< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الفسیر الموضوعی/الآیات المصدرة بیا ایها الذین آمنوا /تفسیر الآیات 90-91

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[1] ﴿إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾[2]

قبل الورود في دراسة الآية نقف عند بعض مفرداتها فإليك ملخص ما ورد في المجمع:

(الخمر عصير العنب المشتد وهو العصير الذي يسكر كثيره وسمي خمرا لأنها بالسكر تغطي على العقل وأصله في الباب التغطية من قولهم خمرت الإناء إذا غطيته ودخل في خمار الناس إذا خفي فيما بينهم.

والميسر القمار كله، من تيسير أمر الجزور بالاجتماع على القمار فيه وأصله من اليسر خلاف العسر وسميت اليد اليسرى تفاؤلا بتيسير العمل بها وقيل لأنها تٌعين اليد اليمني فيكون العمل أيسر. و الأنصاب الأصنام واحدها نصب وسمي ذلك لأنها كانت تنصب للعبادة لها والانتصاب القيام ومنه النَصَب التعب عن العمل الذي ينتصب له ونصاب السكين لأنه ينصب فيه ومناصبة العدو الانتصاب لعداوته.

والأزلام القداح وهي سهام كانوا يجيلونها للقمار وقد ذكرنا ما قيل فيها في أول السورة

قال الزجاج الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر و الرجس بفتح الراء شدة الصوت يقال رعد رجاس شديد الصوت فكان الرجس الذي يقبح ذكره و يرتفع في القبح).[3]

اما شأن نزول الآیة جاء في تفسير «الدر المنثور» عن سعد بن أبي وقاص أنّه قال: إنّ هذه الآية قد نزلت بشأني، كان أنصاري قد أعد طعاما دعانا إليه مع جمع من الناس، فتناولوا الطعام و شربوا الخمر، و كان هذا قبل تحريمها في الإسلام، و عند ما صعدت النشوة إلى رؤوسهم أخذوا يتفاخرون و ارتفع بينهم الكلام شيئا فشيئا حتى وصل الأمر بأحدهم أن تناول عظم بعير فضربني به على أنفي فشجه فقمت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حكيت له ما جرى، فنزلت الآية المذكورة.

وورد في «مسند أحمد» و «سنن أبي داود» و «النسائي» و «الترمذي» أنّ عمر كان يدعو اللّه أن ينزل حكما واضحا في الخمر، وعند ما نزلت الآية (219) من سورة البقرة ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ ..﴾ قرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،علیه، ولكنّه ظل يكرر دعاءه و يطلب مزيداً من التوضيح حتى نزلت الآية (43) من سورة النساء: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‌﴾ فقرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا، غير أنّه استمر في دعاءه، حتى نزلت الآية التي نحن بصددها موضحة الحكم بشكل كامل، و عند ما قرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عمر، فقال: انتهينا انتهينا) [4]

مراحل تحریم الخمر: بما ان مکافحة شرب الخمر یحتاج الد حکومة قائمة لم یتصدی الاسلام بمنع شربه قبل الهجرة ثم بعد ما هاجر رسول الله الد المدینة المنورة واقام الحکومة الاسلامیة بدعوة اهلها بدء بمنع شرب الخمر ولکن تدرّجاً لانّ العرب فی الجزیرة قد راج فیهم عمل الخمر وشربها بصورة رهیبة فالحکمة دعت الی ان لا یفاجئهم الاسلام بمنع الشرب من دون تهیئة لا بمعنی احل لهم فی زمان ثم نسخ حکم الحلیة وجعل مکانها التحریم بل سکن عن الحکم کما بالنسبة الی بقیة الاحکام کان هکذا، فکان وظیفة المسلمین ان یطیعوا حکم العقل والاحکام التی ورثوها من الشرائع السابقة، فان کثیراً من المحرمات والواجبات من الأحکام العقلیة کقبح الظلم والتجاوز علی حقوق الآخرین و قبح الکذب و خلف الوعد ونقض العهود و رعایة العفة وغیرها.

فقام بمشروع تحریم الخمر فی مراحل:

اولاً: فی سورة النحل قال تعالی: ﴿وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً﴾.[5]

فجعل سَکَراً ای مسکراً فی قبال رزقاً حسناً اشارة الی عدم حسنه فعرف بعض الناس ان الخمر لیس مطلوبا ومستحسنا عند الله ربهم فامتنعوا عن شربه.

ثانیاً: انزل الله سورة البقرة قوله: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما﴾[6] .

وهذه الآیة ایضا لم تمنع من شرب الخمر صراحة وانما ذکر لهما اثما کبیراً ومنافع للناس ثم قارن بین النفع والاثم فجعل الاثم اکبر من النفع الذی لعله هو الانتفاع فی التجارة.

فترک کثیر من الناس المتدینین تعاطی شرب الخمر رعایة للابتعاد عن الاثم.

ثالثاً: نزل قوله تعالی: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‌ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُون﴾[7]

ایضا جمع آخر التحقوا برکب الممتنعین السابقین او قللوا الشرب حتی لم تصادف صلواتهم مع السکر وتکون صلاتهم فی حالة الافاقة الکاملة وبعضهم ترکوا الخمر لاستشمامهم خباثة الخمر لما احسوا من عدم تلائم الخمر مع الصلاة وقداستها.

رابعاً: نزل قوله تعالی: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[8] فهاتین الآبتین رفعتا القناع عن حرمة الخمر صراحتاً فورد فیهما نهیا باتاً، حیث بدأت الآیة الاولی بتلطف فی الخطاب ثم جاء بانما للحصر ثم اردف شرب الخمر بالمیسر والانصاب والازلام لبیان قباحته ثم سماه الرجس ثم اعتبره من عمل الشیطان ثم امر بالاجتناب ثم علق الفلاح علی الاجتناب ثم فی الآیة التی تلیها قال: ﴿إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾[9] المفروض ان المخاطب بهذه آیة هم المؤمنون فبدء باداة الحصر لحصر آثاره فیما یلی: اولاً: ان هذا ارادة الشیطان الذی لا یرید بالعبد الا الشر، ثانیاً: اراد الشیطان ایقاع العداوة والبغضاء بین المؤمنین بواسطة الخمر والمیسر وصدٌّهم عن ذکر الله الذی قوام الایمان به، ثالثاً: اراد الشیطان ان یصد عن الصلاة التی هی عمود الدین ثم وجه استفهام انکاری الی المؤمنین للانتهاء عنه.

ولعلنا لا نجد فی القرآن نهیا بهذه الشدة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo