< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الين آمنوا /تفسير الآية الثانية من سورة المائدة

 

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لا الْهَدْيَ وَ لا الْقَلائِدَ وَ لا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‌ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾

فی اللیلة الماضیة فرغنا عن البحث فی المقطع الاول من هذه الآية والليلة نتحدث عن المقطع الأخير منها وهو قول الله تعالى: ﴿وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‌ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾

فی بادئ الأمر يبين حكم جواز الإصطياد بمجرد الخروج من الاحرام، وهنا صيغة الامر لا يدل على طلب وجوبي ولا ندبي لأنها وردت عقيب الحظر فيفيد اباحة الصيد ولكن انما يكون جواز الصيد في خارج الحرم لان صيد الحرم محرّم على الجميع والله تعالى جعل حريم بيته أمناً حتى لوحوش الحيوانات.

ثم قال: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾

قال في المجمع: (الجرم القطع والكسب ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ أي لا يكسبنكم وهو فعل يتعدى إلى مفعولين وقيل معناه لا يحملنكم) والشنآن بمعنى البغض والعداء والكراهة

هنا جاء نون التأكيد لأنّه بطبيعة الحال البغض والعداء والكراهة تدعوا الانسان الى التعامل السيّء مع الآخر ومنع حقه، وبما ان هذه الآيات وردت في حجة الوداع وقد سبق اهل مكة لم يسمحوا للمسلمين ليحجوا بل صدوهم عن المسجد الحرام فكان عند بعض المسلمين دواعي شديده لصد هؤلاء الذين منعوهم سابقا عن المسجد الحرام ان يقابلوهم بالمثل ويقتصوا عنهم كما ذكر في التاريخ يوم فتح مكة المكرمة نادى بعض أصحاب رسول الله خطابا الى قريش: (اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى حرمه) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه واله امر العباس ان يعلن: (اليوم يوم المرحمة و يوم عزة قريش) كناية عن خروجهم عن ذلة الشرك ودخولهم الى عزة الإسلام وهذا سيرة اهل الكرامة من نسيان مساوي الآخرين عند الغلبة او تناسيها، كما ورد روايات في العفو عند القدرة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صِلْ مَن قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ “،

و في قصة فتح المكة المكرمة عند ما دخل رسول الله واصحابه راكبا جمالهم منتصرا وقد امتلاء قلوب المشركين رعبا فخاطب الحاضرون من المشركين في مسجد الحرام بجملته الشهيرة: (ما ترون أني فاعل بكم ؟، قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال لهم : [1] أقول لكم كما قال أخي يوسف : قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ “، اذهبوا فأنتم الطلقاء)

كما ان في دعاء دخول شهر رمضان نقول فيما علمنا الامام زين العابدين عليه السلام: (وَوَفِقْنا:..اَنْ نُراجِعَ مَنْ هاجَرَنا وَ اَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنا وَاَنْ نُسالِمَ َمنْ عادانا حاشا مَنْ عُودِيَ فِيكَ وَلَكَ فَاِنّهُ الْعَدُوُ الْذيْ لا نُوالِيهِ وَ الْحِزْبُ الّذي لانُصافِيْهِ) [2]

وورد في دعاء مكارم الاخلاق لامام السجاد عليه السلام: (اَلّلهُمّ صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ....وَسَدِّدْني لِاَنْ اُعارِضَ مَنْ غَشّنيْ بِالنُّصْحِ وَاُجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرّ وَ اُثِيبَ مَنْ حَرَمَنيْ بِالْبَذْلِ وَاُكافئَ مَنْ قَطَعَنيْ بِالصّلَةِ وَاُخالِفَ مَنْ اَغْتابَني اِلى حُسْنِ الذّكرِ وَاَنْ أشْكُرَ الْحَسَنَةَ وَاُغْضِيَ عَنْ السّيّئةِ) [3] ولذا قال تعالى: ﴿وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾

وفي قسم الأخير من الآية جاء بمبدأ إسلامي انساني واكّد عليه بقوله: ﴿وتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى‌ وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾

هذه الآية المباركة تدعونا الى مشروع اجتماعي مبارك له دور عظيم في التوسعة والتطوير في جميع المجالات وهو التعاون على البر والتقوى، وقد ضمّ التقوى الى البرّ وهي عنوان يقدس كل عمل صالح، لانّ البرّ إذا لم يصدر بدافع التقوى لا قيمة له واحياناً يصير سلبياً كعبادة تصدر بنية الرياء او صدقة تتبعها اذى.

ثم نهى عن التعاون على الإثم والعدوان والاثم هو الاتيان بكل ما لا يجوز والعدوان هو الاعتداء على الآخرين والتعاون عليهما مشاركة فيهما وعمل قبيح فالعامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثهم على ما ورد في بعض الروايات.

روي عن النّبي محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في هذا المجال انه قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من برى‌ء لهم قلما ولاق لهم دواة؟ قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم»[4] .

مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ الرِّجَالِ عَنْ حَمْدَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْجَمَّالِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ ع فَقَالَ لِي يَا صَفْوَانُ كُلُّ شَيْ‌ءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ مَا خَلَا شَيْئاً وَاحِداً- قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيُّ شَيْ‌ءٍ- قَالَ إِكْرَاؤُكَ جِمَالَكَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي هَارُونَ- قُلْتُ وَ اللَّهِ مَا أَكْرَيْتُهُ أَشَراً وَ لَا بَطَراً- وَ لَا لِلصَّيْدِ وَ لَا لِلَّهْوِ- وَ لَكِنِّي أَكْرَيْتُهُ لِهَذَا الطَّرِيقِ يَعْنِي طَرِيقَ مَكَّةَ- وَ لَا أَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِي وَ لَكِنِّي أَبْعَثُ مَعَهُ غِلْمَانِي- فَقَالَ لِي يَا صَفْوَانُ أَ يَقَعُ كِرَاؤُكَ عَلَيْهِمْ- قُلْتُ نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ- فَقَالَ لِي أَ تُحِبُّ بَقَاءَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ كِرَاؤُكَ- قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَنْ أَحَبَّ بَقَاءَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ- وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَانَ وَرَدَ النَّارَ- قَالَ صَفْوَانُ فَذَهَبْتُ فَبِعْتُ جِمَالِي عَنْ آخِرِهَا- فَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى هَارُونَ‌ فَدَعَانِي فَقَالَ لِي- يَا صَفْوَانُ بَلَغَنِي أَنَّكَ بِعْتَ جِمَالَكَ قُلْتُ نَعَمْ- قَالَ وَ لِمَ قُلْتُ أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ- وَ إِنَّ الْغِلْمَانَ لَا يَفُونَ بِالْأَعْمَالِ- فَقَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا- أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ- قُلْتُ مَا لِي وَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ- فَقَالَ دَعْ هَذَا عَنْكَ فَوَ اللَّهِ لَوْ لَا حُسْنُ صُحْبَتِكَ لَقَتَلْتُكَ.[5]

وهناك نقطة أخرى لابد من الوقوف عندها وهي التأمل في سِرّ توالي التعاونين في هذه الآية المباركة، و الذي يخطر ببالي ان هذا النهي تلى الامر بالتعاون لأنّ كثير ممن يتناسق مع الآخرين في تأسيس حزب او جمعية او تيّار سياسي او اجتماعي وامثالها، في بادئ الأمر نيّتهم التكتّف والتعاون على الخير ولكن بعد ما استقرت امورهم يتعصبون لفريقهم ويريدون كل شيء لحزبهم والمشاركون في جماعتهم ويُقصون الآخرين عن الميدان وقد يعتدون على منافسيهم ويريدون كل الكراسي والسمات العالية لفريقهم في الانتخابات يرشحون من معهم وفي حزبهم ولو كان غيره افضل بكثير وقلّما نجد حزباً او جمعيةً خالياً عن هذه العويصة و لعل هذا النهي جاء للتحذير من الوقوع في مثل هذا المستنقع.

 

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo