< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 45-47 من سورة الانفال

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [1]

وقفة عند بعض مفردات الآيات:

قال في المجمع: (الريح هاهنا كناية عن نفاذ الأمر وجريانه على المراد تقول العرب هبت ريح فلان إذا جرى أمره على ما يريد، وركدت ريحه، إذا أدبر أمره وقيل إن المعنى ريح النصر التي يبعثها الله مع من ينصره على من يخذله‌، وأصل البطر الشق ومنه البيطار لأنه يشق اللحم بالمبضع والرياء إظهار الجميل ليرى مع إبطان القبيح).[2]

وقال الراغب في معنى البطر: (البطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها قال عز وجل: «بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ» وقال: «بَطِرَتْ مَعِيشَتَها» ويقارب البطر الطرب، و هو خفة أكثر ما يعتري من الفرح و قد يقال ذلك في الترح، والبيطرة معالجة الدابة).

هذه الآيات المباركات مسبوقة بالآيات التي تتحدث عن غزوة بدر الكبرى حيث قال:

﴿ِ... وَما أَنْزَلْنا عَلى‌ عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿إذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‌ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى‌ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾[3]

خلاصة القصة ان غزوة بدر كانت غزوة مصيرية كبيرة لان المسلمين خرجوا لينهبوا قافلة تجارية لمشركي مكة (ليقتصوا منهم عما نهبوا من أموال المسلمين الذين هاجروا الى مدينة المنورة وتملكوها) غير مستعدين للحرب وكانوا مستبشرين بالحصول على أموال كثيرة فتبدلت العير "القافلة التجارية" الى النفير "جيش عسكري جاهز للحرب"، والمسلمون لم يكونوا مستعدين للقتال نفسياً، ولم يسبق لهم قتال قبل ذلك.

روى في المجمع عن ابن عباس: (لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عيره أرسل إلى قريش أن ارجعوا فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام فنقيم بها ثلاثا وننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا فوافوها فسقوا كؤوس المنايا وناحت عليهم النوائح) [4]

والعدوة لغة بمعنى التجاوز ولكنها تستعمل في حدود المنطقة ما أنتم في العراق تسمونه قاطعاً، ﴿والعدوة الدنيا﴾ أي المكان القريب او الواطي و﴿العدوة القصوى﴾ هو المكان البعيد او العالي ﴿والركب اسفل منكم﴾ وهو يعني أبا سفيان و أصحابه و هم العير اي القافلة التجارية حيث غيروا طريقهم وأخذوا جانب البحر وكانوا قريباً من المكة المكرمة وقد اراهم الله من عناياته وفضله ما كان حجة لحقانيتهم وان الله هو ناصرهم، ومن عنايات الله تبارك وتعالى تقليل كل فريق في رأي الآخر كي يُقْدموا على الحرب والانتصار في غزوة بدر كان سبباً لرفع معنوياتهم والثقة بأنفسهم، و القى الله لهم هيبة في قلوب القريش والمشركين كى يحاسبوا لهم الف حساب، كما ان الحرب المفروضة أوائل انتصار الثورة تركت اثارا إيجابية على تثبيت قوائم الثورة وتحفيز همة الشعب وكما ان هجمة السعودية على شعب اليمني قوّاهم واعزّهم وازداد المناعة فيهم وهكذا ترى في الشعب الفلسطيني والشعب العراقي، نعم الركن الأساسي في هذه المواطن وجود قائد شجاع قوي سائس يأخذ بزمام الأمور و يشحذ همم الثائرين والمجاهدين.

وهنا نأتي الى آياتنا المبحوث عنها: يخاطب الله المؤمنين بقوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ هنا ذكر امرين: أحدهما: الثبات وعدم الفرار، وثانيهما: ذكر الله كثيراً، وهذين الامرين رمز الانتصار، واثر الثبات في الانتصار امر واضح، واما ذكر الله كثيراً من عمق قلوبهم ان كانوا في حالة الخوف والرعب من العدو، يحصل به عندهم الطمأنينة والرجاء، لانّهم بذكر الله يشعرون بكونهم تحت رعاية رحمن رحيم قادر عزيز، فلا يمكن ان يمسهم السوء. وان كانوا في حالة الغرور بالنفس والغفلة من الله يرجعون بذكر الله عن العجب بالنفس والغفلة من الله والثقة بما عندهم من السلاح والعتاد. وفي كلا الفرضين ذكر الله ضروري للمجاهد في سبيل الله.

مضافا إلى ذلك، ان ذكر اللّه وحبّه يخرجان حبّ الزوجة والمال، والأولاد من قلبه، فإنّ التوجه إلى اللّه يزيل من القلب كل ما يضعفه ويزلزله، كما ورد في دعاء الإمام زين العابدين عليه السّلام لأهل الثغور: «وأنْسِهِمْ عِنْدَ لِقَائِهِمْ العَدُوَّ ذِكْرَ دُنْياهُمْ الخَدّاعَة، وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُون، وَاجْعَلْ الْجَنّةَ نُصْبَ أعْيُنِهِمْ». [5]

ثم في الآية الثانية قال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ذُكر ثلاث أمور في هذه الآية: لا شك أن من أهم اركان الجهاد ومواجهة الظالمين هو القائد المطاع الشجاع الذكي الحكيم ولولاه لما كان الانتصار، ولذا امر بطاعة الله ورسوله. والرسول كان قائداً في قمة الكمالات الإنسانية فكان أحسن قائد على وجه الأرض وعلى مدى الأزمنة. كما نهى عن التنازع والخلاف فيما بين الاُمّة وفي معركة الجهاد وبيّن ان الخروج من طاعة القائد والتنازع يؤدي الى َالفْشَلِ و ‌الضعف وخور العزيمة، ونتيجة هذا الضعف والفتور هي ذهاب هيبة المسلمين وقوتهم وعظمتهم وذْهَابَ رِيحهمْ. وذهاب الريح، إشارة لطيفة إلى زوال القوّة والعظمة، وعدم سير الأمور كما يرام، وعدم تحقق المقصود، لأنّ حركة الريح فيما يرام توصل السفنَ إلى مقاصدها، ولما كانت الريح في ذلك العصر أهم قوّة لتحريك السفن فقد كانت ذات أهمية قصوى يومئذ.

وحركة الرّيح للرّايات والبيارق تدل على استقرار القدرة والحكومة، وقوله تعالى: ﴿فتذهب ريحكم﴾ كناية عن هذا المعنى.

ثم أمر بالصبر والاستقامة في مواجهة العدوّ، وفي قبال الحوادث الصعبة، فقال: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

والفرق بين ثبات القدم والصبر أن ثبات القدم في مقام العمل، أمّا الاستقامة والصبر في مقام النفس والمعنويات، فيطلب من المجاهدين ان يصمدوا و يتبتوا ناشئا عن إرادة قوية.

ثم في الآية الثالثة الأخيرة- يقول تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[6] نهى الله المؤمنين عمّا فعل المشركين في البدر من اللهو والمجون وشرب الخمور اشارة إلى ما كان عليه المشركين من أبي سفيان وأصحابه.

فلا ينبغي للمجاهدين في سبيل الله ان يخرجوا عن المتانة والوازنة والعقل لما ينتصروا على عدوهم بل عليم ان يزيدوا توجها الى الله وخضوعا وخشوعا له فان كل ما حصلوا من التقدم ودفع شر الأعداء كان بتأييد من الله وفضله.


[5] الصحيفة السجادية، فیض الاسلام، جدعاءه لاهل الثغور، صدعاء 27.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo