< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الايات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 95 من سورة المائدة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[1]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ قال في المجمع: (معناه احفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي والإصرار على الذنوب عن الفراء وغيره وقيل معناه ألزموا أمر أنفسكم فإنما ألزمكم الله أمرها عن الزجاج وهذا موافق لما روي عن ابن عباس أن معناه أطيعوا أمري واحفظوا وصيتي) [2]

﴿لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ هذه الآية تطمِّن المؤمنين بانكم مادام تكونوا على هداية الله لا يضركم ضلالة الآخرين سواء كانوا من أقربائكم النسبي او السببي او مواطنيكم او من غيرهم.

هناك شبهة تطرح نفسها وهي: كيف يمكن الجمع بين هذه الآية والآيات التي تدعوا الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و وجوب دعوة الآخرين الى الخير ووقايتهم عن نار جهنم والشعور بالمسؤولية تجاه أبناء المجمع الذي نعيش بينهم ذكر في المجمع اقوال بعض القدماء من المفسرين فقال: (هل تدل هذه الآية على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

وجوابه: أن في هذا وجوهاً:

(أحدها) أن الآية لا تدل على ذلك بل توجب أن المطيع لربه لا يؤاخذ بذنوب العاصي (وثانيها) إن الاقتصار على الاهتداء باتباع أمر الله إنما يجوز في حال التقية أو حال لا يجوز تأثير إنكاره فيها أو يتعلق بإنكاره مفسدة، وروي أن أبا ثعلبة سأل رسول الله (ص) عن هذه الآية؟ فقال: "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت دنيا مؤثرة وشحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك وذر الناس وعوامهم‌".

(وثالثها) إن هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لأن الله تعالى خاطب بها المؤمنين فقال: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ يعني عليكم أهل دينكم، كما قال: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ لا يضركم من ضل من الكفار وهذا قول ابن عباس في رواية عطا عنه قال: يريد يعظ بعضكم بعضاً وينهى بعضكم بعضاً ويُعلّمُ بعضكم بعضاً، ما يقرّبه إلى الله ويبعّده من الشيطان ولا يضركم من ضل من المشركين والمنافقين وأهل الكتاب)

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد برء ذمته ولا يضرّه ضلالة الآخرين فالهداية المذكرة في هذه الآية تشمل العقيدة والعمل فاذا كان سليم العقيدة ولم يقصر قيما يجب عليه لربه فهو مصون عن اصابته بأضرار الآخرين.

ثم قال: ﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ أي كل نفس لابد وان تعود الى الله وهو عالم بكل شيء ومنها اعمال عباده ونياتهم ودوافعهم ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فيجازي كل فرد بما يستوجب من اعماله في هذه الدنيا بل يرى اعماله بأمّ عينه. فهذه الآية المباركة مبشرة ومنذرة فهي داعية للأعمال الصالحة ومنها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وارشاد الجاهل وتنبيه الغافل. فما ورد بأنّ الله يعذب الأطفال بذنوب الآباء ويعذب الميت ببكاء الحي. لا يمكن الإقرار بظاهره فهي اما كلمات موضوعة واما تأول بمعنى صحيح بان نقول مثلا ان الأولاد عند ما يكبروا ينحرفون عن الحق ويرتكبون المعاصي لتقصير الآباء في تربيتهم من دون اين يكونوا مضطرين بفعل الشر وانما عندهم الدوافع الى الشر من غي اجبار، والميت بسبب التقصير في تربية أهلهم صاروا سببا لجزع الاهل والشكوى من الله فيعذبون لهذا التقصير.

في هذه الآية الكريمة نقطة هامة جدا تتطلب الوقوف عندها وهي الدعوة الى الاهتمام بالنفس فنحن مسؤولون عنها وتربيتها واستكمالها اهم الواجبات عندنا والتقصير في شأنها واهمال امرها أكبر معصية تصدر منّا قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ﴾[3] فأوجب الله النظر في النفس بما يعطيها من الكمالات وانساء النفس واهمالها اكبر جريمة يوجب الشقاء. وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[4] فالله تعالى رسم طريقا امام النفس لتصل الى الهدف المنشود فمن مال الى اليمين واليسار وانحرف عن الطريق يقع في اودية مهلكة ولكن الله ما ترك عباده بل جعل ملاجئا و مصاعد ليُخرج نفسه عما وقع فيه من المخاذي فقال لرسوله ص: ولو ارتكبوا المعاصي الكبيرة فقال: ﴿وَ إذا سَألَكَ عِبادِي عَنّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[5] : واكد على عبيده انه دائما بين الخيارين فقال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها﴾[6] . وقد قارن بين المهتدي والضال فقال: ﴿أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها﴾[7]

وعشرات من الآيات تصب في هذه المعاني وتتعلق بالنفس والجهات والابعاد المختلفة المتكثرة التي فيها. كما ان العرفاء قالوا في تعريف النفس (النفس في وحدتها كل القوى)

وهنا نتبرك بحديث يعرض علينا مراقي النفس رواه المجلسي في البحار، عن إرشاد الديلمي ومن جملة ما فيه: «فمن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال: أعرفه شكرا لا يخالطه الجهل- وذكرا لا يخالطه النسيان، ومحبّة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين. فإذا أحبني أحببته، وأفتح عين قلبه إلى جلالي، ولا أخفي عليه خاصة خلقي، وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار- حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، وأسمعه كلامي وكلام ملائكتي، وأعرفه السر الذي سترته عن خلقي، وألبسه الحياء حتى يستحيي منه الخلق كلهم، ويمشي على الأرض مغفورا له، وأجعل قلبه واعيا وبصيرا، ولا أخفي عليه شيئا من جنة ولا نار، وأعرّفه ما يمرّ على الناس في القيامة من الهول والشدة، وما أحاسب به الأغنياء والفقراء- والجهال والعلماء، وأنومه في قبره وأنزل عليه منكرا ونكيرا حتى يسألاه، ولا يرى غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع، ثم أنصب له ميزانه وأنشر ديوانه، ثم أضع كتابه في يمينه فيقرؤه منشورا- ثم لا أجعل بيني و بينه ترجمانا، فهذه صفات المحبين".[8]

هنا اود ان اذكر لكم كلمات قصار عن مولانا امير المؤمنين عليه السلام حول النفس من كتاب غرر الحكم و درر الكلم للآمدي: عن علي (ع):

قال: العارف من عرف نفسه فأعتقها ونزهها عن كل ما يبعدها.

وقال: أعظم الجهل جهل الإنسان أمر نفسه.

وقال: أعظم الحكمة معرفة الإنسان نفسه.

وقال: أكثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه.

وقال: أفضل العقل معرفة المرء بنفسه فمن عرف نفسه عقل، ومن جهلها ضل.

وقال: عجبت لمن ينشد ضالته، وقد أضل نفسه فلا يطلبها.

وقال: عجبت لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه.

وقال: غاية المعرفة أن يعرف المرء نفسه.

وقال: كيف يعرف غيره من يجهل نفسه.

وقال: كفى بالمرء معرفة أن يعرف نفسه، وكفى بالمرء جهلا أن يجهل نفسه.

وقال: من عرف نفسه تجرد.

وقال: من عرف نفسه جاهدها و من جهل نفسه أهملها.

وقال: من عرف نفسه جل أمره.

وقال: من عرف نفسه كان لغيره أعرف- ومن جهل نفسه كان بغيره أجهل.

وقال: من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة وعلم.

وقال: من لم يعرف نفسه بعد عن سبيل النجاة، وخبط في الضلال والجهالات.

وقال: معرفة النفس أنفع المعارف.

وقال: نال الفوز الأكبر من ظفر بمعرفة النفس.

وقال: لا تجهل نفسك فإن الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شي‌ء.

وللعلامة الطباطبائي رضوان الله عليه بحث مفصل عميق مفيد حول النفس من يرغب يمكن ان يراجع الى تفسير الميزان مجلد السادس ص 162 ونحن نكتفي بهذا المقدار وفقنا الله لتربية نفوسنا وتعليتها في مراقي الكمال حتى يقال لنا حين الموت: ﴿يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي﴾


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo