< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

44/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسیر الموضوعی/الآیات المصدرة بیا ایها الذین آمنوا /تفسیر الآیة 54 من سورة المائدة

قال الله تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [1]

قبل الدخول فی تفسیر هذه الآية نقف وقفة عند بعض مفرداتها: قال في المجمع: (الذل بكسر الذال ضد الصعوبة وبضمها ضد العز يقال ذلول بين الذل من قوم أذلة وذليل بين الذل من قوم أذلاء والأول من اللين والانقياد والثاني من الهوان والاستخفاف والعزة الشدة يقال عززت فلانا على أمره أي غلبته عليه والعزاز الأرض الصلبة وعزّ يعزّ الشي‌ء إذا لم يقدر عليه وأصل الباب الامتناع). [2]

هذه الآية المباركة سبقتها آيات المقطع السابق الذي فرغنا عن تفسيرها وهي قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‌ أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[3] ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى‌ أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى‌ ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ﴾[4] ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ﴾[5]

وهذه آيات تتحدث معنا عن ضعاف الايمان والمنافقين ومرضى القلوب الذين يميلون الى الأعداء ويراهنون عليهم ولا يثقون بقوة المسلمين. والله تعالى بعد هذا الكلام يجدد خطابه الى المؤمنين ويبشرهم بالبديل عن هؤلاء المرتدين عن دينهم، فبشرهم بانّ إرادة الله تعلقت بحفظ الدين واستمراره، وعدم خلو الأرض من الأخيار الذين يحبّهم الله ويحبونه الليّنون على المؤمنين والصعاب والصلب والأقوياء في مواجهة الكافرين، كما وصف رسوله ومن معه في سورة محمد صلى الله عليه واله بقوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالّذِينَ مَعَهُ اَشِدّاءُ عَلى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[6] ويجاهدون في سبيل الله ولا يخافون من اضاليل اهل الباطل ولومهم إياهم.

أقول: هذه الحقيقة موجودة في كل عصر وصقع، فمصاف الحق والباطل قائم دائماً، فلينظر كل انسان اين موقفه منهما؟ والظاهر ان هذه الآية تخبرنا عن سنة الله الجارية في عباده فتوجد مصاديق للمرتدين وفي قبالهم مصاديق للمقاومين مع الحق والمؤمنين الأوفياء في كل زمان.

وهذه الآية امّا بيان لقضية حقيقية كلية مستمرة منطبق على مصاديقها في كل عصر، واما قضية خارجية أخبر بها هنا والله تعالى عرضها علينا لنعتبر بها ولتكون عبرة ومرآة نقيس عليها أنفسنا ومجتمعاتنا في كل مكان وزمان.

وبناء على الوجه الثاني قال فی المجمع: (واختلف فيمن وُصف بهذه الأوصاف منهم: 1- فقيل هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة عن الحسن وقتادة والضحاك 2- وقيل هم الأنصار عن السدي 3- و قيل هم أهل اليمن عن مجاهد قال:‌ قال رسول الله: "أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا و أرق أفئدة الإيمان يماني و الحكمة يمانية" 4- وقال عياض بن غنم الأشعري لما نزلت هذه الآية أومأ رسول الله إلى أبي موسى الأشعري فقال هم قوم هذا. 5- و قيل أنهم الفرس وروي أن النبي (ص) سئل عن هذه الآية فضرب بيده على عاتق سلمان فقال: "هذا و ذووه ثم قال لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس"‌ 6- و قيل هم أمير المؤمنين علي (ع) و أصحابه حين قاتل من قاتله من الناكثين و القاسطين و المارقين و روي ذلك عن عمار و حذيفة و ابن عباس و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (ع) و يؤيد هذا القول أن النبي وصفه بهذه الصفات المذكورة في الآية فقال فيه و قد ندبه لفتح خيبر بعد أن رد عنها حامل الراية إليه مرة بعد أخرى و هو يجبن الناس و يجبنونه‌، "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرّاراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يده"‌، ثم أعطاها إياه) [7]

لا شك ان هذه الصفات الأربعة المذكورة في الآية كان امير المؤمنين عليه السلام متحلياً بها بل هو المصداق الاتم والأعلى للمتصفين بها، فهو الذي كان يعطف على المساكين من المؤمنين ووقف نفسه لخدمة المسلمين متواضعاً حنوناً مجداً في شؤونهم. وفي نفس الوقت هو الكرّار على الكفار والفجار وبطل الغزوات في عصر النبي صلى الله عليهما وهو الذي قاتل الناکثین والقاسطین والمارقین ولقد اشاد رسول الله بموقفه لبعد وفاته عند ما‌ جائه سهيل بن عمرو في جماعة من القریش فقالوا له: (يا محمد إن أرقاءنا لحقوا بك فارددهم علينا فقال رسول الله: لتنتهين يا معاشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله، فقال له بعض أصحابه: من هو يا رسول الله أبو بكر؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة، وكان علي يخصف نعل رسول الله) [8]

وروي عن علي علیه السلام فی فی وقعة جمل يوم البصرة انه قال: "والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم‌" و تلا هذه الآية.

فان فی وقعة الجمل خرج جمع من المسلمين بقيادة ام المؤمنين عائشة و طلحة والزبير وهما كانا من خواص أصحاب رسول الله صلوات الله عليه واله مطالبا لثأر عثمان عن علي بن ابي طالب عليه السلام ولم يكن لعلي عليه السلام أي مشاركة في قتله، مع ما سمعوا من رسول الله انّ عليّاً هو ميزان الحق والباطل ويدور الحق معه حيث دار وانه وصي رسول الله وخليفته وانه مولى كل مؤمن ومؤمنة وغير ذلك مما هو نص صريح على عصمته ولزوم طاعته، ولكن حب الجاه والحرص على الدنيا غيّر امزجتهم وأعمى ابصارهم حتى صاروا إلباً للأعداء حتى صارت القضية مريبة لبعض الخواص ايضاً، فقال حارث الهمداني لعلي عليه السلام وهو كان من اصحابه: أيجتمع طلحة وزبير وعائشة على الباطل؟ فأجابه الإمام امير المؤمنين عليه السلام بقوله: "انه الملبوس عليك، ان الحق لا يعرف بالرجال وانما الرجال يعرفون بالحق، فاعرف الحق تعرف أهله قلّوا أو كثروا واعرف الباطل تعرف أهله قلّوا أم كثروا" وهذه القضية وردت في اكثر من كتاب بعبارات متقاربة منها في نهج البلاغة.

وروى أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بالإسناد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "يرد عليّ قوم من أصحابي يوم القيامة فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي أصحابي؟ فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا من بعدك أنهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى"[9]

و فی تفسیر علي بن إبراهيم القمی: (أنها نزلت في مهدي الأمة و أصحابه و أولها خطاب لمن ظلم آل محمد و قتلهم و غصبهم حقهم و يمكن أن ينصر هذا القول بأن قوله تعالى ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ﴾ يوجب أن يكون ذلك القوم غير موجودين في وقت نزول الخطاب فهو يتناول من يكون بعدهم بهذه الصفة إلى قيام الساعة ﴿ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ﴾ أي محبتهم لله و لين جانبهم للمؤمنين و شدتهم على الكافرين بفضل من الله و توفيق و لطف منه و منة من جهته ﴿يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ﴾ أن يعطيه من يعلم أنه محل له ﴿وَ اللَّهُ واسِعٌ﴾ أي جواد لا يخاف نفاد ما عنده ﴿عَلِيمٌ﴾ بموضع جوده وعطائه فلا يبذله إلا لمن تقتضي الحكمة إعطاءه وقيل معناه واسع الرحمة «عَلِيمٌ» بمن يكون من أهلها). [10]

وفي تفسير البرهان عن تفسير العياشي: عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ﴾، قَالَ: «الْمَوَالِي». [11] والمراد من الموالی هو غیر العربی.

وَروي في تفسير البرهان عن (نَهْجِ الْبَيَانِ) غير مطبوع: الْمَرْوِيُّ عَنِ الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ): «أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)».

وفی المجمع: ومن طريق المخالفين، قال الثعلبي في تفسير الآية ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ الآية، قال: نزلت في علي (عليه السلام) [12]

 


[9]  .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo