< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية2منسورة المائدة

 

قد فرغنا فی الأیام الماضیة عن البحث فی الآية الاولى والثانیة وهما کانتا مصدّرتان ب ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ وبما أن فی الاولی منهما قال ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى‌ عَلَيْكُمْ﴾ فالآیات التی تلاها أتت تفصيل لما يتلى عليكم وهي مشتملة على احكام يفيدنا فنستمر فيها اكمالا للموضوع ففي الآية الثالثة قال تعالى:

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْ مَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[1]

ذكر الله تعالى في هذه الآية احدى عشرة من موارد حرمة اللحوم:

المذكورات في هذه الآية على اقسام:

الأول منها: ما هو محرّم لذاته وهو الدم ولحم الخنزير فهما خبيثان

والثاني منها: محرم لنوعية موتها من عدم كونه على وجه شرعي وهي: الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع

والثالث منها: ما كان ذبحه مقرونا بالشرك وهو ثلاثة ﴿ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ. وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ.

قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ هذه الأربعة مذكورة فيما نزل من القرآن قبل هذه السورة في سورتي الأنعام والنحل وهما مكيتان، وسورة البقرة وهي أول سورة مفصلة نازلة بالمدينة والمائدة هي الاخيرة فيما نزل بالمدينة

قال تعالى في سورة الانعام: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى‌ طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.[2]

وقال تعالى في سورة النحل: ﴿إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ به فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.[3]

وقال تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.[4]

والآيات جميعا- كما ترى- حرّمت هذه الأربعة المذكورة في صدر هذه الآية المبحوث عنها وتماثل الآية أيضا في الاستثناء الواقع في ذيلها بقوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْم‌ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فآية المائدة بالنسبة إلى هذه المعاني المشتركة مع تلك التي نزلت قبلها فهي مؤكدة لما ورد في تلك لتلك الآيات.

والآية الواردة في سورة الأنعام تعلّل تحريم الثلاثة أو خصوص لحم الخنزير بأنه رجس، فتدل على تحريم أكل الرجز، وقد قال تعالى في سورة المدثر- ايضاً وهي من السور النازلة في أوائل البعثة-: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾.[5]

المحرمات المذكورة:

أولاً: الميتة وهي حيوان مات حتف انفه وهي تشمل كل غير مذكّى بدليل الا ما ذكيتم والميتة مليئة بالجراثيم عادة.

ثانياً: الدم محرم مطلقاً وهو ايضاً مركز لكثير من الجراثيم ولذلك في المختبرات يستفيدون من تحليل الدم لتشخيص نوع المرض مضافا الى سرعة الفساد فيه. ولأكله آثار سيئة في نفس الانسان وقد اشتهر ان يلقّب من لا يبالي بالقتل آكل الدم لما ثبت بالتجربة ان اكل الدم يورث قساوة القلب.

ثالثاً: لحم الخنزير وهو حيوان خبيث يميل الى الاوساخ ويعيش فيها وله ريح نتن جداً ولحمه قد يشتمل على دود يسمى بتريشن يبتلى آكله بأمراض عضال وفي اكل لحمه اضرار على الروح أيضا من زوال الغيرة والحمية، وأدلّ دليل على إضراره للآكل تحريم الشارع المقدس اكل لحمه وقد نص القران على ذلك وهو صادر من رب رحيم علام.

رابعاً: وما اهلّ لغير الله به والاهلال رفع الصوت كناية عن قراءة اسم غير الله عليه فالواجب هو ذكر اسم الله عند ذبحه وان يكون الذابح مسلماً وهو الذي ثبت عند الشيعة ولكن بمساعدة الروايات التي وصلت من اهل البيت عليهم السلام

خامساً: المنخنقة أي ما مات بالاختناق باي سبب حصل ويبقى دماءه في عروقه مختلطا بلحومه ولعل الاختناق يحدث فيه أيضاً مفاسد أخرى تجعل اللحم غير مناسب للأكل.

سادسا: الموقوذة أي المضروبة ضربا قاتلا ونقل القرطبي في تفسيره أن عرب الجاهلية اعتادوا على ضرب بعض الحيوانات حتى الموت إكراما لأصنامهم وتقربا إليها [6]

وقد فسر في بعض الروايات الموقوذة بما مات من شدة المرض

سابعا: والمتردية من شاهق فمات ولو اُدرك قبل زهاق الروح فذبح يحل اكله.

ثامنا النطيحة: أي ما كان قتله في إثر مناطحة حيوان آخر

تاسعا: وما اكل السبع أي اصطاده حيوانا مفترسا فقتله، نعم استثني من هذا المورد اذا اصطاده الكلب المعلم ولم يدرك قبل زهاق روحه فان اُدرك فلا يحل اكله الا بالذبح الشرعي.

كما ان في جميع هذه الموارد إذا ذكي بالذبح قبل زهاق روحه فيحل اكله وهذا الاستثناء ورد في نفس الآية الكريمة وهو قوله تعالى ﴿الا ما ذكيتم﴾ كما ورد عَنِ السَّيِّدَيْنِ الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: "أَنَّ أَدْنَى مَا تُدْرَكُ بِهِ الذَّكَوةُ أَنْ يُدْرِكَهُ وَهُوَ تَتَحَرَّكُ أُذُنُهُ أَوْ ذَنَبُهُ أَوْ تَطْرِفُ عَيْنُهُ".[7]

وان عممنا عنوان الميتة على هذه الموارد ووجه التحريم فيها انها ميتة.

ولعل السر في تحريم اكلها أولا: عدم ‌نزف الدم بمقدار اللازم لأنّ الدم لا يخرج كاملا الا بقطع الاوداج الأربعة وما بقي من الدم فيه يوجب إسراع التفسخ فيه، ويتسمّم لحمه ولعلّ مما يتسبب التسمم عند ما يموت الحيوان لمرض أو خوف شديد عند التعذيب او ملاحقة السباع له. ومن ناحية أخرى من شروط تذكية الحيوان ذكر الله عليه عند ذبحه وهذا الشرط أيضا غير متوفر في هذه الموارد المذكورة في الآية

ثم ورد موردين مما يعود الاشكال فيه باقتران الذبح للشرك بالله وهما:

العاشر: ما ذبح على النصب وهي احجار كبيرة جعلوها في زمن الجاهلية حول الكعبة وكانوا يقدسونها كما يقدسون الأصنام فيذبحون الذبيحة عليها تقربا الى آلهتهم فحرم الله اكل تلك الذبائح.

والحادي عشر: وان تستقسموا بالأزلام،

ثم قال تعالى: ﴿ذلِكُمْ فِسْقٌ﴾ الظاهر ان ذلك يشير الى الموردين الأخيرين وضمير الجمع يعود الى متعلق تستقسموا وهو الجمع ايضاً.

هنا نتبرك برواية شريفة رواها الصدوق فِيمَنْ لَا يَحْضُرُهُ الْفَقِيهُ عن عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ، سَأَلْتُهُ عَمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ؟ قَالَ: مَا ذُبِحَ لِصَنَمٍ أَوْ وَثَنٍ أَوْ شَجَرٍ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ كَمَا حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الْخِنْزِيرِ، «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَتَى تَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ الْمَيْتَةُ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَكُونُ بِأَرْضٍ فَتُصِيبُنَا الْمَخْمَصَةُ فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا «1» فَشَأْنَكُمْ بِهَا، قَالَ عَبْدُ الْعَظِيمِ: فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ»؟ قَالَ: الْعَادِي السَّارِقُ وَ الْبَاغِي الَّذِي يَبْغِي الصَّيْدَ بَطَراً أَوْ لَهْواً لَا لِيَعُودَ بِهِ عَلَى عِيَالِهِ، لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَأْكُلَا الْمَيْتَةَ إِذَا اضْطُرَّا، هِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ كَمَا هِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُقَصِّرَا فِي صَوْمٍ وَ لَا صَلَوةٍ فِي سَفَرٍ قَالَ فَقُلْتُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ قَالَ الْمُنْخَنِقَةُ الَّتِي انْخَنَقَتْ بِأَخْنَاقِهَا حَتَّى تَمُوتَ وَ الْمَوْقُوذَةُ الَّتِي مَرِضَتْ وَ وَقَذَهَا الْمَرَضُ حَتَّى لَمْ يَكُنْ بِهَا حَرَكَةٌ. وَ الْمُتَرَدِّيَةُ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ إِلَى أَسْفَلَ أَوْ تَتَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ فَتَمُوتُ، وَ النَّطِيحَةُ الَّتِي تَنْطِحُهَا بَهِيمَةٌ أُخْرَى فَتَمُوتُ، وَ مَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَمَاتَ وَ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ عَلَى حَجَرٍ أَوْ صَنَمٍ إِلَّا مَا أُدْرِكَ ذَكَوتُهُ فَذُكِّيَ، قُلْتُ: وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَشْتَرُونَ بَعِيراً فِيمَا بَيْنَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وَ يَسْتَقْسِمُونَ عَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ، وَ كَانَتْ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ سَبْعَةٌ لَهَا أَنْصِبَاءُ وَ ثَلَاثَةٌ لَا أَنْصِبَاء لَهَا، أَمَّا الَّتِي لَهَا أَنْصِبَاءُ فَالْفَذُّ وَ التَّوْأَمُ وَ النَّافِسُ وَ الْحِلْسُ وَ الْمُسِيلُ وَ الْمُعَلَّى وَ الرَّقِيبُ وَ اما الَّتِي لَا أَنْصِبَاءَ لَهَا فَالْفَسِيحُ وَ الْمَنِيحُ وَ الْوَغْدُ، فَكَانُوا يُجِيلُونَ السِّهَامَ بَيْنَ عَشَرَةٍ فَمَنْ خَرَجَ بِاسْمِهِ سَهْمٌ مِنَ الَّتِي لَا أَنْصِبَاءَ لَهَا أُلْزِمَ ثُلُثَ ثَمَنِ الْبَعِيرِ فَلَا يَزَالُونَ بِذَلِكَ حَتَّى يَقَعَ السِّهَامُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي لَا أَنْصِبَاءَ لَهَا إِلَى ثَلَثَةٍ مِنْهُمْ فَيُلْزِمُونَهُمْ ثَمَنَ الْبَعِيرِ ثُمَّ يَنْحَرُونَهُ وَ تَأْكُلُهُ السَّبْعَةُ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُدُوا فِي ثَمَنِهِ شَيْئاً، وَ لَمْ يَطْعَمُوا مِنْهُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ أَنْقَدُوا ثَمَنَهُ شَيْئاً فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ذَلِكَ فِيمَا حَرَّمَ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ يَعْنِي حَرَاماً)

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo