< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآیات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية الخامسة من سورة المائدة

 

﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾[1]

قد فرغنا فی اللیلة الماضية عن البحث في المقطع الأول من الآية من حلية الطيبات و حليت طعام اهل الكتاب للمسلمين وبالعكس واليوم نريد ان نخل في المقطع الثاني منها حيث يقول تعالى:

﴿وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ﴾

الواو فی هذا المقطع للعطف على الطيبات فمعناه احل لكم الطيبات و طعام الذين أوتوا الكتاب واحل لكم المحصنات و حلية كل شيء بحسبه فإحلال المأكولات جواز اكلها وإحلال المنكُوحات جواز نكاحها

ثم المحصَن ای المصون والمحفوظ يقال لهيئات الدولة ونواب المجالس انهم تحت حصانة القانون و للهيئات السياسية في غير وطنهم هم تحت حصانة الدولة المضيفة والمحصنات من النساء هن اللاتي يحفظن انفسهن عن العهر والفساد فالمراد من المحصنات فی هذه الآية العفيفات غير المتزوجات ثم يأتي سؤال لماذا ذكر الله جواز نكاح المؤمنات وهو من المسلمات ومن قبيل توضيح الواضحات؟ ان في الميزان ذكر لها وجه لطيف فقال:

(كان ضم قوله: ﴿«أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾» إلى قوله: «﴿وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾» (إلخ) من قبيل ضم المقطوع به إلى المشكوك فيه لإيجاد الطمأنينة في نفس المخاطب و إزالة ما فيه من القلق و الاضطراب فكان نفوس المؤمنين لا تسكن عن اضطراب الريب في أمر حل طعام أهل الكتاب لهم بعد ما كانوا يشاهدون التشديد التام في معاشرتهم و مخالطتهم و مساسهم و ولايتهم حتى ضم إلى حديث حل طعامهم أمر حل الطيبات بقول مطلق ففهموا منه أن طعامهم من سنخ سائر الطيبات المحللة فسكن بذلك طيش نفوسهم، و اطمأنت قلوبهم و كذلك القول في قوله: ﴿«وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»﴾ [2]

فأردف زواج نساء اهل الكتاب بزواج المؤمنات تطمينا لخاطر المؤمنين ثم شرط عليهم شرطين اولاً: أن يدفعوا لهن مهورهن، حيث قال: ﴿إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾.

ثانیاٌ: ان يكون التواصل على مبنى النكاح الشرعي لا بعنوان العهر والزنا، و لا بعنوان الصداقة السريّة بين الجنسين فقال: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ﴾. ِقال الراغب في مفرداته (أَخْدانٍ‌، جمع خِدْنٍ، أي المصاحب، وأكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب بشهوة)

اما العامّة بما انهم لا يعترفون بنكاح المتعة فجوزوا نكاح الكتابية مطلقا الا ان كثير من فقهائهم المعاصرين يحرمون تكاح غير المسلمة باعذار مختلفة

والمشهور عند الشيعة حصر الجواز بنكاح المؤقت دون الدائم ويستندون الى قرائن من القرآن

اولاٌ ان قوله تعالى: ﴿إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ و لو أن لفظة «الأجر» تطلق على المهر في نوعي الزواج الدائم و المؤقت، إلّا أنّها غالبا ما ترد لبيان المهر في الزواج المؤقت، أي أنّها تناسب هذا الأخير أكثر.

ثانیاُ قوله تعالى: ﴿غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ﴾ قرینة على انها انما شرعت لیسد باب العهر والفساد لان كثير ممن لا يقدر على الزواج الدائم او لا يشبع من زوجته يمشي وراء السفاح والاخدان فشُرّع هذا الزواج بشروطه صوناً للمجتمع عن الفساد وتلبية للحاجة الجنسية للصنفين وهناك يشتبه على بعض السذج من الناس في الزواج المؤقت فيخلطون بينه و بين الزنا و الصداقة السرية غير المشروعة مع المرأة.

بینما فی الموقت یشترط المهر واجراء الصیغة وان لا تکون المرآة عاهرة وزانية ويجب فيه رعاية العدة على المنكوحة و يجب على الرجل بالنسبة الى المولود من زواج الموقت بمثل ما يجب على المولود في الزواج الدائم من التفقة والرعاية التربوية وكل ما يجب على الاب لأولاده ففي سورة النساء الآية 25 بعد ما ذكر موارد حرمة الزواج قال: ْ ﴿وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة﴾ [3] وفي الآية التي تليها أيضا قال: ﴿وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدان‌﴾[4]

مع ذلك كلّه فإنّ هناك العديد من الفقهاء ممن يجيزون الزواج بالكتابيات بصورة مطلقة، و لا يرون القرائن المذكورة المذكورة كافية لتخصيص الآية، كما يستدلون في هذا المجال ببعض الروايات «للاطلاع على تفاصيل أكثر في المجال يجدر الرجوع إلى كتب الفقه».

اما تخصیص حلیة جواز المتعة للرجال دون النساء أي لايجوز نكاح الكتابي مع المرأة المسلمة

فوجهه أمر جليٌّ واضح لا یحتاج إلى الشرح و التفصيل، لأنّ النساء بما يمتلكن عواطف و مشاعر رقيقة يكنّ أكثر عرضة لاكتساب أفكار أزواجهنّ، من الرجال.

و لكي تسد الآية طريق إساءة استغلال موضوع التقارب و المعاشرة مع أهل الكتاب و الزواج من المرأة الكتابية على البعض من ضعاف النفوس، و تحول دون الانحراف إلى هذا الأمر بعلم أو بدون علم، حذرت المسلمين في جزئها الأخير فقالت:

﴿وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.﴾ و هذه إشارة إلى أنّ التسهيلات الواردة في الآية بالإضافة إلى كونها تؤدي إلى السعة و رفع الحرج عن حياة المسلمين، يجب أن تكون- أيضا- سببا لتغلغل الإسلام إلى نفوس الأجانب، لا أن يقع المسلمون تحت نفوذ و تأثير الغير فيتركوا دينهم، و حيث سيؤدي بهم هذا الأمر إلى نيل العقاب الإلهي الصارم الشديد.

سبب النّزول المذكور، و هو أن نفرا من المسلمين أعلنوا - بعد نزول هذه الآية و حكم حلية طعام أهل الكتاب و الزواج بالكتابيات- استياءهم من تطبيق هذه الأحكام، فحذرتهم الآية من الاعتراض على حكم اللّه و من الكفر بهذه الحكم، و أنذرتهم بأنّ أعمالهم ستذهب هباء و ستكون عاقبتهم الخسران، كما يحتمل ان يكون فيها تحذير للرجال عن تأثّرهم عن زواجاتهم الكتابيات.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo