< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الأیات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 136من سورة النساء

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى‌ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً﴾ [1]

ورد فی المجمع فی شأن النزول : (روي عن عبد الله بن عباس أنه قال إن الآية نزلت في مؤمني أهل‌ الكتاب عبد الله بن سلام و أسد و أسيد ابني كعب و ثعلبة بن قيس و ابن أخت عبد الله بن سلام و يامين بن يامين و هؤلاء من كبار أهل الكتاب قالوا نؤمن بك و بكتابك و بموسى و بالتوراة و عزير و نكفر بما سواه من الكتب و بمن سواهم من الرسل فقيل لهم بل آمنوا بالله و رسوله الآية فآمنوا كما أمرهم الله‌)[2]

قبل الخوض فی معنى الآية ينبغي أن نبدأ بلفتة الى مفردتي الإسلام والايمان، وهما مصداق لما اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا. فالإسلام قد يستعمل ويراد منه من ينطق بالشهادتين بعنوان الإقرار بهذا الدين الحنيف كأقلّ مرتبة من المنتحلين بالإسلام، فَبِه يحقن دمه وتحل ذبيحته ويجوز نكاحه وغير ذلك مما لعامة المسلمين وهذا المعني يسع جميع مراتب الإسلام بدأً من النبي الاكرم صلى الله عليه واله الى افسق الناس وارذل الناس ممن يعترف بالإسلام. وقد يطلق على المسلم الملتزم بفروع الدين والشريعة وينفيه عمن لا يبالي بالدين. كقوله صلوات الله عليه: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، وقوله صلوات الله عليه: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه"

كما ان الايمان كذلك فقد يستعمل بمعنىً واسعاً يشمل كل من نطق بالشهادتين قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبرمقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون﴾[3] وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة﴾.[4] وقال: ﴿وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما وان بغت احداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله﴾.[5]

ففي هذه الموارد استعمل المؤمن بمعناه الواسع حتى الذي لا يوافق عمله قوله والذي والي يتخذ عدو الله وليا والذي يبغي على المؤمنين حتى يجب قتاله وقد استدل امير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة قضية صفين بهذه الآية

قد يستعمل ويراد به المؤمن العارف الملتزم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إيماناً وَعَلى‌ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ . أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَريمٌ﴾ [6]

وكذلك قول الله تعالى: ﴿وَالَّذينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَالَّذينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَريمٌ﴾ [7]

قال تعالى: ﴿قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإيمانُ في‌ قُلُوبِكُمْ وَ إِنْ تُطيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [8]

فلابد للحصول على الایمان بالمعنى الاخص تحصیل جمیع المعارف الحقة من الايمان بالله وكتبه ورسله والملائكة وغيرها من تفاصيل التوحيد والمعاد. اظن ان في الآية المبحوث عنها جمع بين الامرين فالإيمان الأول هو الأعم الواسع والايمان الثاني هو الأخص الضيق.

قال فی الامثل: (يتبيّن من سبب النّزول أنّ الكلام في الآية موجهٌ إلى جمع من مؤمني أهل‌ الكتاب الذين قبلوا الإسلام، و لكنهم لعصبيات خاصّة أبوا أن يؤمنوا بما جاء قبل الإسلام من أنبياء و كتب سماوية غير الدين الذي كانوا عليه، فجاءت الآية توصيهم بضرورة الإيمان و الإقرار و الاعتراف بجميع الأنبياء و المرسلين و الكتب السماوية، لأنّ هؤلاء جميعا يسيرون نحو هدف واحد، و هم مبعوثون من مبدأ واحد)[9]

قال فی المجمع: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ﴾ قيل فيه ثلاثة أقوال:

(أحدها) و هو الصحيح المعتمد عليه أن معناه يا أيها الذين آمنوا في الظاهر بالإقرار بالله و رسوله آمنوا في الباطن ليوافق باطنكم ظاهركم و يكون الخطاب للمنافقين الذين كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون «وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى‌ رَسُولِهِ» و هو القرآن «وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ» هو التوراة و الإنجيل عن الزجاج و غيره.

(و ثانيها) أن يكون الخطاب للمؤمنين على الحقيقة ظاهرا و باطنا فيكون معناه أثبتوا على هذا الإيمان في المستقبل و داوموا عليه و لا تنتقلوا عنه عن الحسن و اختاره الجبائي قال لأن الإيمان الذي هو التصديق لا يبقى و إنما يستمر بأن يجدده الإنسان حالا بعد حال

(و ثالثها) إن الخطاب لأهل الكتاب أمروا بأن يؤمنوا بالنبي و الكتاب الذي أنزل عليه كما آمنوا بما معهم من الكتب و يكون قوله «وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ» إشارة إلى ما معهم من التوراة و الإنجيل) [10]

اقول: ولکن ان القرآن ولو انزله الله تدريجا وعند مناسبات خاصة تسمى بشأن النزول، ولكن المطلوب حقائق لا تحدد بتلك الموارد خصوصاً اذا امعنّا النظر في معنى الايمان بالله و رسله وكتبه يشمل لجميع تفاصيل الموجودة فيها من المعارف والاحكام والأخلاق فلا داعي لحصر المخاطب او حصر المعنى في ما اتفق عند النزول.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo