< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تسير الآيات 94-96 من سورة المائدة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى‌ بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ﴾[1] ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾[2]

قد تناولنا في الاسبوع الماضي الآية الأولى من هذا المقطع من سورة المائدة. وفيها لم تكن صراحة في منع الصيد واما يستفاد المنع من ان موضوع البلاء هو الصيد وتوعيد العذاب لمن اعتدى فيفوح منها ان المراد الاعتداء على الصيد.

الآية التي تليها تنهى صراحة عن الصيد في حال الاحرام وبيّنت غرامة التي يجب ان يتحملها الذي قام بعملية الصيد لتكون كفارة عن تلك الجريمة، فخاطب المسلمين مرة أخرى للتنبيه والاهتمام بالنهي الذي وجهه إليهم فقال: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ فبيّن حرمة الصيد في حال الاحرام.

هناك خلاف بين فقهاء المسلمين من ان هذا التحريم يشمل جميع الحيوانات البرية او خاص بمحللة الاكل؟ إطلاق الآية والروايات التي وردت من طريق اهل البيت عليهم السلام حول هذه الآية المباركة تفيد شمولها لجميع الحيوانات، ولكن نسب الى الشافعي تخصيص حرمة الصيد بمحللة الأكل ولا أدري هل عنده روايات تدل على هذا التخصيص، او كان اجتهاد منه، ولعلّ وجه اجتهاده ان الحيوانات المستهدفة للصيد انما هي من محللة الاكل، لغرض الاستفادة من لحومها فينصرف الصيد الى تلك الحيوانات. ولكن يناقش في هذا التبرير بان قتل سائر الحيوانات أيضا كانت رائجة للاستفادة من شعرها ووبرها وجلدها او القتل للعبة بها.

لا يخفى ان هذا الحكم لا يشمل الحيوانات الأهلية فان الصيد لغة لا يصدق الا على حيوان وحشي ممتنع، سواء فيها الطيور او الحيوانات التي تمشي على أربع والحيوانات الزاحفة. ولذا لا إشكال في ذبح الأغنام والأبقار والجمال التي يحملونها معهم او يشترونها من أسواق المنطقة.

ان هذه الآية بعد المنع الصريح تبيّن غرامة التي تتعلق بمرتكب الصيد فتقول: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾

فهل المقصود من «مثل» هو التماثل في الهيئة والحجم أي إذا قتل أحد حيوانا وحشيا كبيرا مثل النعامة- مثلا- فهل يجب عليه أنّ يختار الكفارة من الحيوانات الكبيرة، كالبعير مثلا أو إذا صاد غزالا، فهل كفارته تكون شاة تقاربه في الحجم والشكل؟ أو أنّ المراد من ال«مثل» هو التماثل في القيمة؟

إنّ مشهور الفقهاء والمفسّرين يرون انّ المراد من التماثل هو التماثل من حيث الحجم والهيئة، والآية ظاهر في هذا المعنى، مضافا الى ان الحيوانات الوحشية ليس لها سعر مضبوط كي تقارن بين القيمتين. والروايات ايضاً ناطقة بهذا المعنى: فقد ورد فِي تَفْسِيرِ الْعَيَّاشِيِّ: عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ قَالَ: "مَنْ أَصَابَ نَعَامَةً فَبَدَنَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ حِمَاراً أَوْ شِبْهَهُ فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ ظَبْياً فَعَلَيْهِ شَاةٌ"[3] .

ثم لم تكتف بأداء الدين الا جهاراً وبمحضر عدلين قال تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ ولعل الله عين الحَكَمَ لأنْ لا يتهاون في أداء هذه الكفارة بدقة كاملة، ويُشْهَرُ لعمله المنكر، ثم عين مكان الذبح وهو قوله تعالى: ﴿هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ كناية عن المكة المكرمة التي هي مكان لكفارات المحرم بالعمرة. لانّ حرمة تنجيس المسجد من المسلمات في الشريعة.

ثمّ يضيف أنّه ليس ضروريا أنّ تكون الكفارة بصورة الأضحية، بل يمكن الاستعاضة عنها بواحد من اثنين آخرين: ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ وأَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً﴾.

مع أنّ الآية لا تذكر عدد المساكين الذين يجب إطعامهم، ولا عدد الأيّام التي يجب أنّ تصام، فإن اقتران الاثنين معا من جهة، والتصريح بلزوم الموازنة في الصيام، يدل على أنّ المقصود ليس إطلاق عدد المساكين الذين يجب إطعامهم بحسب رغبته، بل المقصود تحديد ذلك بمقدار قيمة الأضحية.

أمّا كيف يتمّ التوازن بين الصيام وإطعام المسكين، فيستفاد من بعض الرّوايات أنّ مقابل كلّ «مدّ» من الطعام يصوم يوما واحدا، ويستفاد من روايات أخرى أنّه يصوم يوما واحدا في مقابل كلّ «مدّين» من الطعام، وهذا يعود في الواقع إلى أن الذي لا يستطيع صوم رمضان يكفّر عن كل يوم منه بمدّ واحد أو بمدّين اثنين من الطعام للمحتاجين.

أمّا إذا ارتكب محرم صيدا فهل له أن يختار أيّا من هذه الكفارات الثلاث، أو أنّ عليه أن يختار بالترتيب واحدة منها، أي الذبيحة أوّلا، فإن لم يستطع فإطعام المسكين، فإنّ لم يستطع فالصيام، والفقهاء مختلفون في هذا، ولكن ظاهر الآية يدل على حرية الاختيار.

إنّ الهدف من هذه الكفارات هو ﴿لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ﴾. ثمّ قال تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾. قيل ان هذا العفو تحقيق لما لم يكن لأي حكم أثر رجعي يعود إلى الماضي، ويمكن ان يقال: بالنسبة الى احكام التكليفية هذذا امر مقبول ولكن الاحكام الوضعية تابعة لإرادة الواضع فكان لله ان يضع على من صاد اضحية ولو لم يكن عاصيا كما ان بعض كفارات الاحرام تتعلق بالمعذور أيضا ككفارة ستر الراس للمريض وغيرها من الكفارات ولكن في مورد الصيد تفضل الله بلطفه على العباد وعفى عن كفارة الصيد ما تم قبل نزول الآية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo