< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/07/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 15-17سورى الانفال

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾[1] ﴿وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‌ فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[2] فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‌ وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[3] فی البداية نقف عند بعض مفردات الآية المباركة:

قال فی المجمع: (اللقاء: الاجتماع على وجه المقاربة.

والزحف: الدنو قليلا قليلا و التزاحف التداني يقال زحف يزحف زحفا و أزحفتَ للقوم إذا دنوتَ لقتالهم.

والتولية: جعل الشي‌ء يلي غيره، يقال: ولاّه دبره إذا جعله يليه فهو يتعدى إلى مفعولين و منه ولاه البلد من ولاية الإمارة وتولى هو إذا قبل الولاية وأولاه نعمة لأنه جعلها تليه.

والتحرف: الزوال عن جهة الاستواء إلى جهة الحرف و منه الاحتراف وهو أن يقصد جهة الحرف لطلب الرزق و المحارف المحدود عن جهة الرزق إلى جهة الحرف و منه حروف الهجاء لأنها أطراف الكلمة كحرف الجبل ونحوه.

والتحيز: طلب حيز يتمكن فيه والحيز المكان.

والفئة: القطعة من الناس وهي جماعة منقطعة عن غيرها.

«فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ»: أي احتمل غضب الله و استحقه و قيل رجع بغضب من الله‌) [4]

هذه الآيات الشريفة جائت بعد ما ذكر الله نصرته في غزوة البدر بتفصيل تحليلي في سبعة آيات،

لان المؤمنين بعد ما رؤا عناية الله في نصرتهم لا ينبغي ان يخافوا العدو ويتقاعسوا عن مواجهتهم

فنهى الله تعالى عن الانهزام والفرار من الأعداء وأوجب المقاومة في وجههم،

والظاهر ان استعمال مفردة الزحف كناية عن كثرتهم وأنتم قليلون، فلا ينبغي لكم الفرار من ساحة الحرب، فان الله نصركم في غزوة بدر وهم كانوا اكثر منكم عِدّة وعُدّةً.

فالفرار من الحرب يعدّ في الإسلام من اكبر الذنوب، نعم لابد من رعاية الحكمة والتدبير في امر الحرب مع تقييم المجاهدين من طاقاتهم الجسمية والروحية ففي نفس السورة مرة يقول:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ.الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

ومرة أخرى يقول: ﴿الآن خفف الله عنكم وعلم فيكم ضعفا فان يكن منكم مأة يغلبوا مأتين وان يكن منكم الفاً يغلبوا الفين بإذن الله﴾[5] [6]

ولعل السر في هذا التنازل بيان انكم لو كان ايمانكم قوياً كنتم تستطيعون مواجهة واحد بعشرة ولكن الواقع الموجود ليس كما يليق فالوضع الموجود في المسلمين ليس الا مقابلة واحد بإثنين.

فحرم الله تعالى الفرار من قتال العدو بتاتاً ويستثني منها حالتين وفي الحقيقة هاتين الحالتين من استثناء المنقطع، فالمستثنى ليس تولية الظَهر بقصد الفرار، بل هو استعمال تكنيك للحرب من تغيير جهة الهجوم على العدو او يرى نفسه وحيداً منعزلا عن الجمع لانه تقدم عن أصحابه، فيتخلف للالتحاق بفئة توفر له ظروف مساعدة للقتال، ولذلك تذكر الآية بعدها جزاء من يفرّ من ميدان الحرب مع الإشارة لمن يستثنون منهم فتقول: ﴿وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‌ فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾[7] أي عادوا مغضوبين لله، او أوقعوا انفسهم في غضب الله الا اذا قاموا المقاتلون بتكتيك قتالي إزاء الأعداء، فينحرفون من أمامهم نحو الأطراف ليهجموا عليهم مستغلين غفلتهم في توجيه ضربة قوية إليهم و استخدام فن الهجوم والانسحاب المتتابع، او يرى المقاتل نفسه وحيداً في ساحة القتال، فينسحب للالتحاق بإخوانه المقاتلين وليهجم معهم من جديد على الأعداء في مثل تلك الظروف.

وتختتم الآية محل البحث في بيان جزاء الفارّ من الحرب من عرضة نفسه لغضب اللّه وهو الذي هرب من الحرب خوفاً لجأ و آوى الى جَهَنَّمُ، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

ونتابع بحثنا في الأسبوع القادم حول هذا المقطع من الآيات إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo