< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/09/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 24-26من سورة الانفال

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ﴿‌وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [1]

هذه المرة الثالثة في سورة الانفال يخاطب الله المؤمنين بقوله: "يا أيها الذين آمنوا"

الاستجابة بمعنى الإجابة وقيل النسبة بينهما اعم مطلق فالاستجابة خاص بما يكون الجواب موافقاً لمطلوب السائل والاجابة هو اعم مما يكون موافقا او مخالفاً فيقال: "اجابه بالرد لما سأله". ولكن موارد استعمالهما واحد بحيث قيل انهما بمعنى واحد. اما ما المراد مما يحييكم؟

قال في مجمع البيان: (﴿إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ﴾ قيل فيه أقوال (أحدها) إن معناه إذا دعاكم إلى الجهاد و اللام في معنى إلى، قال القتيبي هو الشهادة فإن الشهداء أحياء عند الله تعالى، و قال الجبائي أي دعاكم إلى إحياء أمركم و إعزاز دينكم بجهاد عدوكم مع نصر الله إياكم و هو معنى قول الفراء (و ثانيها) إن معناه إذا دعاكم إلى الإيمان فإنه حياة القلب و الكفر موته عن السدي و قيل إلى الحق عن مجاهد (و ثالثها) إن معناه إذا دعاكم إلى القرآن و العلم في الدين لأن الجهل موت و العلم حياة و القرآن سبب الحياة بالعلم و فيه النجاة و العصمة عن قتادة (و رابعها) إن معناه إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة و نعيم الأبد عن أبي مسلم‌)[2]

وذكر في الميزان: آراء المفسرين قريبا بما ذكر في المجمع ثم قال: (وهذه الوجوه المذكورة يقبل كل واحد منها انطباق الآية عليه غير أن الآية كما عرفت مطلقة لا موجب لصرفها عما لها من المعنى الوسيع).[3]

والحق انه لا وجه لحصر المعنى في اور معدودة بل طاعة الرسول تحيي الفرد والمجتمع من جميع الابعاد الدنيوية والاُخروية، كما قال في الأمثل: قال في الأمثل: (فهذه الآية تقول بصراحة: إنّ دعوة الإسلام هي دعوة للعيش و الحياة، الحياة المعنوية، الحياة المادية، الحياة الثقافية، الحياة الاقتصادية، الحياة السياسية، الحياة الأخلاقية و الاجتماعية، و أخيرا الحياة و العيش بالمعنى الصحيح على جميع الأصعدة، و هذه أقصر و أجمع عبارة عن الإسلام و رسالته الخالدة، إذا سأل أحد عن أهداف الإسلام، و ما يمكن أن يقدمه، فنقول جملة قصيرة: إنّ هدفه هو الحياة على جميع الأصعدة، هذا ما يقدمه لنا الإسلام). [4]

فالحياة قد تستعمل ويراد منها الحياة النباتي وورد في عديد من الآيات القرانية بهذا المعنى منها قوله تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾[5]

وقد ترد بمعنى حيات الحيواني منها قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [6]

وقد ترد بمعنى الحيات الإنساني والمعنوي قال تعالى: ﴿أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها﴾ [7] .

وقال ايضاً: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‌ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾[8] .

وقد يطلق على حياة البرزخي قال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [9]

ويطلق على من كان ادراكه نشط ويستسلم للحق قال تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾[10]

بل يطلق الى كل امر نشيط من فالاقتصاد الحي هو اقتصاد مواكب لمقتضيات الأسواق والسياسة الحية هي سياسة تستطيع ان تواجه التحديات وحياة العلم بالتقدم ومواكبة متطلبات العصر والعمل به وحيات التكنولوجيا هو التقدم في الصناعات والاختراعات في هذا المجال وكذلك في الطب وقس على ذلك فعلل وتفعلل.

واهم موارد الحياة التي جاء به الرسول من الله هو الحياة بالمعرفة الصحيحة في المسائل الاعتقادية من التوحيد والنبوة ومعرفة لإنسان وما خلق له وكذلك الالتزام بالأحكام الشرعية والقيم الأخلاقية. والخروج المستمر من الظلمات الى النور كما ورد عن الامام الصادق انه قال:

(من ساوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ومن لم يرى الزيادة في نفسه فهو الى النقصان ومن كان الى النقصان فالموت خير له من الحياة)

المقارنة بين الحياة الدنيا وحياة الآخرة:

فالحياة في الآية المبحوث عنها هي الحياة التي فيه سعادة الانسان وهي التي تستهدف الآخرة وقد نرى في القرآن لمجيد آيات كثيرة تقارن بين استهداف الدنيا واستهداف الآخرة نشير الى نموذج منها:

قال تعالى: ﴿وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾[11]

فاستهداف ما هو لهو ولعب من الحماقة والجهل.

وقال ايضاً: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعَامِ وَ الْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ ﴿قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[12]

فنعيم الدنيا مشحون بالمشاكل والمتاعب وهي سريع الزوال بخلاف نعيم الآخرة فهي خالصة باقية.

وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَ مَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور﴾ِ[13] ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾[14] التأمل في هذه الكريمة يفيدنا عدم لياقة الدنيا للتعلق بها والوصول الى الهدف الاسمى يتطلب الصبر عل المكاره في هذه الدنيا.

وقال تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ [15]

وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾[16] ﴿أُولٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [17]

فهذه الآيات يحذرنا عن استهداف الدنيا فلابد من جعل لدنيا وسيلة للرقي الى آخرة سعيدة.

و قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوَانٌ وَ مَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [18] رسّم الله لنا في هاتين الآيتين فناء الدنيا وزوالها وعدم وفائها ولزوم الشخوص الى الآخرة فهي فضل الله على عباده.

وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُوماً مَدْحُورا﴾ً ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ ﴿كُلاًّ نُمِدُّ هٰؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾[19] ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ [20]

لا يخفى ان هذه الآيات لا تمنعنا عن اعمار الدنيا وإصلاح امورها ولكن لا ينبغي ان نجعلها هدفا ونركن اليها ولكنها قنطرة الآخرة ووسيلة الوصول الى الكمالات الإنسانية فلابد ان تكون مستحكما وعامرا كي تعطي قوة للوصول الى الآخرة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo