< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بياايها الذين آمنوا /تفسير الآية 87-88 من سورة المائدة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[1] ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾[2]

ورد في شأن نزول هذه الآية في مجمع البيان انه: (قال المفسرون‌ جلس رسول الله يوما فذكر الناس و وصف القيامة فرقّ الناس و بكوا و اجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي و هم علي و أبو بكر و عبد الله بن مسعود و أبو ذر الغفاري و سالم مولى أبي حذيفة و عبد الله بن عمر و المقداد بن الأسود الكندي و سلمان الفارسي و معقل بن مقرن، و اتفقوا على أن يصوموا النهار و يقوموا الليل و لا يناموا على الفرش و لا يأكلوا اللحم و لا الودك و لا يقربوا النساء و الطيب و يلبسوا المسوح و يرفضوا الدنيا و يسيحوا في الأرض و همّ بعضهم أن يجُبّ مذاكيره،

فبلغ ذلك رسول الله ص فأتى دار عثمان فلم يصادفه فقال: لإمرأته أم حكيم بنت أبي أمية و اسمها حولاء و كانت عطارة: أ حقٌ ما بلغني عن زوجك و أصحابه؟ فكرهت أن تكذب رسول الله ص و كرهت أن تبدي على زوجها، فقالت: يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك، فانصرف رسول الله، فلما دخل عثمان أخبرته بذلك، فأتى رسول الله ص هو و أصحابه فقال لهم رسول الله: ألم أنبئكم أنكم اتفقتم على كذا و كذا؟ قالوا بلى يا رسول الله ص و ما أردنا إلا الخير، فقال رسول الله: إني لم أومر بذلك، ثم قال: إنّ لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا و أفطروا و قوموا و ناموا فإني أقوم و أنام و أصوم و أفطر و آكل اللحم و الدسم و آتي النساء و من رغب عن سنتي فليس مني، ثم جمع الناس و خطبهم وقال: ما بال أقوام حرّموا النساء و الطعام و الطيب و النوم و شهوات الدنيا، أما إنّي لست آمركم أن تكونوا قسيسين و رهبانا، فإنه ليس في ديني ترك اللحم و لا النساء و لا اتخاذ الصوامع، وإنّ سياحة أمتي الصوم و رهبانيتهم الجهاد، اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئاً وحجّوا و اعتمروا و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و صوموا رمضان و استقيموا يستقم لكم، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات و الصوامع فأنزل الله) الآية [3]

لا یخفى ان ما ذكره في المجمع من شأن النزول ليس له مستند معتبر وحتى صاحب المجمع انما ذكره كنقل من جمع غير معتنى بشأنهم ولم يسنده الى مصادر معتمدة وفي مقابل هذا القول ما ورد في تفسير علي بن إبراهيم وغيره من المفسرين فقد ورد فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (وَ أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ بِلَالٍ وَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَأَمَّا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنَامَ بِاللَّيْلِ أَبَداً وَ أَمَّا بِلَالٌ فَإِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بِالنَّهَارِ أَبَداً، وَ أَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَإِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْكِحَ أَبَداً، فَدَخَلْتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ عَلَى عَائِشَةَ وَ كَانَتِ امْرَأَةً جَمِيلَةً، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا لِي أَرَاكِ مُتَعَطِّلَةً؟ فَقَالَتْ: وَ لِمَنْ أَتَزَيَّنُ؟ فَوَاللَّهِ مَا قَرَبَنِي زَوْجِي مُنْذُ كَذَا وَ كَذَا فَإِنَّهُ قَدْ تَرَهَّبَ وَ لَبِسَ الْمُسُوحَ وَزَهِدَ فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّادَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ فَنَادَى: الصَّلَوةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الطَّيِّبَاتِ، أَلَا إِنِّي أَنَامُ اللَّيْلَ وَأَنْكِحُ وَأُفْطِرُ بِالنَّهَارِ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ حَلَفْنَا عَلَى ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ﴾ الْآيَةَ.[4] هذه المقالة أيضا سندها مرسل ليس بحجة ولكن اقرب من الوجه الأول الى الاعتبار وقد أشار اليه صاحب المجمع ايضاً فالشيء الذي يهمنا هو نص الآية الكريمة بمضمونها البنّاء حيث نهانا عن تحريم الطيبات المحللة.

ذكر في المجمع في المراد من قوله تعالى: ﴿لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ خمس احتمالات:

(منها: أن يريد لا تعتقدوا تحريمها، ومنها: أن يريد لا تظهروا تحريمها، ومنها: أن يريد لا تحرموها على غيركم بالفتوى و الحكم، و منها: أن يريد لا تجروها مجرى المحرمات في شدة الاجتناب، و منها: أن يريد لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين، فوجب حمل الآية على جميع هذه الوجوه.

و في المراد من قوله تعالى ذكر وجهين فقال: ﴿وَ لا تَعْتَدُوا﴾ أي لا تتعدوا حدود الله و أحكامه و قيل معناه لا تًجُبّوا أنفسكم، فسمي الخصاء اعتداء عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الأول أعم فائدة ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ معناه يبغضهم و يريد الانتقام منهم‌)[5]

علی کل حال الامر الذی یستفاد من هذه الآیة المبارکة انه ینبغی رعاية الاعتدال في كل شيء

وان الاسلام مخالف مع ترک الدنیا وملذاتها:

و قد روي أن النبي ص كان يأكل الدجاج و الفالوذج و كان يعجبه الحلواء الحلال و قال إن المؤمن حلو يحب الحلاوة و قال إن في بطن المؤمن زاوية لا يملؤها إلا الحلواء.[6]

و روي أن الحسن كان يأكل الفالوذج فدخل عليه فرقد السبخي فقال: يا فرقد ما تقول في هذا؟ فقال فرقد لا آكله و لا أحب أكله، فأقبل الحسن على غيره كالمتعجب و قال لعاب النحل بلباب البر مع سمن البقر هل يعيبه مسلم؟.

و روی الباقر عليه السّلام انه: «كان يطعم الناس خبز البر و اللحم، و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير والزيت والخل».

وفی روایة ان سفيان الثوري في المسجد الحرام رأى أبا عبد اللّه عليه السّلام و عليه ثياب كثيرة القيمة حسان، فقال: و اللّه لآتينه ولاُوبّخنّه. فدنا منه، فقال: يا بن رسول اللّه، واللّه ما لبس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مثل هذا اللباس، ولا علي، ولا واحد من آبائك! فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: "كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في زمان قتر مقتر، وكان يأخذ لقتره وإقتاره، وإن الدنيا بعد ذلك أرخت عزاليها، فأحق أهلها بها أبرارها». ثم قال: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ الطَّيِّبٰاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ فنحن أحقّ من أخذ منها ما أعطاه الله.غير أني يا ثوري، مع ما ترى عليّ من ثوب فإنّما لبسته للناس، ثم اجتذب يد سفيان فجرّها إليه، ثمّ رفع الثوب الأعلى و أخرج ثوبا تحت ذلك على جلده غليظا، فقال: «هذا لبسته لنفسي"،

وما ورد فی نهج البلاغة: "إن أمير المؤمنين عليه السّلام دخل على العلاء بن زياد يعوده في مرضه، فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم‌ابن زياد. قال: «ما باله؟» قال: لبس العباء و تخلى عن الدنيا، فقال علي عليه السّلام: «عليّ به». فلمّا جاء قال: «يا عديّ نفسك، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك و ولدك، أ ترى الله أحلّ لك الطيبات و هو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك». قال: يا أمير المؤمنين، ها أنت في خشونة الملبس و جشوبة مأكلك؟ قال: «ويحك، إني لست كأنت، إن الله فرض على أئمة المسلمين أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس؛ كي لا يتبيّغ الفقير بفقره».

في (الكافي) بسنده عن ابن أبي يعفور قال: قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّا لنطلب الدنيا و نحب أن نؤتاها. فقال: «تحب أن تصنع بها ما ذا؟». قال: أعوذ بها على نفسي و عيالي، و أصل بها و أتصدّق و أحج و أعتمر. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ليس هذ طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة».[7]

والذي نستفيد من تعاليم الإسلام و سيرة اهل البيت عليهم السلام هو ان لا نترك الدنيا بل علينا ان لا نركن على الدنيا ولا نكون اسيرا لها "فليس الزهد ان لا تملك شيئاً بل الزهد ان لا تملكك شيئٌ"

كما نرى عبيد الدنيا والمغترين بها تجرّهم الدنيا الى ما لا تحمد عقباه فهم اشقياء في الدنيا واشقياء في الآخرة وأخيرا أوجه انتباهكم بنموذج ممن ركن على الدنيا ويئس عن الآخرة ومن أخلص كله لله و طلق الدنيا:

قال الأحنف بن قيس: دخلت على معاوية فقدّم إلي من الحلو و الحامض ما كثر تعجبي منه، ثمّ قدّم ألوانا ما أدري ما هي، فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين البط محشو بمخ البر، قد قلي بدهن الفستق، و ذر عليه الطبرزد. فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: ذكرت عليا عليه السّلام، بينا نحن عنده فحضر وقت إفطاره، فسألني المقام، إذ دعا بجراب مختوم، فقلت: ما هذا الجراب؟ قال: «سويق الشعير». فقلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به ؟ قال: «لا ولا أحدهما، ولكن خفت أن يلته الحسن و الحسين بسمن أو زيت. قلت: محرّم هو؟ قال: لا، و لكن يجب على أئمّة الحق أن يقدّروا أنفسهم من ضعفة الناس، كيلا يتبیغ بالفقير فقره». [8]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo