< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بياايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 57-58من سورة المائدة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[1] ﴿وَ إِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَ لَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ [2]

قبل الدخول في تفسير الآية نقف عند بعض مفرداتها، قال الراغب في مفرداته:

(الهزو يقال لفعل المزاح والاستخفاف الذي يصدر بشأن شخص في غيابه، كما يطلق في حالات نادرة على المزاح أو الاستخفاف الذي يحصل بشخص معين في حضوره...أمّا «اللعب» فهو الذي يصدر عبثا وبدون هدف صحيح).

وقال في المجمع لشأن نزول الآية: (قيل كان رفاعة بن زيد بن التابوت و سويد بن الحرث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا و كان رجال من المسلمين يوادونهما فنزلت الآية عن ابن عباس)[3] .

يستفاد مما ذكر في شأن النزول ان المستهزئين كانوا من المسلمين المنافقين بينما ظاهر الآية هؤلاء كانوا من اهل الكتاب والكفار أي المشركين فالنفاق لا يختص بمن اظهر الإسلام بل كان في اهل الكتاب والمشركين من ينافق أي يظهر السلام وحسن التعامل ورعاية قواعد الذمة ولكن في الخفاء يعاند ويثير الفتنة ويخرّب على المسلمين ومنهم من ليس منافقا فلا يضمر الشر على المسلمين ويلتزم بقواعد الذمة ويعيش سليم النفس متديناً وعلى تعبير القرآن؛ ﴿مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحَاً﴾ فهذه الآية المباركة ترسم لنا خطة سياسية تعاشرية مع غير المسلمين.

وفی تفسیر الآمثل قال:(و يتّضح هنا أنّه حين تتحدث هاتان الآيتان عن الولاية فالمقصود هو الصّحبة و الصداقة و المودّة لأنّ سبب نزولهما يختلف عن سبب نزول الآيتين السابقتين، ولا يمكن اعتبار إحداهما قرينة للأخرى).[4]

اقول: الولاية لها معناها في كلا الموردين وهي نوع علاقة سياسية اجتماعية من العالي الى الداني وهو علاقة الوالي مع رعيته والمولى مع عبده، ومن الداني الى العالي وهي علاقة الرعية مع الوالي والعبد مع مولاه، ومن المساوي مع المساوي وهو علاقة المواطنين فيما بينهم، و تسمى الموالاة او التضامن الاجتماعي قال تعالى: ﴿وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[5]

والله تعالى نهانا عن موالاة هؤلاء من اهل الكتاب والكفار المستهزئين بديننا وليس مجرد المحبة ولذا قال لا تتخذوا هم أولياء فلا يجوز لمسلم ان يتوالى غير المسلمين والله يقول: ﴿انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين اخويكم﴾ نعم يجوز الاحسان الى غير المسلمين من غير التآخي قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الّذِيِنَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدّينَ وَلَمْ يُخْرِجُوْكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ اَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا اِلًيْهِمْ﴾

فلا وجه لحصر مراد الآية فيما ذكر بعنوان شان النزول في رجلين من اهل الكتاب اظهروا الإسلام وابطنوا الكفر ولكن ظاهر الآية تفيد حالة بعض اهل الكتاب والكفار فلا داعي على هذا الحصر لان بطبيعة الحال بعض الناس خصلتهم هكذا كما انه لا داعي في التنازل عن معنى الولاية هنا فان المسلمين بعد اسلامهم كانوا قد يتعصبون لمن كان محسوبا عليهم في سابق الزمان والله نهاهم عن ذلك في آيات عدة منها قوله تعالى: ﴿قل ان كان آبائكم وابنائكم واخوانكم وعشيرتكم﴾ الخ.

أمّا فی خصوص سبب نزول الآية الثّانية من الآيتين الأخيرتين، فنقل أنّ جماعة من اليهود و بعضا من النصارى حين كانوا يسمعون صوت الأذان، أو حينما يرون المسلمين و هم يقيمون الصّلاة يبادرون إلى الاستهزاء بهم، لذلك حذر القرآن المجيد المسلمين عن التودد إلى هؤلاء و أمثالهم. ولكن ظاهر الآية الموصوف في كلا الآيتين واحد لان ضمير في الآية الثانية يعود الى ما ذكر في الآية الأولى.

على كل حال: حذر القرآن في الآية المؤمنين فقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ﴾ ولتأكيد التحذير تقول الآية في الختام: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بمعني أنّ التودد مع الأعداء والمنافقين لا يتناسب مع التقوى والإيمان أبدا.

هنا لابد ان نشير بان الآية الكريمة سارية في جميع الازمان فنحن نرى في عصرنا النفاق منتشرة في الدول المستكبرة وفي رأسهم أمريكا حيث تدعي الدفاع عن حقوق الانسان وهي اكبر ناهب لحقوق الانسان في العالم و باسم محاربة الإرهاب تهارب المظلومين وجعلت هذا الشعار مبرر للتدخل في شؤون سائر الشعوب ويتجمد أموال الآخرين لإرغامهم على الخضوع تجاه مزايداتها واستفادة من هيمنتها على بعض مؤسسات الدولية كمجلس الأمم المتحدة و مجلس الامن الدولي وغيرها من المؤسسات لتمرير نواياها الخبيثة حيث ما ارادت وهذه القصة واضحة لمن يعيش الجوا الدولي والسياسة الدول المستكبرة. ان هذه الآية الكريمة يحذّر الُمّة الإسلامية عن التطبيع مع الكيان الصهيوني والتسليم لما يرسمه ويخطّه الاستكبار.

وتنابع بحثنا في هذا المقطع من القرآن في الأسبوع القادم ان شاء الله


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo