة وعدم الاستسلام تجاه أي مزايدة من الكفار دون الطغيان وفي الآية الثانية نهي عن الركون اليهم وحصر الولاية على المسلمين لله.

وفي الآية المبحوث عنها هنا ان النهي عن اتخاذ الآباء والاخوان أولياء ان استحبوا الكفر على الايمان يدل بالفحوى على عدم جواز قبول ولاية غيرهما من الكفار ايضاً فالمنع عن تولي من استحب الكفر على الايمان يشمل جميع الكفار.

ولذلك نحن نرى ان الحكومات الشرعية انما هي حكومات تستمد ولايتها من الله. وهذا لا يعني عدم الالتزام بقوانين الجارية في البلاد إذا لم تخالف الشرع، نعم نحن نلتزم بالقوانين الجارية في البلاد ولو كانت الحكومة غير شرعية ولكن نلتزم بقوانينها رعاية لحفظ نظام المجتمع واحترازا عن الفوضى، وهو من اوجب الواجبات، ولكن لا يعني ذلك الاعتراف بشرعيتها بل نسايرها اقتداءً بسيرة ائمتنا عليهم السلام في الحكومات الجائرة غير الشرعية.

وهذا الأمر جاري على مستوى الدولي ايضاً فلا يجوز لحاكم المسلمين عن يتعاقد مع الكفار بما يسلطهم على شؤون المسلمين، ولذلك ان الامام الخميني عند ما رأى ان دولة شاه عقد عقدا مع أمريكا باسم "كابينولاسيون" يجعل اتباع أمريكا مصونا عن المحاكمة في القضاء الإيراني وانما هم يحاكمون في محاكم أمريكا، فقام قيامته رضوان الله عليه وخاطب الشاه ببيان صريح شديد ووبّخه على قبول هذه الدناءة للشعب الإيراني حتى لأعلى مراتب المسؤولين حتى الشاه نفسه، وقال ما مضمون كلامه انا لا نريد ان يكون شاهنا حقيرا بهذه الدرجة عند الأمريكيين.

وقد ورد النهي عن اتخاذ الكفار أولياء في مواضع أخرى من كلامه تعالى:

منها: قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[4] فتفيد هذه الآية عدم تلائم بين الولايتين فمن تولى اليهود والنصارى تنقطع ولا يته عن المسلمين.

ومنها: قوله: ﴿لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾[5] فتفيد أي مؤمن اتخذ ولاية الكفار يسقط عن عين الله الا عند الاضطرار وبمقدار الضرورة وفي ظاهر الامر دون الواقع.

ومنها قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً﴾ [6]

نعود الى الآيتنا المبحوثة عنها فی هذه الآیة لم یقل: ﴿وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإنّهُ مِنْهُمْ﴾ إذ من الجائز أن يتوهم بعض هؤلاء أنه منهم لأنهم آباؤه و إخوانه فلا يؤثر فيه التهديد أثرا جديدا يبعثه نحو رفض الولاية. بل قال: ﴿«وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ بما يفيد التأكيد وهي جملة اسمية، و دخول اللام على الخبر و ضمير الفصل يفيد تحقق الظلم منهم و استقراره فيهم، و قد كرر الله في كلامه ﴿أن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾، فهؤلاء محرومون من الهداية الإلهية لا ينفعهم شي‌ء من أعمالهم الحسنة في جلب السعادة إليهم، و السماحة بالفوز و الفلاح لهم.

فخلاصة القول ان الآية الأولى ركزت على عدم جواز الموالاة بين المسلم والكفر والآية التي تليها سوف نتناولها بالبحث غدا ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo