< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/ الايات المصدرة ب يا ايها الذين امنوا/ سورة النساء تفسير الآيات من 71 الی 76

قال تعالی:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً﴾[1] ﴿وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً﴾[2] ﴿وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[3] ﴿فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾[4] ﴿وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾[5] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً﴾[6]

قد تحدثنا في اليوم الماضي حول مفردات الآية الأولى وأشرنا الى ان هذه الآيات والتي سبقتها والتي تليها تدل على وجود منافقين وضعيفي الايمان فيما بين المسلمين بشيء ملحوظ

قال العلامة الطباطبائي في الميزان ما ملخصه: (قد كانت المحنة شديدة على المؤمنين أيام كانت تنزل هذه الآيات، وهي كأنها الربع الثاني من زمن إقامة رسول الله ص بالمدينة كانت العرب هاجت عليهم من كل جانب لإطفاء نور الله، وهدم ما ارتفع من بناية الدين يغزو رسول الله ص مشركي مكة وطواغيت قريش، ويسري السرايا إلى أقطار الجزيرة، ويرفع قواعد الدين بين المؤمنين، وفي داخلهم جمع المنافقين وهم ذو قوة وشوكة، وقد بان يوم أحد أن لهم عددا لا ينقص من نصف عدة المؤمنين بكثير.

وكانوا يقلبون الأمور على رسول الله ص، ويتربصون به الدوائر، ويثبطون المؤمنين وفيهم مرضى القلوب سماعون لهم، وحولهم اليهود يفتنون المؤمنين ويغزونهم‌ وكانت عرب المدينة تحترمهم، وتعظم أمرهم من قديم عهدهم فكانوا يلقون إليهم من باطل القول ومضلات الأحاديث ما يبطل به صادق إرادتهم، وينتقض به مبرم جدهم، و من جانب آخر كانوا يشجعون المشركين عليهم، ويطيبون نفوسهم في مقاومتهم، و البقاء و الثبات على كفرهم و جحودهم، و تفتين من عندهم من المؤمنين).[7]

اما بالنسبة الآية الأولى ورد في الأمثل: (ففي البداية تأمر الآية المؤمنين بالتمسك باليقظة والبقاء في حالة التأهب من أجل مواجهة العدو، وتحذرهم من الغفلة عن هذا الأمر: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ...ثمّ تأمر الآية بالاستفادة من الأساليب والتكتيكات المختلفة في مواجهة العدو، من ذلك الزحف على شكل مجموعات إن تطلب الأمر مثل هذا الأسلوب، أو على شكل جيش موحّد مترابط إن استدعت المواجهة هجوما شاملا منسجما، وفي كلتا الحالتين لا بدّ من المواجهة الجماعية فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً).[8]

ظاهر كلام الأمثل هذا ان ما جاء في هذه الآية بيان لمرحلتين من الحكم فقد ورد اخذ الحذر في بدء الامر ثم جاء في فترة أخرى الامر بالنفور فصدْر الآية متعلق بزمان وذيلها حكم لزمان أخر وهو خلاف الظاهر بل ما يلي الصدر تنفيذ لما في الصدر فهذا النفر مصداق للحذر.

ثم ان الآية الكريمة إمّا هي بيان لقضية حقيقية فهي تشتمل على أمر عام مطلق لجميع المسلمين في كلّ العصور والأزمنة، ويدعو المسلمين إلى الالتزام باليقظة والاستعداد الدائم لمواجهة أي طارئٍ من جانب الأعداء ولحماية أمن الأمّة، وذلك عن طريق التحلّي بالاستعداد المادي والمعنوي الدائمين.

ويشتمل أمر «الحذر» أيضا على الاستعداد النفسي والثقافي والاقتصادي، لتعبئة كافة الإمكانيات البشرية، والاستفادة من أقوى أنواع الأسلحة وأكثرها تطورا في الوقت المطلوب، وكذلك الإلمام بصور استخدام هذا السلاح وأساليبه،

او هي بيان لقضية خارجية في واقعة وقعت في عصر النبي صل الله عليه واله والقضية خارجية لا إطلاق لها، ولكن بما ان فعل النبي صلوات الله عليه وقوله وتقريره حجة لجميع المسلمين وفي جميع الأجيال فيجب علينا ان نتاسى به ونقتدي بأعماله إذا حصل لنا مثل تلك المواقف لمشاركة جميع المسلمين مع النبي صلى الله عليه واله في الاحكام الإلهية الا ما اختص به النبي بدلالة صريحة او دلالة قرينة.

فعلى كل حال لو كان المسلمون التزموا بهذا الأمر وطبقوه على حياتهم لاستطاعوا أن‌ يجنّبوا أنفسهم وأمّتهم الفشل والتقهقر والهزيمة على مدى تاريخهم المليء بالأحداث.

نعم لكل ظرف ما يقتضيه من الأساليب مع حفظ الأصول وهذا الذي يستفاد من هذه الآية الكريمة، من اختلاف الأساليب في مواجهة العدو بما تقتضيه الضرورة، ويعيّنه الميدان، من حيث العدد والعدّة وغير ذلك، ففي مثل عصرنا حيث ان الدور الأهم لنوعية السلاح وقد يكون كثرة العدد مخل بالعمل الجهادي فلابد من الإهتمام للحصول على أسلحة متطورة.

وقد يطرح سؤال نفسه بان موضع الجمهورية الاسلامية بعدم الاقتراب من الأسلحة النووية كيف يجتمع مع هذا الواجب ونعلم ان اعداءنا متسلحون بالأسلحة النووية.

الجواب عن هذه الشبهة: ان الحاجة الى السلاح في النظام الإسلامي العادل انما تكون لدفع هجوم الأعداء المهاجمين والمحتلين لبلادنا او للدفاع عن المظلومين الذين يستنجدون بنا بمصداق قول الله تعالى: مالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء. اما الاسلحة النووية يهلك الحرث والنسل ولا يقتل المحاربين وهذه الأنظمة التي تملك السلاح النووي ما استطاعوا ان يتقدموا بسلاحهم في حرب. ان امريكا ما استطاع ان تتغلب بسلاحها النووي في كوبا والسوفياتي ما استطاعت ان تتغلب على مجاهدي أفغانستان واقرت بالهزيمة وكذا المتفقين وفي رأسهم امريكا اقروا بالهزيمة في مقابل انصار الله في اليمن والصهاينة ما امنتهم أسلحتهم النووية عن ضربات مجاهدي فلسطين وهم يعيشون خوفاً شديداً عن قوى المقاومة في لبنان وسوريا ومن ورائهم الجمهورية الإسلامية و لعل قول الله تعالى: "فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً" تفيدنا محاربة اعداءنا كل شعب بنفسه او اجتماع الشعوب المسلمة اذا دعت الحاجة اليها.

اما قوله تعالى: ﴿وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً . وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ فيبين حالة بعض المنافقين او ضعيفي الايمان ونقف عند هذه الآية في اليالي القادمة ان شاء الله


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo