< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسیر الموضوعی/الآیات المصدرة بیا ایها الذین آمنوا / تفسير الآيات من 144 الی 146 سورة النساء

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً . إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً . إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ [1]

قال فی الميزان في ذيل الآية28من أل عمران: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[2] ، الأولياء جمع الولي من الولاية و هي في الأصل ملك تدبير أمر الشي‌ء فولي الصغير أو المجنون أو المعتوه هو الذي يملك تدبير أمورهم و أمور أموالهم فالمال لهم و تدبير أمره لوليهم، ثم استعمل و كثر استعماله في مورد الحب لكونه يستلزم غالبا تصرف كل من المتحابين في أمور الآخر لإفضائه إلى التقرب والتأثر عن إرادة المحبوب و سائر شئونه الروحية فلا يخلو الحب عن تصرف المحبوب في أمور المحب في حيوته.

فاتخاذ الكافرين أولياء هو الامتزاج الروحي بهم بحيث يؤدي إلى مطاوعتهم والتأثر منهم في الأخلاق وسائر شئون الحيوة وتصرفهم في ذلك، ويدل على ذلك تقييد هذا النهي بقوله: ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، فإن فيه دلالة على إيثار حبهم على حب المؤمنين، وإلقاء أزمة الحيوة إليهم دون المؤمنين، وفيه الركون إليهم والاتصال بهم و الانفصال عن المؤمنين.

و قد تكرر ورود النهي في الآيات الكريمة عن تولي الكافرين و اليهود و النصارى و اتخاذهم أولياء لكن موارد النهي مشتملة على ما يفسر معنى التولي المنهي عنه، و يعرف كيفية الولاية المنهي عنها كاشتمال هذه الآية على قوله: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ بعد قوله: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ﴾ ، و اشتمال قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾[3] ، على قوله: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ ، و تعقب قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾[4] ، بقوله: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾[5] إلى آخر الآيات. وعلى هذا فأخذ هذه الأوصاف في قوله: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ للدلالة على سبب الحكم و علته، و هو أن صفتي الكفر و الإيمان مع ما فيهما من البعد و البينونة و لا محالة يسري ذلك إلى من اتصف بهما فيفرق بينهما في المعارف و الأخلاق و طريق السلوك إلى الله تعالى و سائر شئون الحيوة لا يلائم حالهما مع الولاية فإن الولاية يوجب الاتحاد و الامتزاج، و هاتان الصفتان توجبان التفرق و البينونة، و إذا قويت الولاية كما إذا كان من دون المؤمنين أوجب ذلك فساد خواص الإيمان و آثاره ثم فساد أصله، و لذلك عقبه بقوله: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‌ءٍ، ثم عقبه أيضا بقوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ ، فاستثنى التقية فإن التقية إنما توجب صورة الولاية في الظاهر دون حقيقتها)[6] .

أقول: ان العلامة الطبطبائي لقد اجاد فيما افاد ولذا نحن اتينا بنص كلامه رحوة الله عليه لما وجدنا في فائدة كثيرة، ولكن يمكن القول بان الولاية والتولي معناه جعل الآخر وليا على نفسه في ولاية العالي على الداني وبهذا المعنى قطعا لا يرضى الله بولاية غير مسلم على المسلم واما الولاية بين المساوي مع المساوي وهي قول الله تعالى: ﴿المؤمنون بعضهم أولياء﴾ كذلك ليس بمعنى المحبة كي نقول لا باس بها ان يكون بين خيار اهل الكتاب والمسلمين، بل الولاية نوع من التضامن الاجتماعي بحيث يجعل كل فرد ممن تحت الولاية مسؤول تجاه الآخر وبالعكس فهي ايضا لا يمكن ان تكون بين المسلم وغير المسلم حتى المسلم الذي يعيش في بلاد الكفر لا ولاية بينه وبين من يعيش تحت ظل الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ الَّذينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ الَّذينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى‌ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ ميثاقٌ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ﴾[7]

الآيات الستة الفاصلة بين الآية 136 التي سبقتنا في البحث كلها تتناول صفات المنافقين واطوار دسائسهم فينبغي مراجعتكم اليها ونحن انما نقف عند هذه الآيات الشريفة اعلاها. فلقد أشارت الآيات السابقة إلى قسم من صفات المنافقين، والآيات التالية- هذه- تحذر المؤمنين وتأمرهم أن لا يعتمدوا على المنافقين والكفار بدل الاعتماد على المؤمنين، وأن لا يطلبوا النصرة منهم ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

و تبيّن أنّ الاعتماد على الكفار يعتبر جريمة و خرقا صارخا للقانون الإلهي و شركا باللّه، فإن هذه الجريمة تستحق عقابا شديدا، حيث تؤكد الآية: ﴿أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِينا﴾ و في الآية الثانية من الآيات الأخيرة بيان لأحوال المنافقين، الذين اتخذهم بعض الغافلين من المؤمنين أصدقاء لأنفسهم، حيث توضح الآية أنّ المنافقين يستقرون في القيامة في أحط و أسفل دركة من دركات جهنم، و لن يستطيع أحد أن ينصرهم أو ينقذهم من هذا المصير أبدا، تقول الآية: ﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾. و يظهر من هذه الآية أن النفاق في نظر الإسلام أشد أنواع الكفر، و إن المنافقين أبعد الخلق من اللّه، واخطرهم على الإسلام والمسلمين، حيث انهم يختبئون في وسط المسلمين ويتآمرون عليم وهم عيون المشركين فما ورد من رسول الله انه قال: "لست أخاف على امتي مؤمن ولا مشرك اما المؤمن فيمنعه ايمانه واما المشرك فيقمعه شركه وانما أخاف على امتي من منافق ذو لسانين" فكونهم منتسبين الى الإسلام يستغلونها للدخول في كل صغيرة وكبيرة و ينخرون المجتمع الإسلامي من داخله و يربصون بهم الدوائر قال تعالى: ﴿ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم﴾ فهم بمظهر الإيمان يهجمون غدراً و بمطلق الحرية على المؤمنين العزل و يطعنونهم من الخلف بخناجرهم المسمومة.

ثم الآية الثّالثة وما بعدها تنبئنا عن سعة باب التوبة لكل الناس ولو بلغوا من الفساد ما بلغوا اذا كانت توبتهم نصوحا واصلحوا نفوسهم وأعمالهم، وسعوا للتعويض بالخير عن ماضيهم المشين، والعودة إلى رحمة اللّه والتمسك بحبله والإخلاص للّه بالإيمان بما ورد في هذه الآية: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ والله يستقبلهم بقوله: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾

ثم یاتی مانحن فیه من قوله تعالى: فی الآیات 144-146 ونتابع بحثنا ونختم بحثنا باطلالة في بعض الروایات التی تناسب الباب

عن أبي بصير قال: سمعته -ای الصادق- يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ (الآية) من زعم أن الخمر حرام ثم شربها، و من زعم أن الزنا حرام ثم زنى، و من زعم أن الزكاة حق و لم يؤدها.

وکذلك عن محمد بن الفضيل: عن أبي الحسن الرضا (ع) في قول الله ﴿وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ-- إلى قوله- إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾ قال: إذا سمعت الرجل يجحد الحق و يكذب به- و يقع في أهله فقم من عنده و لا تقاعده.

و في الكافي، بإسناده عن أبي المعزى الخصاف رفعه قال: قال أمير المؤمنين (ع): من ذكر الله عز و جل في السر فقد ذكر الله كثيرا، إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية، و لا يذكرونه في السر فقال الله عز و جل: ﴿يُراؤُنَ النَّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾

و في الدر المنثور: أخرج ابن المنذر عن علي قال: لا يقل عمل مع تقوى، و كيف يقل ما يتقبل؟.

و فيه: عن مكحول قال: بلغني أن النبي ص قال: ما أخلص عبد لله أربعين صباحا- إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.

و فيه: عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله ص: من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، قيل: يا رسول الله و ما إخلاصها؟ قال: أن تحجزه عن المحارم. [8]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo