< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية الرابعة من سورة الانعام

 

﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾[1]

اختلف المفسرون فی الیوم الذي اشير اليه في هذه الآية فمنهم من قال هو يوم العرفة ومنهم من قال يوم الغدير والاظهر هو نفس اليوم الذي ورد في الآيتين السابقتين وهو على التحقيق يوم الغدير فبما ان ظاهر هذه الآية متابعة ما ورد في الآيات السابقة فاليوم هنا أيضا يوم الغدير. ولكن هذه الآية وردت في ترسيم علاقات المسلمين مع اهل الكتاب في المأكل والمنكح اما حكم المأكل فبعد التأكيد على حليت الطيبات بادر بقوله: ﴿طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾

فتناولت هذه الآية، التي جاءت مكملة للآيات السابقة، نوعا آخر من الاطعمة المحللة، فبيّنت أنّ كل طعام طاهر حلال، وإن طعام أهل الكتاب ایضاٌ حلال للمسلمين، وطعام المسلمين حلال لأهل الكتاب، فی تعیین المراد من الطعام فی هذه الآية الكريمة، خلاف بین الفقهاء ففقهاء العامة ذهبوا الى حلية طعام أهل الكتاب يشمل كل أنواع الطعام، حتى إذا كان من لحوم الحيوانات المذبوحة بأيدي أهل الكتاب أنفسهم، بينما الأغلبية الساحقة من مفسّري الشيعة و فقهائهم ذهبوا الى أنّ المقصود من طعام أهل الكتاب هو غير اللحوم المذبوحة بأيدي أهل الكتاب، و تؤكد رأي غالبية الشيعة- في هذا المجال- روايات عديدة وردت عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام بعدم جواز اكل اللحوم المذبوحة لاهل الکتاب فقد جاء في تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال في هذه الآية: «عني بطعامهم ها هنا الحبوب و الفاكهة غير الذبائح التي يذبحون، فإنه لا يذكرون اسم اللّه عليها»[2]

و وردت ثمانی روایات فی باب 51 من الأطعمة المحرمة في المجلد 24 من وسائل الشيعة كلّها تخصّص حليّة طعام اهل الكتاب بالحبوب كالحنطة والعدس والبقول وغيرها وتمنع من اللحوم و قد خصّص الوسائل بابين من أبواب الذبائح بذبيحة اهل الكتاب لابد من التأمل فيها ولا يبعد من الجمع بينها ان نصل الى جواز اكل ذبيحة اهل الكتاب اذا سمعنا تسميتهم عند الذبح او تيقننا بذلك من اخبار موثق او قامت البينة على تسميته عند الذبح ولكن البحث حول هذه المسألة يحتاج الى بحث معمق فقهي. ليس هنا موضعه ومن يشتاق الخوض في روايات الباب فليراجع الى باب 26و27 من أبواب الذبائح من الوسائل مضافاً الى باب 51 من أبواب الأطعمة المحرمة.

و بالإمعان في الآيات السابقة يتبيّن أن ما ذهبت إليه الأكثرية من مفسّري الشيعة و فقهائهم من حرمة ذبائح اهل الكتاب هو الأقرب.

لا یخفى ان عند ما كان المسلمون قلة قليلة و ضعفاء كان هناك تشدّد على الاحتراز من التقاط المسلمين بغيرهم خوفا من ان يتأثروا منهم ولكن بعد ما ترسخت أعمدة الحكومة الإسلامية واعترفت العرب بها فاراد الله ان يرفع التشدد فنزلت هذه الآية الكريمة وامثالها وأعلنت تخفيف قيود التعامل و المعاشرة مع أهل الكتاب، لانه لم يعد هناك ما يخشى منه من جانب غير المسلمين، فسمحت الآية بالتزاور بين المسلمين‌ وغيرهم، وأحلت طعام بعضهم لبعض كما أحلت زواج محصنات اهل الکتاب علی المسلمین بشروط معینة سوف يتبين بعضها.

مضافا الى حرمة اللحوم، من یرى نجاسة اهل الكتاب يشترط أیضا أن يكون طعامهم خاليا من الرطوبة، و إذا كان الطعام رطباٌ يشترط أن لا تكون أيادي أهل الكتاب قد مسته لكي يستطيع المسلمون تناول هذا الطعام.

إلّا أنّ مجموعة أخرى من العلماء الذين يرون طهارة أهل الكتاب، لا يجدون بأساً في تناول الطعام مع أهل الكتاب و الحلول ضيفا عليهم، شرط أن لا يكون فی طعامهم لحوم ذبائحهم.

و خلاصة القول: إنّ الآية- موضوع البحث- جاءت لترفع الحدود و القيود السابقة الخاصّة بمعاشرة أهل الكتاب، و الدليل على ذلك هو إشارة الآية لإباحة طعام المسلمين لأهل الكتاب، أي السماح للمسلمين باستضافتهم، كما تتطرق الآية بعد ذلك مباشرة إلى حكم التزاوج بين المسلمين و الکتابیات.

دليلنا في عدم جواز اكل لحوم المذبوحة لأهل الكتاب انه على فرض شمول اطلاق الطعام لللحوم، إلّا أنّ ما ورد في الآيات السابقة، من النهی عما لم يذكر اسم الله عليه يكون مخصَّصاً لإطلاقات حلية طعام اهل الكتاب.

لا يقال ان النسبة بين الطائفتين نسبة عموم من وجه. فما يحرّم ما لم يذكر اسم الله عليه اعم من ذبائح اهل الكتاب وغيرها وما يحلّل ذبائح اهل الكتاب اعم من اللحوم وغيرها، ففي المجمع وهو اللحم الذي ذبحه كتابي ولم يسم عليه يتعارض الدليلان فيسقطان فيصبح المرجع اصالة الحل او فقل قوله تعالى اُحلّ لكم الطيبات.

والجواب عن هذه الشبهة ان الأدلة التي حرمت اكل ما لم يسمى عليه آبية عن التخصيص كما قال في الميزان: (فإن الله سبحانه عد هذه المحرمات المذكورة في آيات التحريم- وهي الآيات الأربع التي في سور البقرة والمائدة والأنعام والنحل- رجساً وفسقاً وإثماً، وحاشاه سبحانه أن يحل ما سماه رجسا أو فسقا أو إثما امتنانا بمثل قوله ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾. ورد في البقرة والمائدة والأنعام[3] [4] والنحل- رجساً وفسقاً وإثماً، مضافا الى بعض الروایات الصریحة فی حرمة ذبیحة اهل الکتاب وناتي نماذج منها هنا: منها ما رواه الكليني بسند صحيح، قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده، فقال له : الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني فيعرض فيها عارض فيذبح أتأكل ذبيحته ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : ( لا تدخل ثمنها مالك، ولا تأكلها، فانما هو الاسم، ولا يؤمن إلا مسلم ) . فقال له الرجل : فما نصنع في قول الله تعالى : (( اليَومَ أحلَّ لَكم الطَّيّبَات وَطَعَام الَّذينَ أوتوا الكتَابَ حلٌّ لَّكم [5] [6] ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : كان أبي يقول إنما هي الحبوب"[7] .

ومنها وا رواح الشیخ في التهذيب عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في قول تبارك وتعالى: ﴿وطعامهم حل لكم﴾ قال عليه السلام: العدس والحمص وأشباه ذلك".[8]

ومنها: صحيحة الحسين الاحمسي عن الصادق عليه السلام قال: قال له رجل : أصلحك الله إن لنا جاراً قصاباً فيجيء يهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود ؟ فقال عليه السلام: لا تأكل من ذبيحته ولا تشتر منه"

إلى غير ذلك من الروايات التي بعضها يفسر آية المائدة بأن المراد منها الحبوب والعدس والحمص بحيث لا يراد منه الذبيحة، وبعضها ينهى عن أكل ذبيحة الكتابي ويحكم بعدم حليتها، فلأجل ذلك ذهب جمهور فقهاء الشيعة الى تحريم ذبيحة أهل الكتاب.

وأيضاً نقول : إن لفظ الطعام الوارد في الآية ﴿وَطَعَام الَّذينَ أوتوا الکتاب﴾ وإن كان بحسب أصل اللغة يشمل كل ما يأكله الانسان ويتقوى به، لكن هناك بعض اللغويين ذكر ان المراد بالطعام البر وسائر الحبوب، ففي لسان العرب ( تحت مادة طعم ) قال : (وأهل الحجاز اذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنوا به البر خاصة، وذكر عن الخليل أنه قال : العالي في كلام العرب أن الطعام هو البر خاصة) . وأيضاً كلام ابن الاثير في النهاية يشير الى ذلك .

وعلى هذا فترتفع الغرابة في الذهاب الى تحريم ذبيحة الكتابي، وحمل الآية على غير الذبائح، لان الطعام في اللغة يكون موضوع للحبوب والبر.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo