< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين أمنوا /تفسير الآيات 101-102 من سورة المائدة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾[1] ﴿قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ﴾[2]

ورد في شأن نزول هذه الآية وجوه قال في المجمع ‌: (فقيل: سأل الناس رسول الله (ص) حتى أحفوه بالمسألة فقام مغضبا خطيبا فقال سلوني فو الله لا تسألوني عن شي‌ء إلا بينته لكم فقام رجل من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة و كان يطعن في نسبه فقال: يا نبي الله من أبي؟ فقال: أبوك حذافة بن قيس فقام إليه رجل آخر فقال: يا رسول الله أين أبي؟ فقال في النار، فقام عمر بن الخطاب و قبّل رِجلَ رسول الله (ص) و قال: إنّا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية و شرك، فاعْف عنّا عفا الله عنك، فسكن غضبه، فقال: أما والذي نفسي بيده لقد صوِّرت لي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر، عن الزهري و قتادة عن أنس.‌

وقيل: كان قوم يسألون رسول الله (ص) استهزاء مرة وامتحانا مرة فيقول له بعضهم من أبي؟ ويقول الآخر أين أبي؟ ويقول الآخر: إذا ضلت ناقته أين ناقتي؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية عن ابن عبا

وقيل‌: خطب رسول الله (ص) فقال: "إن الله كتب عليكم الحج، فقام عكاشة بن محصن، وقيل سراقة بن مالك فقال: أ في كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا، فقال: رسول الله: "ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم، والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم، فاتركوني كما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شي‌ء فاجتنبوه" عن علي بن أبي طالب (ع) وأبي أمامة الباهلي.

وقيل: نزلت حين سألوا رسول الله (ص) عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي عن مجاهد.[3]

ينبغي ألا يظن أحد بأن سبب نزول هاتين الآيتين، يعني المنع ن السؤال واغلاق أبواب السؤال والتفهم للامة، لأنّ القرآن في كثير من آياته يأمر الناس بالسؤال والتعلم والفحص عن بعض الحقائق كما امر بالرجوع إلى أصحاب الخبرة في فهم الأمور:﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[4]

ولا شك أنّ السّؤال مفتاح المعرفة، ولذلك من قلّت أسئلته قلت معرفته، وفي القرآن وفي روايات كثيرة نجد تأكيد على الناس أن يسألوا عمّا لا يعرفون، فالمقصود في هذه الآية هو النهي عن الأسئلة التافهة والتحجج، والإلحاح المؤدي غالبا إلى تشويش أفكار الناس واللجاج و السؤال للفرار عن الامتثال. فان لكن لكل قاعدة استثناء، ولهذا المبدأ التربوي استثناءاته أيضا:

منها: السؤال عن امور يكون إخفاؤها أفضل لحفظ النظام الاجتماعي ولمصلحة أفراد المجتمع، ففي أمثال هذه الحالات يكون الإلحاح في السؤال والسعي لكشف النقاب عن حقيقتها غير جائز بل يعتبر بعيدا عن الفضيلة، فهو مذموم كالأسرار العسكرية والسياسية التي لو كشفت يسد الطريق عن متابعة مصالحها بل قد يكون سببا لاستغلال الأعداء في تخريب أمور المسلمين او ما اذا ينتهي السؤال عن فضيحة مؤمن محترم.

ومنها: ما نرى من كتمان الأطباء حقيقة بعض الأمراض الصعبة عن المريض لان لا يفقد معنوياته و لا يتسرع في شدة مرضه للخوف الحاصل عند المريض و يأسه عن البُرء والشفاء، وانما يخبرون بحقيقة مرضه لبعض اقربائه كب يراعوا حاله بما هو اصلح، فعلى‌ المريض أنّ لا يلح في السؤال على طبيبه العطوف، لأنّ هذا الإلحاح قد يحرج الطبيب، فيصرّح للمريض بما لا ينبغي أنّ يصارحه به تخلصا من هذا الإصرار و اللجاج، كما ان لاهل المريض أيضا لا يصروا على السؤال في حضور المريض. وهناك مصاديق كثيرة لما لا ينبغي السؤال عندها.

كما ان انكشاف نقاط ضعف الناس يضرّ بالتعاون فيما بينهم فقد يكون امرؤ ذو شخصية مؤثرة قد ولد في عائلة واطئة ومنحطة، وإذا انكشف هذا فقد تتزلزل آثاره الوجودية في المجتمع، لذلك ينبغي على الناس ألا يلحوا في السؤال والتفتيش عن احواله العائلي.

والقرآن في هذه الآية يشير إلى الموضوع نفسه ويقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.﴾

ولكن إلحاح بعض الناس بالسؤال من جهة، وعدم الإجابة على أسئلتهم من جهة أخرى، قد يثير الشكوك والريب عند الآخرين بحيث يؤدي الأمر إلى مفاسد أكثر، لذلك تقول الآية: ﴿وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ لأنه لا محيص عن الجواب للإحراج الحاصل عند المسؤول عنه.

أمّا قصر افشائها على وقت نزول القرآن، فذلك لأنّ تلك التساؤلات كانت متعلقة بمسائل ينبغي أن تنزل أجوبتها عن طريق الوحي.

في مقطع الأخير قال تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. بيان لان ما اخفاه الله لم يكن عن غفلة او نسيان من الله عزوجل بل لم يكلفكم بها رحمة منه فهو غفور رحيم بعباده فالتكاليف تكون دون طاقة العباد بكثير.

من الأمور الذي يكون سببا لعدم تكليف العباد بما لهم فيه مصلحة عدم استعدادهم للقبول والامتثال والآية التي بعدها تؤكّد على هذه الحقيقة، وتبيّن أنّ أقواما سابقين كانت لهم أسئلة كهذه، وبعد أن سمعوا أجوبتها خالفوها وعصوا: ﴿قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ﴾.

قال في الأمثل: (وللمفسّرين أقوال مختلفة بشأن تلك الأقوام، منهم من ذهب إلى أن الأمر يخص تلامذة عيسى عليه السّلام عند ما طلبوا مائدة من السماء، فعند ما تحقق لهم ما أرادوا عصوا، ويقول بعض: إنّها حكاية مطالبة النّبي صالح عليه السّلام بمعجزة، ولكن الظاهر أن هذه الاحتمالات بعيدة عن الصواب، لأنّ الآية تتحدث عن «سؤال» عن مجهول يراد الكشف عنه، لا عن «طلب» شي‌ء، ولعل استعمال كلمة «سؤال» في كلا الحالين هو سبب هذا الخطأ).[5]

ويحتمل ان نعتبر من تلك الأقوام بني إسرائيل اذ امرهم الله ان يذبحوا بقرة للكشف عن مجرم قتل رجلا منهم، فلم يستسلموا للإمتثال استغرابا للمأمور به فسألوا عن خصوصيات البقرة بينما اطلاق الكلام في بدء الامر يشمل أي بقرة أرادوا ان يذبحوها و لكنّهم بأسئلتهم المتكررة التي لم تكن ضرورية أخذوا يشقون على أنفسهم، بحيث أن العثور على تلك البقرة الموصوفة أصبح من الصعوبة بمكان و تحملوا الكثير من النفقات في سبيل ذلك، حتى كادوا أن ينصرفوا عن التنفيذ.

ان المفسرين ذكروا احتمالان في المراد من قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَ صْبَحُوا بِها كافِرِينَ﴾:

الأوّل: أنّ المراد من الكفر هنا العصيان، وعدم الامتثال.

والثّاني: معناه المعروف، أي خرجوا عن الدين وانكروا صدق الرسول في مقاله لثقل احسّوا به في تنفيذ الامر بعد تشدده من خلال إثر اسئلتهم.

وعلى كل حال لابد في السؤال رعاية الحكمة وان يكون بداعي الاستيضاح للعمل لا تعنتاً وتهرّباً من الامتثال وإذا امرهم المولى بشيء ولم يأت لأمره قيد فعليهم ان يأخذوه بإطلاقه من دون تشكيك و تعويق.

وعلى كل حال الاسئلة التي التي لا ينبغي عرضها كثيرة يستكشف لنا من تحري مواردها ما يستفاد من العرف والشرع فنحن نكتفي بهذا المقدار من البحث وعلى من يرغب، التعمق في فهم الآية واستخراج مصاديقها شكر الله سعيه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo