< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفيبر الآية 6من سورة المائدة

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‌ أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[1]

ان صاحب المجمع اعتبر الآية بيان مصداق لما تفضل به في الآية الأولى من هذه السورة حيث قال: اوفوا بالعقود ويعتبر الصلاة وفاء لعقد انعقد مع العبد لربه فقال: (لما تقدم الأمر بالوفاء بالعقود و من جملتها إقامة الصلاة و من شرائطها الطهارة)[2]

والامثل جعل وجه المناسبة لهذه الآية مع ما سبق مشاركتها في الطهارة فقال: (لقد تناولت الآيات السابقة بحوثا متعددة عن الطيبات الجسمانية والنعم المادية، أمّا الآية الأخيرة فهي تتحدث عن الطيبات الروحية وما يكون سببا لطهارة الرّوح والنفس الإنسانية)[3]

هذه الآية المباركة تتحدث معنا أولاً: حول وجوب الوضوء للصلاة وكيفيته، ثانياً: وجوب التطهير من الجنابة، ثالثاً: حكم المعذور عن الماء للوضوء والغسل ورابعاً: بيان فلسفة التطهير.

ان الوضوء من العبادات الشريفة مضافاً الى كونه مقدمة للصلاة أيضا فهو في نفسه عبادة ندبية ويزيد المكلف طهارة روحانية فوق الجسمانية ودور الطهارة الحاصلة من الوضوء جعل الطهور مما لا صلاة الا به فمن أخل بالطهارة في صلاته فصلاته باطلة سواء أخل بها تعمداً او سهواً او نسياناً او جهلاً فإنّها من اركان الصلاة.

روى الصدوق عن أَبُي جَعْفَرٍ عليه السلام انه قال: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ.[4]

وروى عن أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام انه قال: افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ وَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ.[5]

وروى عن الصَّادِقُ عليه السلام انه قال: الصَّلَاةُ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ ثُلُثٌ طَهُورٌ وَثُلُثٌ رُكُوعٌ وَ ثُلُثٌ سُجُودٌ.[6]

هذه الروايات وغيره تثبت أهمية الوضوء في الصلاة وهناك روايات تدل على اهية الوضوى في نفسها واليك نماذج منها:

منها: فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ وَ فِي الْعِلَلِ بِالْإِسْنَادِ الْآتِي عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ: إِنَّمَا أُمِرَ بِالْوُضُوءِ وَ بُدِئَ بِهِ لِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ طَاهِراً إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ عِنْدَ مُنَاجَاتِهِ إِيَّاهُ مُطِيعاً لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ نَقِيّاً مِنَ الْأَدْنَاسِ وَ النَّجَاسَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ الْكَسَلِ وَ طَرْدِ النُّعَاسِ وَ تَزْكِيَةِ الْفُؤَادِ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ قَالَ وَ إِنَّمَا جَوَّزْنَا الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَ لَا سُجُودٌ وَ إِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا رُكُوعٌ وَ سُجُودٌ.[7] فإلامام عليه السلام أشار الى بعض فضائل وآثار وبركات الوضوء.

ومنها ماعَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ ع فَصَلَّى الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ بَيْنَ يَدَيَّ- وَ جَلَسْتُ عِنْدَهُ حَتَّى حَضَرَتِ الْمَغْرِبُ- فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ- ثُمَّ قَالَ لِي تَوَضَّ- فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنَا عَلَى وُضُوءٍ- فَقَالَ وَ إِنْ كُنْتَ عَلَى وُضُوءٍ- إِنَّ مَنْ تَوَضَّأَ لِلْمَغْرِبِ كَانَ وُضُوؤُهُ ذَلِكَ- كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ فِي يَوْمِهِ- إِلَّا الْكَبَائِرَ وَ مَنْ تَوَضَّأَ لِلصُّبْحِ- كَانَ وُضُوؤُهُ ذَلِكَ- كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ فِي لَيْلَتِهِ إِلَّا الْكَبَائِرَ. [8] فيستفاد من هذه الرواية المباركة ان الوضوء ليس فقط مقدمة للحصول على الطهارة بل هو في نفسه له بركات ومنافع جمّة.

و روى عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَنْ جَدَّدَ وُضُوءَهُ لِغَيْرِ حَدَثٍ جَدَّدَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَارٍ.[9]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَلَا إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ- تُضِي‌ءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِي‌ءُ النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ- أَلَا طُوبَى لِمَنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ بُيُوتَهُ- أَلَا طُوبَى لِعَبْدٍ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ‌ زَارَنِي فِي بَيْتِي- أَلَا إِنَّ عَلَى الْمَزُورِ كَرَامَةَ الزَّائِرِ- أَلَا بَشِّرِ الْمَشَّاءِينَ فِي الظُّلُمَاتِ- إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.[10]

ولكن كما تعرفون ان سياسة التي اتخذها الله في القرآن عدم التوضيح لجل المسائل حتى يبقى مكان حاجة للناس الى النبي واهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين.

- فخاطبت المؤمنين في البداية موضحة أحكام الوضوء بقولها: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾.

لم تحدد لنا الآية حدود الوجه التي يجب غسلها في الوضوء، لكن الروايات التي وردت عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام قد بيّنت بصورة مفصلة طريقة الوضوء التي كانت النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يعمل بها. حتى الفوا كتبا في وضوء النبي صلوات الله عليه واله.

هنا انما نذكر ما عليه فقهائنا العظام في تحديد الوجه واليد ومواقع المسح ولا ندخل في مسانيدها في الكتاب والسنة ومناقشاتها لعدم إطالة الكلام فموضع تلك التفصيلات هو الكتب الفقهية.

فنقول لتوضح الآية المبحوث عنها نقف عند نقاط:

الأولى: إنّ حدود الوجه طولاً من منابت الشعر فوق الجبهة حتى منتهى الذقن، وعرضا ما يقع من الوجه بين الأصبعي الوسطى والإبهام- وهذا هو ما يسمّى ويفهم من الوجه عرفا ايضا، لأنّ الوجه هو ذلك الجزء من الجسم الذي يواجه الإنسان لدى التلاقي مع نظيره.

الثانية: لقد ذكرت الآية حدود ما يجب غسله من اليدين في الوضوء، فأشارت إلى أنّ الغسل يكون حتى المرفقين- وقد جاء التصريح بالمرفقين في الآية لكيلا يتوهم بأنّ الغسل المطلوب هو للرسغين كما هو العادة في غسل الأيدي.

ويتبيّن من هذا التوضيح أنّ كلمة «إلى» الواردة في الآية هي لمجرّد بيان حد المغسول وليست لبيان أسلوب الغسل كما التبس على البعض، حيث ظنوا أنّ المقصود في الآية هو غسل اليدين ابتداء من أطراف الأصابع حتى المرفقين (وراج هذا الأسلوب لدى جماعات من أهل العامة).

الثالثة: قد شرحت الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام أسلوب الغسل وفق سنّة النّبي صلّى اللّه عليه وآله وهو غسل اليدين من المرفق حتى أطراف الأصابع.

الرابعة: انه يجب الانتباه إلى أنّ المرفق- أيضا- يجب غسله أثناء الوضوء، لأن الغاية داخلة في المغيّى إذا كانت من جنسها وخارجة عن المغيى إذا لم تكن من جنسها. وفيما نحن فيه المرفق الذي جعل حدا وغاية للمغسول وهو اليد من جنسه لأنّه من اليد فيجب غسل المرفق في الوضوء.

الخامسة: إنّ حرف (ب) الوارد مع عبارة «برؤوسكم» في الآية يفيد التبعيض، كما صرّحت به بعض الروايات وأيده البعض من علماء اللغة، والمراد بذلك بعض من الرأس، أي مسح بعض من الرأس حيث أكدت روايات الشيعة أنّ هذا البعض هو ربع الرأس من مقدمته، فيجب مسح جزء من هذا الربع حتى لو كان قليلا باليد، بينما الرائج بين البعض من طوائف السنّة مسح كل الرأس و حتى الأذنين وهو شيء لا يتلاءم مع ما يفهم من هذه الآية الكريمة.

السادسة: إنّ توالي «أرجلكم»مع «رؤوسكم» دليل على مشاركتها في حكم المسح فيجب أن تمسح و لا يجوز غسلهما بعنوان الوضوء،

وما يستدلون به فتح اللام لإثبات عطفه على ايديكم ومشاركتها مع ايديك في حكم الغسل غير سديد بل أنّها معطوفة على محل «رؤوسكم» اجتنابا عن الباء في رؤوسكم فان المسح على الرؤوس بجزء منها ولكن المسح على الأرجل محدد الى الكعبين وتعيّن الطول دون العرض. ولذلك يجب في الأرجل المسح من رؤوس الأصابع الى الكعبين بخلاف الرأس فانه يكفي المسح عليه بمقدار ما يصدق عليه المسح وانما ببركة الروايات حددت منطقة المسح بالربع المقدم منه و«كعب» في اللغة هو النتوء الظاهر على ظهر الرجل.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo