< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 24-26

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ﴿‌وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [1]

كان بحثنا في هذه الآيات التي خاطب الله بها المؤمنين وقد فرغنا من الآيتين منها في الليالي الماضية والليلة نريد ان نتناول الأخيرة منها بالبحث والتأمل:

هي قوله تعالى: ﴿‌وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ فأتت هذه الآية بعد ما دعا المؤمنين الى استجابة الرسول صلى الله عليه واله في دعوته وما فيه احياء لهم وبعد ما نبّه على كونه مهيمنا عليهم وفيه الترغيب والترهيب وفي هذه الآية يدعوهم الى مقارنة ما بعد الرسالة مع ما قبلها.

في بادئ الامر نقف وقفة عند بعض مفرداتها، قال في المجمع: (الذكر ضد السهو وهو إحضار المعنى للنفس، والاستضعاف طلب ضعف الشي‌ء بتهوين حاله، والتخطّف: الأخذ بسرعة انتزاع يقال: تخطف وخطف واختطف).[2]

قال في الأمثل: (هذه عبارة لطيفة تشير إلى الضعف وقلّة العدد التي كان عليها المسلمون في ذلك الزمن، وكأنّهم كانوا شيئا صغيرا معلقا في الهواء بحيث يمكن للأعداء أخذه متى أردوا، وهي إشارة لحال المسلمين في مكّة قبل الهجرة قبال المشركين الأقوياء. أو إشارة لحال المسلمين في المدينة بعد الهجرة في مقابل القوى الكبرى كالفرس والروم: ﴿فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.[3]

وقريب من هذه التعابير نجدها في الميزان قال: (والسياق يدل على أن المراد بقوله: «إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ» الزمان الذي كان المسلمون محصورين بمكة قبل الهجرة وهم قليل مستضعفون، وبقوله: ﴿تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ مشركو العرب وصناديد قريش، وبقوله ﴿فَآواكُمْ﴾ أي بالمدينة وبقوله ﴿وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ ما أسبغ عليهم من نعمة النصر ببدر، وبقوله: ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ ما رزقهم من الغنائم وأحلها لهم. وما عده في الآية من أحوال المؤمنين ومننه عليهم بالإيواء وإن كانت مما يختص بالمهاجرين منهم دون الأنصار إلا أن المراد الامتنان على جميعهم من المهاجرين والأنصار فإنهم أمة واحدة يوحدهم دين واحد. على أن فيما ذكره الله في الآية من مننه التأييد بالنصر والرزق من الطيبات وهما يعمان الجميع، هذا بحسب ما تقتضيه الآية من حيث وقوعها في سياق آيات بدر، ولكن هي وحدها وباعتبار نفسها تعم جميع المسلمين من حيث إنهم أمة واحدة يرجع لاحقهم إلى سابقهم فقد بدا ظهور الإسلام فيهم وهم قليل مستضعفون بمكة يخافون أن يتخطفهم الناس فآواهم بالمدينة وكثرهم بالأنصار وأيدهم بنصره في بدر وغيره ورزقهم من جميع الطيبات الغنائم وغيرها من سائر النعم لعلهم يشكرون)[4] .

هذه المعاني كلها تدور حول أيام مكة غزوة بدر وحول المهاجرين والانصار.

لكن الذي خطر ببالي ان مخاطب هذه الآيات هم المؤمنون كما ان الدعوة الى الحياة تكون لكل المسلمين وهم المؤمنون. فلا وجه لتخصيصهم بهؤلاء المسلمين الاُول في المكة المكرمة قلة ودخولهم في المدينة المنورة والانتصارات التي تليها؟ فراجعت الى تفسير فخر الرازي فرأيت فيه نفس الاتجاه وهذا نص كلامه:

(اعلم أنه تعالى لما أمرهم بطاعة اللَّه وطاعة الرسول، ثم أمرهم باتقاء المعصية، أكد ذلك التكليف بهذه الآية، وذلك لأنه تعالى بين أنهم كانوا قبل ظهور الرسول صَلَّى اللّه عليه وسلّم في غاية القلة والذلة، وبعد ظهوره صاروا في غاية العزة والرفعة، وذلك يوجب عليهم الطاعة وترك المخالفة. أما بيان الأحوال التي كانوا عليها قبل ظهور محمد فمن وجوه: أولها: أنهم كانوا قليلين في العدد. وثانيها: أنهم كانوا مستضعفين، والمراد أن غيرهم يستضعفهم، والمراد من هذا الاستضعاف أنهم كانوا يخافون أن يتخطفهم الناس. والمعنى: أنهم كانوا إذا خرجوا من بلدهم خافوا أن يتخطفهم العرب، لأنهم كانوا يخافون من مشركي العرب لقربهم منهم وشدة عداوتهم لهم، ثم بين تعالى أنهم بعد أن كانوا كذلك قلبت تلك الأحوال بالسعادات والخيرات، فأولها: أنه آواهم والمراد منه أنه تعالى نقلهم إلى المدينة، فصاروا آمنين من شر الكفار، و ثانيها: قوله: ﴿وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ و المراد منه وجوه النصر في يوم بدر، وثالثها: قوله: وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وهو أنه تعالى أحل لهم الغنائم بعد أن كانت محرمة على من كان قبل هذه الأمة). [5]

ثم راجعت الى تفسير البيان الصافي: فرأيته اتخذ ما خطر ببالي من التوسع في المراد أي المقارنة بين الجاهلية والاسلام للعرب في الجزيرة بكل وضوح واليك نص كلامه:

(اذكروا ايام الضعف والخوف قبل أن تذوقوا حلاوة الاسلام وقوة الحق والعدل. واذكروا كيف نقلكم الاسلام من مقام الخوف والضعف الى مكان الامن والقوة. فأصبح كسرى وقيصر وجميع من في الارض يرهبون بأسكم وقوتكم الموصولة بخالق الكون وما فيه: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، فمن ذا الذي يتأمل هذه النقلة الجبارة البعيدة المدى.) [6]

ومما يرجح هذا الوجه ان الخطاب في هذه الآيات متوجه الى المؤمنين ويدعوهم الى استجابة الله ورسوله عند ما يدعوهم لإحيائهم وهذا الحكم يشمل جميع المؤمنين لا خصوص المهاجرين من المسلمين ولا المعاصرين لرسول الله صلوات الله عليه فالمقارنة بين حالتي الحياة الإسلامية و قبلها وقد نرى في سائر الآيات إشارة الى هذا المعنى قال الله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً وَلا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءً فألّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَاَصْبَحتُمْ بِنِعْمَتِهِ اِخْواناً وَكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النارِ فَاَنْقَضَكُمْ مِنْها....﴾

كما نرى من كلام امير المؤمنين عليه السلام التذكير بهذا المعنى في أكثر من موضع فقارن بين عصر الإسلام وعصر الجاهلية منها قوله في نهج البلاغة عند ذكر مآثر النبي صلوات الله عليه فقال: "دَفَنَ اللَّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ وَأَطْفَأَ بِهِ النَّوَائِرَ أَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً وَفَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ وَأَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ كَلَامُهُ بَيَانٌ وَصَمْتُهُ لِسَانٌ" [7]

وفي مكان آخر قال: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه واله) نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ وانـتـم مـعـشـر الـعرب على شر دينٍ وفي شر دارٍ منيخون بين حجارة خشن وحيات صم، تـشـربـون الـكدر وتأكلون الجشب، وتسفكون دماكم وتقطعون ارحامكم، الاصنام فيكم منصوبة والآثام فيكم معصوبة"[8] .

وورد في خطبة القاصعة في كلام علي عليه السلام: "فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَ بَنِي إِسْحَاقَ وَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عليهم السلام ‌ "تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ وَ الْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الْآفَاقِ وَ بَحْرِ الْعِرَاقِ وَ خُضْرَةِ الدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ الشِّيحِ وَ مَهَافِي الرِّيحِ وَ نَكَدِ الْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ أَذَلَّ الْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً لَا يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا وَ لَا إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَ الْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ وَ الْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي بَلَاءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْؤُدَةٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَ الْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَ آوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَ تَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ وَ مُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَ يُمْضُونَ الْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لَا تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لَا تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ...." [9]

ففي هذه الآية المبحوث عنها عبرة لنا و خطة طريق امامنا باستجابة دعوة الرسول حيث يدعونا ليحيينا ونقارن في بلاد المسلمين مع سابقتها، ونلاحظ الثورة الإسلامية التي اثارها الامام الخميني واستجيبوا لها الشعب الإيراني حتى استطاعوا إسقاط نظام ملكي مدعوم من المستكبري العالم في الشرق والغرب بدون قتال او عتاد بل بإيقاظ الناس واجتماعهم على كلمة واحدة كالسيل العارم فانشؤوا دولة إسلامية على موازين الكتاب والسنة و دوّنوا قانوناً شارك في تدوينه كبار الفقهاء والحقوقيين نيابة عن عامة الشعب فاستطاعت ان تنتشر الى اقصى نقاط العالم رغما لجميع التحديات و صب الويلات عليها فلا بد من تذكير انفسنا وشبابنا بما كان وما صار اليه وكذلك آثارها المباركة في كثير من المجتمعات وهذا الذي جعل المستكبرين في غلق وارتباك شديد فأورثت هذه الثورة صحوة عالمية قلّبت الموازين واحيت النفوس و جرّأت الشعوب لمطالبة حقوقهم عن حكوماتهم.

كما ينبغي لنا في العراق نذكر فضل الله علينا حيث بعث اشقى الأنظمة وهي النظام الأمريكي لإشالة اشقى الرؤساء فقضت على نظام البعثي في العراق واحتلت مكانه ولكن بفضل الله وهمة الشباب الغيارى ما استطاعت ان تصل الى مآربها اللئيمة ولم تتحقق لها الآمال رغماً لما اثارت الفتن في العراق وشنت الدواعش على العراق ليستمد منهم العون للوصول الى مآربها ونرجوا ان نصل الى مرتبة تضطر أمريكا ان تنسحب بنفسها من الأراضي العراقية كلها وتترك العراق لأهلها

فيصبح للعراق دولة مستقلة غنية بمواهب الله واذرع شعبه والى التقدم في جميع المجالات والتآخي مع الجمهورية الإسلامية وسائر الدول الإسلامية المستقلة ان شاء الله.


[6] تفسير بيان الصافي لكلام الله الوافي ج3ص65.
[8] نهج البلاغة خطبة 26.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo