< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الفسير الموضوعي/تفسي الآيات الصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 16-108من سورة المائدة

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى‌ وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾[1] ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلى‌ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾[2] ﴿ذلِكَ أَدْنى‌ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى‌ وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾[3]

شأن النّزول:‌

ورد في الأمثل: عن «مجمع البيان» وبعض التفاسير الأخرى في سبب نزول هذه الآيات أنّ أحد المسلمين، ويدعى (ابن أبي مارية) ومعه اخوان مسيحيان من العرب‌ يدعيان (تميم)، (عدي) خرجوا من المدينة للتجارة، و في الطريق مرض (ابن أبي مارية) المسلم، فكتب وصية أخفاها في متاعه، و عهد بمتاعه إلى رفيقيه- النصرانيين- في السفر، و طلب منهما أن يسلماه، إلى أهله، ثمّ مات ففتح النصرانيان متاعه واستوليا على الثمين والنفيس فيه، وسلما الباقي إلى الورثة، وعند ما فتح الورثة متاعه لم يجدا فيه بعض ما كان ابن أبي مارية قد أخذه معه عند سفره وفجأة عثروا على الوصية، و وجدوا فيها ثبتا بكل الأشياء المسروقة، ففاتحوا المسيحيين بالموضوع، فأنكرا و قالا: لقد سلمناكم كل ما سلمه لنا، فشكوا الرجلين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فنزلت هذه الآيات تبيّن حكم القضية. غير أن سبب النّزول المذكور في «الكافي» يقول: إنّهما أنكرا أوّلا وجود متاع آخر، ووصل الأمر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولما لم يكن هناك دليل ضدهما طلب منهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يحلفا اليمين، وبرأهما، ولكن بعد أيّام قليلة ظهر بعض المتاع المسروق عند الرجلين فثبت كذبهما، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فانتظر حتى نزلت الآيات المذكورة، عندئذ أمر أولياء الميت بالقسم، وأخذ الأموال دفعها إليهم.) [4]

المراد من قوله تعالى: ﴿إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ﴾ أي امارات الموت وما يوجب توقع الموت وهو اما مرض يتوقع معه الموت او طول العمر والهرم او سفر خطير او العبور من وادي كثير اللصوص او الحيوانات المفترسة او الصحاري الغفراء وما شابه ذلك كما هذه الأمور كانت تحصل في الاسفار في القديم ولا زال في بعض البلاد غير الآمنة، لان بعد الموت لا يبقى موضوع للوصية، ثم قوله: ﴿اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ خبر لقوله في صدر الآية: ﴿شَهادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ ثم قوله ﴿او من غيركم﴾ قيل المراد خصوص اهل الكتاب وقيل اعم من ذلك ويشمل المشركين أيضا واطلاق الكلام يفيد الثاني وضمير الخطاب في الموارد الأربعة يعود الى ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فالكلام حول المؤمنين.

واما قوله تعالى: ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ هذا المقطع من الآية تبين ظرف الذي اضطروا فيها الى الوصية الى غير المؤمنين والاشهاد عليها وهو الضرب في الأرض أي السفر وفي صدر الكلام تحدث عن حضور الموت أي اماراته، وهنا كلام بعد إصابة الموت وحين أداء الشهادة فالله يرسم ظروفا يكون العبد عندها أقرب الى التقوى والخوف من الله وهو بعد أداء الفريضة وغالبا يكون في الجماعة حيث حضور المصلين.

ثم انه قد يشهد الشاهد بشيء لا يشك فيها المشهود له فيعمل باقتضاء الشهادة وقد يحصل الريبة عند المشهود له وهو قول الله: ﴿تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى‌ وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ قوله: ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ شرط متأخر أي ان كان لكم ريبة في الشهادة وتشكون في صحتها، تحبسونهما الى آخر هذه المقطع من الآية والمقسم عليه هو قوله: لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى‌ وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ وبما ان من مزلة الاقدام الطمع في المال او رعاية القرابة، ولذا يحلفون على عدم الكذب للمال ولو انضم اليه دوافع القرابة. والتأكيد على عهدهم عدم كتمان الشهادة.

ثم يأتي سؤال وهو ما معنى إضافة الشهادة الى الله؟ ذكر في الميزان: وجوه لهذه الإضافة:

الأول: (لأن الواقع يشهده الله سبحانه كما شهده الشاهدان فهو شهادته سبحانه كما هو شهادتهما والله أحق بالملك فهو شهادته تعالى حقا وبالأصالة وشهادتهما تبعا، وقد قال تعالى: ﴿وَكَفى‌ بِاللَّهِ شَهِيداً﴾[5] وقال تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْ‌ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ﴾[6] :.

والثاني: لأن الشهادة حق مجعول لله على عباده يجب عليهم أن يقيموها على وجهها من غير تحريف أو كتمان، وهذا كما يقال: دين الله، فينسب الدين إليه تعالى مع أن العباد هم المتلبسون به،[7]

ثم في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلى‌ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

العثور هو انكشاف واما استحقاق الاثم فقال في الميزان: (والمراد باستحقاق الإثم الاجرام والجناية يقال: استحق الرجل أي أذنب، واستحق فلان إثما على فلان، كناية عن إجرامه وجنايته عليه، ولذا عدي بعلى في قوله تعالى ذيلا: «اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ» أي أجرما وجنيا عليهم بالكذب والخيانة)[8]

والاستحقاق من باب الإستفعال ويستعمل في طلب الشيء فيأتي فيمن يريد ان يجعل الباطل حقاً بخيانته فمعنى استحق الرجل طلب أن يحق وبذلك يثبت على نفسه الإثم أو يستحق العقوبة وفي قوله تعالى: «فَإِنْ عُثِرَ عَلى‌ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً» اشارة الى ما في قولهما في حلفهما: ﴿إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ وهما استحقا اثما خلافا لوعدهم.

نكتفي بهذا المقدار ونكمل بحثنا في الاسبوع القادم ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo