< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر الموضوعی/الآیات المصدرة بیا ایها الذین آمنوا /تفسیر الآیة 56 من سورة المائدة

﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ﴾[1] ﴿وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ﴾[2]

هاتین الآیتین و الأیات التی قبلها جمیعاٌ تصب فی مسألة سياسية وهي عدم الركون والخضوع للأعداء و الاجتناب عن التطبيع معهم. ففی الآية 51 يخاطب المؤمنين ويحذرهم عن اتخاذ اليهود والنصارى اولياء وفی الآیتین بعدها(52-53) یبین دوافعهم للانحراف والمیل الى تلك الاقوام وفي الآية التي تليها(54) يشير الى خيانتهم و عدم الوفاء بعهدهم ثم في الآية (55) التي تحدثنا عنها في الأسبوع الماضي مرة ثانية خاطب المؤمنين وقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾

فبیّن عن إرادته تعالى على نصرة الحق وظهوره وخذلان الباطل واضمحلاله ثم بعد التأكيد على عدم جواز الميل الى الطواغيت والاجتناب عن الركون الى الذين ظلموا وصف الفرقة المحقة وهم الذين يحبون الله ويحبهم الله، هم الذين تلين قلوبهم للمؤمنين و هم مقاومون وممتنعون تجاه الكافرين وهم اهل الجهاد و لا يتأثرون من تسويلات الخناسين. والآية التي تليها ترسِّم لنا خط الولاية وتقول: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ فانحصرت الولاية في ثلاث مواطن متدرجة.

هنا قبل الدخول في شرح الآية نقف وقفة عند بعض مفرداتها:

قال في المجمع: (الولي هو الذي يلي النصرة والمعونة والولي هو الذي يلي تدبير الأمر يقال فلان ولي المرأة إذا كان يملك تدبير نكاحها وولي الدم من كان إليه المطالبة بالقود والسلطان ولي أمر الرعية) [3]

روى في مجمع البيان في شأن نزول هذه الآية بسند مفصل متصل: (عن الأعمش عن عباية بن ربعي قال بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله (ص)، إذ أقبل رجل متعمم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله، أ لا قال الرجل قال رسول الله، فقال ابن عباس: سألتك بالله من أنت؟ فكشف العمامة عن وجهه و قال يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله (ص) بهاتين و إلا فصمتا، و رأيته بهاتين و إلا فعميتا، يقول: "عليٌ قائد البررة و قاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله، أما إني صليت مع رسول الله (ص) يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء و قال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً، و كان علي راكعاً، فأومأ بخنصره اليمني إليه و كان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، و ذلك بعين رسول الله (ص) فلما فرغ النبي (ص) من صلاته رفع رأسه إلى السماء و قال: "اللهم إن أخي موسى سألك فقال: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾[4] ﴿وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾[5] ﴿وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي﴾[6] ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[7] ﴿وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي﴾[8] ﴿هارُونَ أَخِي﴾[9] ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾[10] ﴿وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [11] فأنزلت عليه قرآنا ناطقا ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما﴾[12] اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري قال أبو ذر: فوالله ما استتم رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبرائيل من عند الله فقال: يا محمد اقرأ، قال وما أقرأ؟ قال: اقرأ ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾[13] الآية.

ثم ان صاحب المجمع قال: (وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الإسناد بعينه وروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه والرمّاني والطبري‌ أنها نزلت في علي حين تصدّق بخاتمه وهو راكع، وهو قول مجاهد والسدي والمروي عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) وجميع علماء أهل البيت).[14]

وقال الكلبي نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه لما أسلموا فقطعت اليهود موالاتهم فنزلت الآية وفي رواية عطا قال عبد الله بن سلام يا رسول الله أنا رأيت عليا تصدق بخاتمه وهو راكع فنحن نتولاه.‌

وقد رواه لنا السيد أبو الحمد عن أبي القاسم الحسكاني بالإسناد المتصل المرفوع إلى أبي صالح عن ابن عباس قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي (ص) فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدّقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا، فقال لهم النبي (ص) ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ (الآية) ثم أن النبي خرج إلى المسجد و الناس بين قائم و راكع فبصر بسائل فقال النبي هل أعطاك أحدٌ شيئاً؟ فقال نعم خاتم من فضة، فقال النبي (ص): من أعطاكه؟ قال: ذلك القائم، وأومأ بيده إلى علي فقال النبي (ص) على أي حال أعطاك؟ قال أعطاني وهو راكع، فكبّر النبي ثم قرأ ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ﴾ [15] .

هذه القصص التي ذكرها صاحب المجمع لا تنافي بينها للمتأمل، وكلّها متفقة على ان الباذل للخاتم هو علي بن ابي طالب سلام الله عليه وفي حال الركوع فالولي الثالث في الآية هو علي بن ابي طالب.

ان صاحب المجمع بعد ما ذكر الاقوال من الفريقين واثبت ان المولى علي هو المقصود بقوله المؤمنون قال: (هذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل و الوجه فيه أنه إذا ثبت أن لفظة ﴿وَلِيُّكُمُ﴾ تفيد من هو أولى بتدبير أموركم و يجب طاعته عليكم، و ثبت أن المراد ب ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ عليٌ، ثبت النص عليه بالإمامة) [16]

هذا برهان جميل لا يعتريه شك مع ذلك هناك بعض الأوهام التي طرحت لصَرف مراد الآية عن اميرالمؤمنين عليه السلام:

منها: يمكن ان يكون ولي في هذه الآية بمعني الموالاة في الدين والمحبة.

فاُجيب عنها: ان الموالاة في الدين والمحبة لا تختص بفرد معين ولمؤمن دون سائر المؤمنين لان المؤمنين كلهم مشتركون في الدين والمحبة، كما قال سبحانه ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ وإذا لم يجز حمله على ذلك فيتضح ان المراد بالمؤمنين هو من فرضت طاعته على الجمهور.

ومنها: ان مفردة المؤمنين صيغة الجمع فلا يمكن ان يستعمل في الفرد وهو علي بن ابي طالب. والجواب عن هذه الشبهة يتضح بالرجوع الى اهل العرف حيث كثيرا ما يستعملون صيغة الجمع للواحد على سبيل التفخيم والتعظيم وفي جميع اللغات وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه.

ومنها: ما قالوا لعلّ المراد بقوله ﴿وَهُمْ راكِعُونَ﴾ أن هذه شيمتهم وعادتهم أي انهم اهل الركوع. ولم يكن حالا لإيتاء الزكاة.

يرد على هذه الشبهة بأن قوله‌ ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ مشتمل للركوع الركوع فلو لم يحمل قوله «وَهُمْ راكِعُونَ» على أنه حال من يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وحملناه على من كان عادتهم الركوع كان ذلك تكرارأ لا يزيد في المعنى شيئاً فالأخذ بظاهر الآية وهو كون الواو للحال أولى و خروج عن اللغو.

نقطة جميلة نبه اليها صاحب المجمع وهي قوله: (مما يعين ان المؤمنون مشير الى شخص امير المؤمنين عليه السلام ولا يمكن ان يكون المؤمنون عامة المؤمنين، لأن الولاية في مفتتح الآية مختصة بالله فقال ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ﴾ فخاطب جميع المؤمنين و دخل في الخطاب النبي ص و غيره ثم قال: ﴿وَرَسُولُهُ﴾ فأخرج النبي ص من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته ثم قال: ﴿وَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلا أدّى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه والمولى عليه هو الولي فيكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه و ذلك محال‌).

خلاصة القول لا مفر من الالتزام بجعل المؤمنون في الآية علي بن ابي طالب عليهما السلام


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo