< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 8-10سورة المائدة

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى‌ أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‌ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾[1] . ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ﴾

بعد ما أكدت الآية على القيام لله والشهادة على أساس القسط والعدل يتابع الموضوع بما يدعوا المكلفين على الامتثال وقارن في الآيتين التين تليانها بين وضع المطيعين والعاصين في القيام بالعدالة فقال: ‌ ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ثم ذكرت الآية في المقابل جزاء الكافرين الذين يكذبون بآيات اللّه، فقالت: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ.﴾

وممّا يلفت النظر أنّ الآية جعلت المغفرة والأجر العظيم في إطار ﴿وعداللّه﴾ بينما ذكرت عقاب جهنم بأنّه نتيجة للكفر وللتكذيب بآيات اللّه، وما هذا إلّا إشارة إلى فضل اللّه ورحمته لعباده فيما يخص نعم وهبات الآخرة التي لا يمكن لأعمال الإنسان مهما كبرت وعظمت أن تباريها أو تعادلها مطلقا، كما أنّها إشارة- أيضا- إلى أنّ عقاب الآخرة ليس فيه طابع انتقامي أبدا، بل هو نتيجة عادلة لما ارتكبه الإنسان من أعمال سيئة في حياته.

هناك الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في تفسير التبيان والطبرسي في مجمع البيان والفخر الرّازي، في التفسير الكبير أشاروا الى ان قوله تعالى: ﴿أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ﴾. لا يدل على خلودهم في النار لأنّ الملازمة ربما تكون تستمر لفترة طويلة ثمّ تنقطع، بدلالة التعبير القرآني الوارد في شأن ركاب سفينة نوح النّبي عليه السّلام حيث وردت فيهم عبارة «أصحاب السفينة» وهم لم يكونوا ملازمين لتلك السفينة ملازمة دائمة. ويقال في العرف صاحب الدكان او السيارة وغير ذلك بل يستنتج الخلود من غيرها من الآيات.

ان صاحب الميزان في ذيل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ﴾ أشار الى نقطة وهي: (تقييد الكفر بتكذيب الآيات للاحتراز عن الكفر الذي لا يقارن تكذيب الآيات الدالة، ولا ينتهي إلى إنكار الحق مع العلم بكونه حقا كما في صورة الاستضعاف، فإن أمره إلى الله إن يشأ يغفره وإن يشأ يعذب عليه فهاتان الآيتان وعد جميل للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وإيعاد شديد للذين كفروا وكذبوا بآيات الله، وبين المرحلتين مراحل متوسطة ومنازل متخللة أبهم الله سبحانه أمرها وعقباها). [2] وهذا الالتفات التفات جميل منه رضوان الله تعالى عليه

نود ان نذكر هنا بغض الروايات التي تبعث الأمل والرجاء برحمة الله للعاصين:

عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما أُحِبُّ أنّ لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[3] فقال رجلٌ: يا رسول الله، فمَنْ أشرك؟ فسَكَتَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: إلّا مَن أشرك، إلّا مَن أشرك (ثلاث مرات)[4] ،

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «بعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وحشيّ قاتِلِ حمزة -رضي الله عنه- يدعوه إلى الإسلام، فقال: كيف تدعوني وأنت تَزْعُمُ أنّ مَنْ قَتَلَ أو زَنَى أو أشرك ﴿يَلْقَ أثامًا، ويضاعَف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا﴾، وأنا صنعتُ ذلك؟! فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله -عز وجل-: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾[5] إلى آخر الآية، فقال وحشي: يا محمد، هذا شرط شديد: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾! فلعلي لا أقدر على هذا، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[6] ، فقال وحشيّ: يا محمد أَرى بَعْدُ مشيئةً، فلا أدري يُغْفَرُ لي أم لا؟ فهل غير هذا؟ فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾[7] ، قال وحشي: هذا نعم، فجاء فأسلم [8]


[4] مسند الأنصار، ج1، ص37.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo