< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 48-49من سورة الانفال

﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى‌ عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِي‌ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‌ ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الانفال49)

الآيات التي بدأت من الآية واحدة والأربعون الى هذه الآيات التي الليلة نريد ان نتناولها بالبحث كانت حول التوصيات المعنوية من الله للمؤمنين و ذكر الطافه تعالى بالنسبة اليهم ونصرته إياهم رغما لقلتهم عِدّةً وعُدّةً بالنسبة الى اعدائهم وفي الأخير نهى المؤمنين ان تشابه بهؤلاء في نياتهم واعمالهم. فقال ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[1] فنهى المؤمنين عن مثل أعمالهم الشائنة ونياتهم الخبيثة من البطر والرياء وهممهم الظالمة من الصد عن سبيل الله.

قال في الميزان بعد ذكر تلك الآيات الثلاثة: (قد اشتملت الآيات الثلاث على أمور ستة أوجب الله سبحانه على المؤمنين رعايتها في الحروب الإسلامية عند اللقاء وهي الثبات، وذكر الله كثيرا، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع، وأن لا يخرجوا بطرا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله، ومجموع الأمور الستة دستور حربي جامع لا يفقد من مهام الدساتير الحربية) [2]

ثم تطرق في هذه الآيات ببيان بعض جوانب النفسية وقوى الداعمة لهم من الشياطين والمشركين فقال: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ﴾.

إنّ تزيين الشيطان للعمل يكون عن طريق تحريك الأهواء والشهوات والرّذائل، فيتزين للإنسان عمله حتى ينظر إليه بإعجاب ويحسبه عملاً عقلائياً من جميع الجهات، ويراه منطقيا.

ثمّ يقول: ﴿وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ﴾. فأولاً يغريهم بأنفسهم، وثانياً يعدهم ويمنّيهم ولكن ما يعدهم الشيطان الا غروراً وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [3]

نعم انه يُظهر لهم وفاءه وإخلاصه، وملازمته لهم كالظل للشاخص، وليس المراد من الجار جار الدّار، بل هو من يؤوي غيره ويؤمّنه ويلجئه، لأنّ من عادة العرب وخاصّة في الأنظمة ملوك الطوائفي لابد من المعاهدة بينهم والاقوى كان يأخذ منهم الإقرار برياسته ثم كان يضمن الدفاع عنهم ويجيرهم فالقبائل أو الطوائف القويّة تضمّن من يلجأ إليها من أصدقائها وأصحابها ومن حولها وتؤمنهم وتدافع عنهم بكل ما أوتيت من قوّة. فالشيطان يمنح أصحابه المشركين الأمان وورقة اللجوء إليه ويسمى هذه العملية "الاجارة". ومن أسماء الله هو المجير فنقول له في الدعاء "اجرنا من النار يا مجير"

ثمّ تقول الآية: ﴿فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى‌ عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِي‌ءٌ مِنْكُمْ﴾. واستدل على نكوصه وتراجعه القهقري بدليلين هما:

أوّلاً: قوله: ﴿إِنِّي أَرى‌ ما لا تَرَوْنَ﴾. فإنّه يرى آثار النصر جيداً في وجوه المسلمين العازمة على الجهاد الى آخر الانفاس ويشاهد عليها سمات اللطف الإلهي والإمداد الغيبي وتأييد الملائكة لهم، فمن الطبيعي أن يتراجع عند ما يرى كل ذلك الدعم الرّباني والقوى الغيبيّة.

والثّاني قوله: ﴿إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾. ولعل هذا كذب منهم لان يعلنوا معرفتهم بالله كذباً.

كما قال تعالى: ﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون﴾.

ثم هناك بحث حول انه هل الشيطان يأتيهم عن طريق الوسوسة أو يظهر لهم متجسدا؟

هناك من يعتقد أنّ هذا الأمر حصل على صورة وساوس باطنية، فقد زين لهم بوساوس أعمالهم في عيونهم وصوّر لهم أنّهم يملكون قوّة لا تقهر، وأغراهم وصوّر لهم أنّه يجيرهم، إلّا أنّهم بعد قتالهم الشديد للمسلمين، والحوادث الإعجازية التي حققت النصر للمسلمين ومحت الوساوس عن قلوبهم، أحسوا بالانكسار وأنّه لا ملجأ لهم أبدا سوى ما ينتظرهم من الجزاء الإلهي والعذاب الشديد. ودليل أصحاب هذا الرأي: أنّ إبليس لا يستطيع أن يتمثل في صورة إنسان.

وهناك رؤية أخرى ذكره في المجمع ملخصه: (أنّ الشيطان تتجسد لهم في صورة الإنسان، وقد وردت روايات في كتب الحديث: إنّ قريشا عند ما قررت التحرك والمسير نحو بدر، كانت تخشى الهجوم من طائفة بني كنانة لتشاجرٍ كان بينها وبينهم، و عند ذاك جاءهم إبليس في صورة «سراقة بن مالك» الذي كان من رؤوس بني كنانة وطمأنهم بأنّهم يوافقونهم على هذا الأمر، وأنّهم سينتصرون، لكنّه تراجع لما رأى نزول الملائكة، ولاذ بالفرار وانهزم الجيش عند ما رأى ضربات المسلمين الشديدة وانهزام إبليس.

وقالت قريش بعد عودتها لمكّة: إنّ سراقة هو كان السبب في انهزامهم، فوصل الخبر إلى سراقة فأقسم أنّه لا علم له بذلك، وعند ما قصّ عليه بعضهم ما كان منه في يوم بدر أنكر كل ذلك وأقسم أنّه لم يخرج من مكّة ولم يحصل من تلك الأمور شي‌ء أبدا، فعلموا أنّ ذلك لم يكن سراقة بن مالك)[4] .

أقول: ولو الانسان يستغرب تمثل الشياطين بحيث يراها الناس و يتكلمون معها ولكن على قول شيخ الرئيس بو علي سينا: "كلما قرع سمعك من العجائب فزره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان"

ولكن على كلا وجهين، نستفيد من هذه الآيات وغيرها: أنّ من أخلص لله وجاهد لله في اموره فالله يوفقه ويدعمه بتوفيقات وامدادات من عنده. ومن انتهج طريق الباطل وسعي في الحرام والظلم يمده الشياطين ويزيدونه عتوا وفساداً. ولكن هل يتجسد لهم شيء على صورة انسان من الملائكة والجن، علمه عند الله.

وتشير الآية بعدها إلى نفسيّة جماعة ممن يميلون إلى الشرك في ساحة بدر، فتقول: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ﴾ حين تصوروا أنّهم سينتصرون مع قلّة العدد والعدّة، أو أنّهم سينالون الشهادة والحياة الابدية في هذا المسار.

لكن هؤلاء لعدم إيمانهم وعدم معرفتهم بالإمداد الإلهي أنكروا تلك الحقائق البينة، لأنّه كما تقول الآية المباركة: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

وقد اختلف المفسّرون في المراد من المنافقين ﴿والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ ولا يستبعد أن تكون العبارتان تشير ان إلى المنافقين في المدينة، لأن‌ القرآن الكريم عند ما يتعرض لموضوع المنافقين في أوّل سورة البقرة يقول: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾[5] فهؤلاء الذين ذكرتهم الآية- محل البحث- إمّا أنّهم من المنافقين الذين التحقوا بصفوف المسلمين من المدينة، و كانوا يظهرون الإسلام والإيمان ولم يكونوا في حقيقتهم كذلك، ، فلمّا رأوا قلّة المسلمين في معركة بدر قبال جيوش الكافرين قالوا: إنّ هؤلاء أصابهم الغرور في دينهم الجديد وجاءوا إلى هذه الساحة.

مما نستفيد من هذه الآيات حول المنافقين نرى انطباقها على الدول المنافقة في هذا العصر كيف يشجعون الآخرين ويقفون معهم لإسقاط أي دولة اراد الاستكبار اسقاطها او تضعيفها لسبب مّا ويستفيدون في هذه الجرائم من بعض العناوين البراقة كحقوق الانسان ومحاربة الإرهاب و نشر المدنية والحضارة وما شابه ذلك ولكن لا وفاء لهم حتى لبعضهم البعض، مثلا في العراق هم الذين دعموا الصدام لقمع الانتفاضة الشعبانية لما رؤوا ان أوراق صدام محترقة ولم يبق له مفعول هجموا على العراق باسم محاربة الاسلحة إبادة الجماعية او الأسلحة الجرثومية ولكن الواقع أرادوا ان يتسلطوا على ارض العراق المقدسة لإنشاء دولة إرهابية خاضعة لهم حتى يعتدوا من خلاله الى دول المنطقة كما فعلوا بالجمهورية الإسلامية في الأيام الأولى من تشكيلها. وفي هذا العصر نرى هناك تغيرات تحدث في سياسة دول المنطقة بإشارة اسيادهم المستكبرة، وكان الامام الخميني يشبّه طبيعتهم بالذئاب عند ما تشترك لأكل فريسة، كل واحد منهم يخاف عن الآخر ويراقبه كي لا يهجم عليه.

نعم ان الاستكبار العالمي من خلال اقمارها في المنطقة يسعون في الارض فسادا بإيقاد الحروب واثارة الفتنة مرة في سوريا ومرة في العراق ومرة في اليمن وترى ان بعض دول الضعيفة يغيرون سياساتهم بين عشية وضحاها على ما يرسم لهم الشيطان الأكبر و لكنهم بفضل الله لم يجنون ثمرة تفيدهم بل صاروا سببا لقوة الثوريين والمقاومين ونشر ثقافة المقاومة في المنطقة نعم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‌ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾[6] ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى‌ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾[7]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo